يبدأ الموضوع عند إعلان القس “سميث بيغوت” زعيم طائفة “الأغابيمون” عن كونه هو المسيح الذي هو الله بحسب الفكر المسيحي وذلك أثناء إقامة القس في العاصمة الإنكليزية لندن مما أثار نقمة المسيحيين وغضبهم وولاء البعض الآخر وتصديقهم لهم، وقد ذاع صيت القس بيغوت في أرجاء العالم حتى وصل إلى القارة الهندية فسمع به المسيح الموعود حضرة مرزا غلام أحمد عَلَيهِ السَلام، فأرسل له المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام ينذره بعقاب إلهي مدمر إذا لم يتوقف عن ادعاء الألوهية هذا في حياته، وقد تحققت هذه النبوءة بشكل عظيم حيث تعرض القس بيغوت إلى تدهور في النواحي المادية والصحية والنفسية والاجتماعية حتى تخلى عنه الجميع ليموت وحيداً بائساً ولتنهار طائفته من بعده بالكامل ويباع البيت الذي يضم القبر الذي دفن فيه ثم يختفى عن الوجود وأذهان الناس ولا يبق من أثر يدل عليه إلا تراب ورفات تقبع تحت مخزن مظلم للخردة.

ما يقوله خصوم الجماعة الإسلامية الأحمدية للعجب هو أن هذه النبوءة لم تتحقق وذلك لان القس مات بعد وفاة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام وليس في حياته ويستخدمون مغالطة ملخصها أن نبوءة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام تتضمن “موت الكاذب في حياة الصادق”، والحقيقة أن هذا النص لا وجود له في النبوءة لأنها تقول بحسب ما نشرته جريدتا بدر والحكم التابعتان للجماعة في ذلك الوقت ما يلي:

عندما توجّه المسيح الموعود عليه السلام في قضية بيغوت ودعا الله تعالى رأى في الرؤيا أن هناك كتبًا قد كُتب عليها: “تسبيح تسبيح تسبيح“. ثم تلقى الوحي التالي: “والله شديد العقاب إنهم لا يحسنون“.

وقد شرح المسيح الموعود عليه السلام هذا الوحي فقال: “يتضح من هذا الوحي أن حالته الموجودة فاسدة، أو أنه لن يتوب بعد ذلك. ومن معاني هذا الوحي: أنه لا يؤمن، ومن معانيه أنه لم يحسن صنعا، وإنما افترى على الله واختلق. أما جملة (والله شديد العقاب) فتوضح أنه لن يكون مصيره خيرا، وسيحلّ به عذاب الله. والحقّ أنها جسارة كبيرة أن يدعي أحد الألوهية” (التذكرة، نقلا عن جريدة البدر، مجلد 1، عدد 4، بتاريخ 21-11-1902ص25، وعن جريدة الحكم، مجلد 6، عدد 42 بتاريخ 24-11-1902 ص6)

إذن لم تقل النبوءة أن الكاذب سيموت في حياة الصادق كما يدعي الخصوم.

لقد نُشر إعلان يقول المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام فيه: “إنني أحذره (بيغوت) من خلال هذا الإعلان، فإذا لم يتب عن ادعائه فسوف يُدمَّر عما قريب حتى في حياتي“.

ولم يقل بأنه سيموت مع أنه إذا قالها فقد صدق أيضا، لأن بيغوت توقف بالفعل عن ادعاء الألوهية بعد هذا الإعلان، فانتفى بذلك شرط دماره.

لقد أُجريت دراسات عديدة على طائفة أغابيمون التي تأسست في القرن التاسع عشر وترأسها بيغوت بعد ذلك ومن بينها وأهمها الرسالة الأكاديمية (١) للدكتور “جوشوا شويسو” حول طائفة الأغابيمون والتي نال بسببها شهادة الدكتوراه من “جامعة ردنغ” الإنكليزية وجاء فيها:

We can see traces of Agapemone activities in India in 1902…in this very year another claimer to messiahship in India, Mirza Ghulam Ahmad, chief of Qadian, Punjab, published an announcement in which Pigott was given a warning that…….if he did not abstain from his claim to godship then he would immediately be destroyed/turned to dust and bones.

الترجمة: أمكن في العام ١٩٠٢ مشاهدة آثار فقط لأنشطة طائفة الأغابيمون في الهند، وفي هذا العام بالذات قام مدع آخر لمنصب المسيح وهو مرزا غلام أحمد، رئيس قاديان في البنجاب، قام بنشر إعلان أنذرَ فيه بيغوت بأنه إذا لم يتوقف عن ادعاء الألوهية فإنه سوف يُدَّمَر على الفور / أو ينتهي به الحال إلى مجرد تراب ورفات.      

قام السيد آصف باسط (٢) من الجماعة الإسلامية الأحمدية بزيارة شخصية للسيدة “آن بكلي” حفيدة القس “سميث بيغوت” وبحثَ في مكتبة بيغوت الشخصية وفي مكتبة منطقة “سومرسيت” وهي المنطقة لجأ إليها بيغوت هرباً من نقمة الجماهير الغاضبة في لندن بعد ادعائه الألوهية بإعلانه أنه المسيح، وبعد البحث في المكتبة الشخصية لبيغوت ومكتبة المدينة لم يعثر على أي أثر لادعاء بيغوت الألوهية بعد إعلان المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام، أي أن بيغوت قد توقف تماماً عن إعلان الألوهية في الفترة بين ١٩٠٢-١٩٠٨، ويدعم ذلك أيضاً قيام بيغوت بتقديم نفسه كقسيس فقط لا أكثر عند تسجيل ابنه في سجلات المواليد وذلك عام ١٩٠٥. كذلك وجد الأستاذ باسط الكتاب المقدس الخاص ببيغوت والذي كان القس يستخدمه لكتابة ملاحظاته ومذكراته والذي أهداه لإبنه، وفيه كتبَ بيغوت أنه يؤمن بالله الذي في السَّمَاوَاتِ، كذلك من بين الآثار الأخرى صورة كتب عليها بيغوت باللاتينية أنه مجرد إنسان ولا علاقة له بما يقول عنه الناس. وبذلك يتضح أن بيغوت قد توقف تماماً عن ادعاء الألوهية في حياة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام، وهذا ما توصل إليه الباحثون وخاصة الدكتور “جوشوا شويسو” صاحب الدراسة التي نال بسببها الدكتوراه من الجامعة البريطانية الذي كتب بأن بيغوت تراجع عن ادعاء الألوهية (٣)، وذلك هو شرط الوعيد الذي أعلنه المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام.

إن خصوم الجماعة الإسلامية الأحمدية الذين يسبون ويلعنون حضرة المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام ويُثيرون الجلبة حول عدم موت بيغوت في حياة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام من جهة يناصرون قِس نصراني يدعي بأنه الله ﷻ ويعادون رجلاً مسلماً تحدّى ذلك الادعاء ليظهر صدق الإسلام، ومن جهة أخرى يتركون شرط الوعيد الذي هو استمرار ادعاء القس للألوهية والذي ينتهي بانتهائه وقد ثبت أن القس توقف عن ذلك الادعاء في حياة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام، فزال بذلك الوعيد، ولم يكن الأمر عداوة شخصية بين المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام وبين القس بل هو وعيد للكف عن ادعاء الألوهية فحسب. كما أن على الخصوم أن يفهموا بأن هذا الهجوم والسب في حق المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام إنما هو في الحقيقة تحدي لله ﷻ الذي توعد بقطع دابر المتقولين والذي بحسب الواقع صدق وعده في بيغوت الذي توقف عن ادعاء الألوهية والنبوة قبل مماته، بينما عاش المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام إلى آخر يوم من عمره الشريف مواصلاً دعوى النبوة وإلى اليوم تتمسك جماعته بنبوته وهي بفضل الله تعالى تتنشر وتزدهر يوماً بعد يوم.

بعد وفاة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام بسنة أي في عام ١٩٠٩ عاد القس بيغوت إلى ادعاء الألوهية من جديد فبدأت النبوءة تنطبق لكي يحل الخراب بالطائفة كلها حتى دمار زعيمها بافتضاح علاقاته الجنسية مع النساء في منزله الذي سماه “دار الحب” والذي كان إسماً على مسمى إذ كانت العلاقة المحرمة تُمارس فيه بين القس بيغوت وراهبات الطائفة. وقد وصف “دونالد مكورماك” في كتابه “معبد الحب” (٤) كيف تخلّت أهم خليلة لبيغوت وهي “روث بريس” عن القس بعد تدهور حالته وإصابته بمرض عقلي ونفسي فتبرأت منه وتركته مما سبب له المزيد من الضعف والتدهور حتى أخذه الله تعالى في عام ١٩٢٧ والذي شهد النهاية المأساوية للقس بعد حياة مضطربة من التدهور والفضائح والمرض والانحدار والذي انتهى بانتهاء الطائفة بشكل كامل. ويضيف الأستاذ باسط بأنه تفاجأ عند زيارة بيت القس الذي اشترته أسرة أخرى من عدم علمهم عن القس بيغوت حتى أن قبره قد اختفى تماماً ولم يعد له أثر، ثم بعد تتبع خريطة البيت وتحقيق في تاريخه تبيّن أن قبر القس بيغوت هو الآن عبارة حجرة يستخدمها أصحاب المنزل كمخزن لأغراضهم العاطلة. كذلك قالت السيدة آن بكلي حفيدة القس بيغوت بأن من أهم مقتنيات القس كان لوحاً تراثياً كُتب عليه اسم القس وتاريخ ميلاده ووفاته، ولكن ابن القس بيغوت باع اللوح لكي يغطي ثمن المشروبات الكحولية التي أدمنها حتى باع آخر قطعة من آثار والده القس بيغوت واستمر التدهور حتى انهيار الطائفة بأكملها واختفائها بشكل تام، وقد كتب الدكتور “شويسو” ما يلي:

In exact opposite to Agapemone’s situation, the foundation for the Islamic sect which Mirza Ghulam Ahmad had laid down is today still flourishing.

الترجمةعلى العكس تماماً مما حدث لطائفة “الأغابيمون”، فإن الجماعة الإسلامية التي أسسها مرزا غلام أحمد لا تزال مزدهرة إلى يومنا هذا.   

حسب التقرير الرسمي للمكتبة العالمية (٥) فقد اتضح بعد التحقيق أن القس بيغوت كان يقيم علاقات جنسية محرمة مع راهبات كنيسته وقد أنجب منهن أولاداً نتيجة تلك العلاقات المحرمة، وهذه إحدى فضائح بيغوت التي زلزلت عرشه ومصداقيته كمدعي للمسيح. كذلك يذكر التقرير عبارة مهمة للغاية تظهر صدق المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام، وهي باللغة الانكليزية:

Smyth-Pigott died in 1927 and the sect gradually declined until the last member, sister Ruth, died in 1956.

الترجمة: مات سميث بيغوت في ١٩٢٧ وانهارت طائفته تدريجياً من بعده حتى آخر عضو فيها، وهي الأخت “روث” التي ماتت هي الأخرى في ١٩٥٦.

بالإضافة لما سبق يشهد التقرير (٤) بصدق المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام كما يلي:

in 1902 his fame had spread as far as India, from where Mirza Ghulam Ahmad warned him of his false teachings and predicted his miserable end.

الترجمة: في ١٩٠٢ ذاعت شهرة القس سميث بيغوت في الأرجاء حتى وصلت إلى الهند حيث قام مرزا غلام أحمد بإنذار بيغوت لنشره تعاليم كاذبة وتنبأ أحمد بالنهاية البائسة للقس بيغوت.

هذه هي نهاية القس الذي ادعى بأنه المسيح وأنه الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا بالضبط كما تنبأ المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام، فماذا يريد خصوم الجماعة الإسلامية الأحمدية أكثر من هذا السقوط المدوي والكامل لهذا القس وأتباعه حتى آخر فرد فيهم والشهادة بصدق نبوءة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام ؟

أما قول الخصوم بأن الصورة هي مجرد إعلان مدفوع الأجر قام به الأحمديون بدليل توقيع الأستاذ غلام ياسين فهو كلام مؤسف لأن القاريء العادي سيقرأ المرجع المذكور في الصورة نفسها الذي يقول بأنها مطبوعة من النسخة الأصلية لصحيفة “هيرالد بوسطن” والموجودة في أرشيف “جامعة ماساشوستس” وهو متوفر لمن يرغب بالاطلاع عليه.

وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ


المصادر

١-  Deluded Inmates, Frantic Ravers and Communists: A sociological Study of the Agapemone, a sect of Victorian Apocalyptic Milleniars, p.171.

٢-  Review of Religions

٣-  روح الهدى

٤-  The Temple of Love by Donald McCormick, p.112 & p.149.

٥-  Gutenberg

About الأستاذ فراس علي عبد الواحد

View all posts by الأستاذ فراس علي عبد الواحد