شبهة قول المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام بكذب ابراهيم وعيسى عليهم السلام

يقتبس الخصم نصاً مبتوراً من كلام المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام لكي يوهم القراء بأن المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام يُسلِّم بما يقوله النصارى وغيرهم عن أنبيائهم والعياذ بالله، والنص كما يلي :

يقول مرزا غلام أحمد: ((فليكن معـلوماً أنه قد ظلت تظهر من الانبياء في معظم الاحيان أسرار دقيقة قولا وعملا, وكانت في نظر قليلي الفهم سخيفة ومخجلة جداً, مثل استعارة موسى أواني المصريين وأقمشتهم واستخدامها لمصلحته, وذهاب المسيح عليه السلام الى بيت عاهرة واستخدامه طيبا قدمته له ولم يكن من الكسب الحلال, وعدم منعه إياها من دهن رأسه بذلك الطيب, وكلام إبراهيم عليه السلام ثلاث مرات بدا كذبا في الظاهر)) مرآت كمالات الاسلام صفحة 159_160 .

الجواب:

سنترك المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام بنفسه يرد على هذه الشبهة وذلك من خلال كتابات حضرته عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام لكي يكون الكلام دقيقاً تاركين للقراء الحكم على الموضوع بالعدل والإنصاف.

يقول المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام في رسالته إلى البطالوي:

«فيا عزيزي، لا تيأس من رحمة الله، فهو قادر على كل شيء وفّعاٌل لما يريد. فلو أمعنت في سوانح حياتي باحثا عن الحق فيتبين لك بأدلة قاطعة أن الله تعالى حماني دائما من نجاسة الكذب، لدرجة أن حياتي وكرامتي كانتا أحيانا في خطٍر أمام المحاكم الإنجليزية، ولم يستطع المحامي أيضا أن يقترح شيئا إلا كذب المقال، ولكنني خاطرتُ بتوفيق من الله بحياتي وكرامتي من أجل الصدق. وفي كثير من الأحيان تكبّدتُ في الأمور المالية خسائر كبيرة من أجل الصدق فقط، وأحيانا أخرى شهدتُ على والدي وأخي خشية لله ولم أترك الحق. لقد لبثتُ عمرا في هذه القرية وفي مدينة “بطاله”، ولكن مَن يستطيع أن يثبت بأني كذبت مرة ؟ فما دمت منذ البداية تحاشيتُ الكذب على الناس لوجه الله فقط، وقد فديتُ الصدقَ بحياتي ومالي مرارا؛ فكيف أكذب على الله؟» (مرآة كمالات الإسلام، ص ١٦٧-١٦٨)

ويقول عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام في نفس الصفحة التي استشهد بها الخصم مباشرة بعد ذكر موضوع كذب النبي ابراهيم عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام والعياذ بالله ما يلي:

«فلتتذكر أيها الشيخ البطالوي أن اتهامك لي بالكذب نتيجة جهلك، مثله كمثل اتهامات الأشرار التي ألصقوها بالأنبياء عليهم السلام.» (مرآة كمالات الإسلام، ص ٣٦٠)

ويقول عَلَيهِ السَلام أيضا في ذات الصفحة:

«ولكن إذا بدت كلمة من كلامي كذبا مثلما بدا من كلام خليل الله عَلَيهِ السَلام في نظر جاهل، فهذه غباوته التي ستخزيه يوما من الأيام حتما.» (نفس المصدر)

ثم يقول عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام في نفس الكتاب بعد صفحات قليلة في رده على البطالوي:

«لقد ألصق المفترون الأشرار أمثالك التُهَم نفسها بالأنبياء؛ فقد اتهموا إبراهيم عَلَيهِ السَلام بالكذب، واتهموا موسى وعيسى بأكل المال الحرام. وكذلك يتهم المسيحيون العمهون في العصر الراهن النبيَّ الأكرم ﷺ أنه نهب مال قافلةٍ بدون حَرب. وكُتبهم مليئة بمثل هذه التهم.» (مرآة كمالات الإسلام، ص ٣٦٣)

ويقول عَلَيهِ السَلام بأن موضوع المرأة الزانية يخص يسوع الأناجيل حيث نسبت له هذه القصة المشينة وليس هو عيسى عَلَيهِ السَلام الذي كرَّمه القرآن الكريم، فيقول عَلَيهِ السَلام:

«ولكن ماذا نكتب وماذا نقول عن يسوعكم؟ وإلى متى نبكي على حاله؟ هل كان مناسبا أن يهيئ فرصة لامرأة زانية أن تجلس ملتصقة معه في عز شبابها حاسرة الرأس، وتلمس قدميه بشعرها بكل غنج ودلال، وتدهن رأسه بعطر كسبته بالحرام؟ لو كان قلب يسوع بريئا من الأفكار الفاسدة أو السيئة لمنع مثل هذه المرأة المومس من الاقتراب إليه حتما..» (كتاب نور القرآن – الخزائن الروحانية؛ ج9، ص449)

وكان المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام قد وضّحَ عقيدته في عيسى عَلَيهِ السَلام في نفس الكتاب فقال:

«نكشف للقراء بأن عقيدتنا في سيدنا المسيح عَلَيهِ السَلام سليمة جدًّا، وإننا نؤمن من أعماق قلوبنا بأنه كان نبيًا صادقًا من الله تعالى، ومحبوبًا لديه. ونؤمن حسبما أنبأنا القرآن الكريم بأنه كان يؤمن من صميم فؤاده بمجيء سيدنا ومولانا محمد المصطفى ﷺ. وكان خادمًا مخلصًا من مئات الخدام لشريعة سيدنا موسى عَلَيهِ السَلام. فنحن نكرمه تمامًا بحسب مقامه، ونأخذ مقامه هذا بعين الاعتبار دائمًا.» (نور القرآن، الخزائن الروحانيةج9، ص 374)

فيتضح من كلام حضرته عَلَيهِ السَلام أنه ما ذكر ذلك موافقة ولكن على سبيل الجدال لا غير؛ أي هذا ما يقوله النصارى عن أنبيائهم خاصة وأن المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام يذكر للبطالوي أمثلة على اتهام النبيين بالكذب لكي يدحض اتهامه له بدون دليل مبيّناً بأنه لم يكذب كما أن ابراهيم عَلَيهِ السَلام لم يكذب بل هذا ما يظنه الجهلة الأغبياء، وهكذا يلصق النصارى هذه التُهم بأنبيائهم افتراء وكذبا، وهذا أيضاً يظهر تناقض البطالوي مع نفسه وهو الذي مدح المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام بأعظم العبارات وشهد بصدقه عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام قبل إعلانه بأنه المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام فصار كلامه حجة عليه إلى يوم القيامة.

شهادة مهمة على صدق المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام وكذب البطالوي

كَتَبَ السيد ناصر نواب الذي كان من أعداء المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام سابقاً رسالة حول انطباعه عن الجلسة السنوية بقاديان التي تلقى فيها دعوة من المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام للحضور ومعاينة أفضال الله ﷻ، فقال:

وفوق كل ذلك إن صديقي أو مقتدايَ القديم محمد حسين البطالوي عاكف على صرف الناس وتنفيرهم من السيد الميرزا المحترم، وقد دفعتُه أنا إلى سوء الظن بالسيد الميرزا المحترم فيما سبق، فأغواني هو هذه المرة، وأبعَدني عن الصراط المستقيم وبذلك أصبحنا سواسية، ولكن الشيخ البطالوي لا يزال يعاديه. وحين طلب الميرزا المحترم مني حضور الجلسة الآن، أوصل مخبرٌ هذا الخبر إلى الشيخ البطالوي، فبعث هذا الناصح المشفق إليّ رسالة بواسطة محاميه، كال فيها شتائم بذيئة بحق الميرزا المحترم، واستخدم كلمات نابية جدا لدرجة أستحيي من إعادتها. ولم يراعِ الشيخ أن السيد الميرزا المحترم – إضافة إلى كونه رجلا صالحا – هو من أقاربي الأقربين أيضا، مع كل ذلك يّدعي بحبي. واأسفاه ! لقد اشترك في هذا الاجتماع أكثر من ثلاث مئة شخص صالح ونبيل يقطر من وجوههم نور الإسلام، وكان الحشد يضم الأثرياء والفقراء، النواب والمهندسين، رؤساء المخافر والمديريات، والمزارعين والتجار والأطباء. باختصار، كان فيهم أناس من كل الفئات الاجتماعية. نعم كان هناك بعض المشايخ أيضا، ولكنهم كانوا مشايخ مساكين؛ فمن كرامات السيد الميرزا المحترم أن تقترن كلمة متواضعة أي “مسكين” مع المشايخ، إذ قد تمسكنوا ببركة صحبة الميرزا المحترم. وإلا فالشيخ المسكين، والصوفي المجتنب للبدعات في هذه الأيام، في حكم الكبريت الأحمر وبمنـزلة الجوهرة النادرة.» (مرآة كمالات الإسلام، ص ٤١٣-٤١٤)

أما رد المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام على مثل هؤلاء فهو الدعاء لهم بالخير. يقول عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام:

«أقول حلفا بالله وأُشهد الله عالم الغيب على أن قلبي عامر بحسن النية، ولا أعادي أيَّ شخص قط. ومهما كانت بذاءة لسان أحد ومهما كان مسيئا الظن، ومهما آذاني لعدم خشيته الله، فسأدعو له أن ارزقْه يا ربي القدير عقلاً وفهماً. وأعذُرهُ في أفكاره النجسة وكلامه غير اللائق، لأني أعلم أن طينته ما زالت هكذا، ولا تزال فطنته ونظرته عاجزة عن الوصول إلى الحقائق السنية.» (مرآة كمالات الإسلام، ص ٤٢٣)

وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

About الأستاذ فراس علي عبد الواحد

View all posts by الأستاذ فراس علي عبد الواحد