خطبة الجمعة

التي ألقاها أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز

الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام

يوم 16/2/2018

*****

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّين. آمين.

ينبغي أن يراعي المؤمن -أي ذلك الشخص الذي يدعي أنه يؤمن بالله تعالى- قول الله دومًا أنه عز وجل خلقنا لعبادته إذ قال: ]وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ[ (الذاريات: 57). إضافة إلى ذلك فقد علّمنا الله تعالى طرق العبادة التي تتضمن جزءًا عمليًّا لها من قبيل الحركة والسكنة وتتضمن أيضا كلمات الأدعية التي يمكن أن نسميها الذكر أيضا. إن الصلاة تجمع بين هذين الأمرين أي بين الحركات الظاهرية والذكر والأدعية. ولكن على المؤمن أن ينشغل في ذكر الله والأدعية في غير الصلوات أيضا.

لقد علّمنا الله تعالى في القرآن الكريم كثيرا من الأدعية على لسان مختلف الأنبياء ويمكن أن ندعو بها في الصلاة كما يمكننا ترديدها وذكر الله تعالى قياما وقعودًا أيضا.

يكتب لي الناس في رسائلهم عن مشاكلهم وما يتعرضون له من مصاعب وغيرها ويطلبون مني أن أخبرهم عن دعاء يرددونه أو ذكر يواظبون عليه حتى تزول عنهم مشاكلهم وبلاياهم. وأرد عليهم بشكل عام أن يركزوا على الصلوات ويكثروا من الأدعية في سجودهم وصلواتهم ويستعينوا بالله تعالى، ولكن اليوم أخبركم عن ذكر ثبت بسنة النبي ﷺ وهو أدعية منـزّلة من الله تعالى، وعند التفكير في مفاهيم هذا الذكر وترديده يكسب الإنسان المعرفة بتوحيد الله تعالى كما ينعم بحفظ الله تعالى ورعايته ويُحفظ من جميع أنواع الشرور.

كان النبي ﷺ يواظب على قراءة هذه الآيات والأدعية قبل النوم كما كان يوصي صحابته أيضا بقراءتها. ولقد ذكر النبي ﷺ أهمية هذه الأدعية وهذه الآيات ومنافعها في مواطن كثيرة. وهناك رواية عن سنة النبي ﷺ بهذا الخصوص تقول: كان النبي ﷺ إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما فقرأ فيهما: قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، وآية الكرسي ثم مسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه، يفعل ذلك ثلاث مرات.

فينبغي على كل مسلم أن يلتزم بالعمل الذي واظب عليه النبي ﷺ لدرجة أصبح سنته الطاهرة. وعلينا نحن الأحمديين -الذين أرشدهم المسيح الموعود ؏ في هذا العصر إلى العمل بكل سنة النبي ﷺ وبكل أعماله- أن نسعى جاهدين للعمل بهذه السنة بوجه خاص، ولاسيما في هذه الأوضاع التي نمرّ بها لا بد لنا من التركيز على الأدعية والصلوات والأذكار من أجل تطوير حالتنا الروحانية الشخصية ولأمورنا الدنيوية، بل ينبغي التركيز عليها كواجب هام لينقذ الله تعالى الجماعة من الفتن والفساد وشر الحساد والأعداء.

تتوضح أهمية هذا الذكر وهذه الآيات من بعض الأحاديث التي سأقدمها لكم الآن.

أما بالنسبة إلى آية الكرسي فقد سلطت الضوء على أهميتها قبل أسبوعين، لذلك أتكلم اليوم عن الأحاديث النبوية التي ذكرت السور الثلاث الأخيرة من القرآن الكريم لتعرفوا كيف كان النبي ﷺ ينصح أصحابه بقراءة هذه السور مرة بعد أخرى وبطرق مختلفة.

ورد في رواية عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمَعَ كَفَّيْهِ ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا فَقَرَأَ فِيهِمَا قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ يَبْدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.

لقد كان النبي ﷺ يهتم بهذا الأمر بكل مواظبة لدرجة أنه لما مرض ﷺ كانت السيدة عائشة رضي الله عنها تقرأ هذه الأدعية ثم كانت تنفث في يدي النبي ﷺ ثم كانت تمسح بهما جسده. تقول عائشة رضي الله عنها: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ إِذَا اشْتَكَى يَقْرَأُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ وَيَنْفُثُ فَلَمَّا اشْتَدَّ وَجَعُهُ كُنْتُ أَقْرَأُ عَلَيْهِ وَأَمْسَحُ بِيَدِهِ رَجَاءَ بَرَكَتِهَا.

لقد خطر هذا ببال عائشة رضي الله عنها لأن النبي ﷺ كان مواظبًا على هذا العمل وكان قد وضّح لها أهمية هذا الأمر.

ثم كيف أشعر النبي ﷺ صحابته بأهمية هذه السور؟ يقول عن ذلك عقبة بن عامر رضي الله عنه: لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَابْتَدَأَنِي فَأَخَذَ بِيَدِي فَقَالَ يَا عُقْبَة بْن عَامِرٍ أَلَا أُعَلِّمُكَ خَيْرَ ثَلَاثِ سُوَرٍ أُنْزِلَتْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ وَالْفُرْقَانِ الْعَظِيمِ قَالَ قُلْتُ بَلَى جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ قَالَ فَأَقْرَأَنِي قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ. ثُمَّ قَالَ يَا عُقْبَةُ لَا تَنْسَاهُنَّ وَلَا تَبِيتُ لَيْلَةً حَتَّى تَقْرَأَهُنَّ. قَالَ عقبة فَمَا نَسِيتُهُنَّ مِنْ مُنْذُ قَالَ لَا تَنْسَاهُنَّ وَمَا بِتُّ لَيْلَةً قَطُّ حَتَّى أَقْرَأَهُنَّ.

ويوضح قول النبي ﷺ: “لَا تَنْسَاهُنَّ وَلَا تَبِيت لَيْلَةً حَتَّى تَقْرَأَهُنَّ” مدى مواظبة النبي ﷺ على قراءتها. لقد كان النبي ﷺ أكثر الناس عملا بأوامر الله تعالى وأحكامه وأكثر مواظبة على الأدعية ولأجل ذلك كان ينصح الآخرين أيضا بالعمل بها.

ثم ذُكر في الحديث عن أهمية سورة الإخلاص أي تلك السورة التي تبدأ بـ”قل هو الله أحد” وذلك في رواية عن أبي سعيد الخدري أَنَّ رَجُلًا سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ يُرَدِّدُهَا فَلَمَّا أَصْبَحَ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ وَكَأَنَّ الرَّجُلَ يَتَقَالُّهَا (أي ذكر ذلك بصورة الشكوى) فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ.

ذكر أبو سعيد الخدري رضي الله عنه تفاصيل هذا الأمر مرة فقال:

قَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِأَصْحَابِهِ أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ فِي لَيْلَةٍ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَقَالُوا أَيُّنَا يُطِيقُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الصَّمَدُ ثُلُثُ الْقُرْآنِ.

وهناك رواية في صحيح مسلم عن كون سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن عن أبي هريرة رضي الله عنه: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: احْشُدُوا فَإِنِّي سَأَقْرَأُ عَلَيْكُمْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ فَحَشَدَ مَنْ حَشَدَ ثُمَّ خَرَجَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ فَقَرَأَ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، ثُمَّ دَخَلَ فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ: إِنِّي أُرَى هَذَا خَبَرٌ جَاءَهُ مِنْ السَّمَاءِ فَذَاكَ الَّذِي أَدْخَلَهُ ثُمَّ خَرَجَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ إِنِّي قُلْتُ لَكُمْ سَأَقْرَأُ عَلَيْكُمْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ أَلَا إِنَّهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ.

لماذا اعتبرها النبي ﷺ تعدل ثلث القرآن؟ لأن الله تعالى قد أنزل القرآن الكريم لإثبات توحيد الله تعالى وترسيخه، وهذه السورة تحتوي على بيان رائع عن التوحيد وبكلمات واضحة وجامعة. وبالتفكير في كلماتها والعمل بها يمكن للإنسان العمل بالتوحيد الحقيقي. وإذا سعى الإنسان للعمل بكلام الله تعالى بعد فهمه واستيعابه فكأنه أصبح يفهم التوحيد الحقيقي ويتشبث به، وبالتالي يُوفَّق للعمل الكامل بتعاليم القرآن الكريم. فعلى الإنسان ألا يظن بأنه بمجرد قراءة سورة الإخلاص يكون قد قرأ ثلث القرآن، بل معناه أن تقرأوها وتتشبثوا بالتوحيد وتعملوا به.

إضافة إلى ذلك هناك روايات آخرى تحتوي على آيات قرآنية أخرى قال عنها النبي ﷺ أنها تعدل ربع القرآن. فلو ظن بعض الناس أن قراءة هذه الآيات القليلة من القرآن الكريم تعدل ختمة القرآن فليس ذلك صحيحًا لأن النبي ﷺ وضح المراد منه وهو أنكم إذا عملتم بهذه الأمور وسعيتم للتدبر في القرآن الكريم ولإقامة توحيد الله تعالى فبذلك تُعَدّون من قُرّاء القرآن الكريم. ما هو القرآن الكريم؟ إنما جميع تعاليمه تصبّ في ترسيخ التوحيد وإقامته وهو أمر ينبغي على كل إنسان أن يسعى له ويدعو لأجله.

عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ بَعَثَ رَجُلًا عَلَى سَرِيَّةٍ وَكَانَ يَقْرَأُ لِأَصْحَابِهِ فِي صَلَاتِهِمْ فَيَخْتِمُ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ سَلُوهُ لِأَيِّ شَيْءٍ يَصْنَعُ ذَلِكَ فَسَأَلُوهُ فَقَالَ لِأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّه. (صحيح البخاري،كتاب التوحيد)

وفي رواية أخرى عنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يَؤُمُّهُمْ فِي مَسْجِدِ قُبَاءَ فَكَانَ كُلَّمَا افْتَتَحَ سُورَةً يَقْرَأُ لَهُمْ فِي الصَّلَاةِ فَقَرَأَ بِهَا افْتَتَحَ بِقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا ثُمَّ يَقْرَأُ بِسُورَةٍ أُخْرَى مَعَهَا وَكَانَ يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فَكَلَّمَهُ أَصْحَابُهُ فَقَالُوا إِنَّكَ تَقْرَأُ بِهَذِهِ السُّورَةِ ثُمَّ لا تَرَى أَنَّهَا تُجْزِئُكَ حَتَّى تَقْرَأَ بِسُورَةٍ أُخْرَى فَإِمَّا أَنْ تَقْرَأَ بِهَا وَإِمَّا أَنْ تَدَعَهَا وَتَقْرَأَ بِسُورَةٍ أُخْرَى قَالَ مَا أَنَا بِتَارِكِهَا إِنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ أَؤُمَّكُمْ بِهَا فَعَلْتُ وَإِنْ كَرِهْتُمْ تَرَكْتُكُمْ وَكَانُوا يَرَوْنَهُ أَفْضَلَهُمْ وَكَرِهُوا أَنْ يَؤُمَّهُمْ غَيْرُهُ فَلَمَّا أَتَاهُمْ النَّبِيُّ ﷺ أَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ فَقَالَ يَا فُلانُ مَا يَمْنَعُكَ مِمَّا يَأْمُرُ بِهِ أَصْحَابُكَ وَمَا يَحْمِلُكَ أَنْ تَقْرَأَ هَذِهِ السُّورَةَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي أُحِبُّهَا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِنَّ حُبَّهَا أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ.

وجاء في رواية أخرى: عَن الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا لِرَسُولِ اللهِ ﷺ انْسُبْ لَنَا رَبَّكَ فَأَنْزَلَ اللهُ ]قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ[ وَالصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ لأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ يُولَدُ إِلا سَيَمُوتُ وَلا شَيْءٌ يَمُوتُ إِلا سَيُورَثُ وَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لا يَمُوتُ وَلا يُورَثُ. ]وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ[ قَالَ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَبِيهٌ وَلا عِدْلٌ وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ.

وهناك رواية عن أبي هريرة ؓ جاء فيها: “قال رسول الله ﷺ: الناس يتساءلون بينهم حتى يقولوا: هذا خلق الله، فمن خلق الله؟ فإذا رأيتم ذلك فقولوا: ]قل هو الله أحد[، حتى تختموا السورة، ثم ليتعوذ من الشيطان، فإنه لا يضره”. فالأسئلة من هذا النوع كانت تثار في زمن النبي ﷺ وكذلك تثار في هذه الأيام أيضا.

وفي رواية أخرى: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: “أَقْبَلْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فَسَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَجَبَتْ قُلْتُ وَمَا وَجَبَتْ؟ قَالَ الْجَنَّةُ.” أي بسبب إخلاصه الذي به يقرؤها.

وهناك رواية أخرى عن سهل بن سعد جاء فيها ما مفاده: جاء رجل إلى النبي ﷺ وشكا إليه فقره، فقال: إذا دخلت بيتك فسلِّم على أهلك، وإن لم تجد فيه أحدا فسلِّم على نفسك، واقرأ ]قل هو الله أحد[ مرة، ففعل فبارك الله في رزقه كثيرا حتى استفاد منه جيرانه أيضا، أي قد زال ضيق يده بعد أن كان معرَّضا للمجاعة ثم وسّع الله رزقه حتى أصبح يساعد الجيران أيضا. باختصار، إذا تعلّم الإنسان درس التوحيد وبدأ العمل به وآمن أن الله تعالى يملك القوة والقدرة كلها فإن الله تعالى يعطيه ويرزقه بغير حساب. يقول الله تعالى: ]وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ[

وفي رواية أخرى: عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُحِبُّ هَذِهِ السُّورَةَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فَقَالَ إِنَّ حُبَّكَ إِيَّاهَا يُدْخِلُكَ الْجَنَّةَ.

وفي رواية أخرى: عن جابر قال: قال رسول الله ﷺ: من قرأ قل هو الله أحد كل يوم خمسين مرة نودي يوم القيامة من قبره: قم فادخل الجنة.

وفي رواية: عَن ابْنِ الدَّيْلَمِيِّ، وَهُوَ ابْنُ أُخْتِ النَّجَاشِيِّ وَقَدْ خَدَمَ النَّبِيَّ ﷺ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:”مَنْ قَرَأَ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ مِائَةَ مَرَّةٍ فِي الصَّلاةِ أَو غَيْرِهَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بَرَاءَةً مِنَ النَّارِ”.

فهذه هي أهمية سورة الإخلاص، وإذا قرأناها ليلا يجب أن نقرأنها واضعين وحدانية الله تعالى في الحسبان. وإذا قلنا بأن الله تعالى واحد يجب أن ننتبه إلى كونه “الصمد”. الصمد مَن ليس محتاجا إلى أحد ولا نهاية له وليس له فناء. يقول المسيح الموعود ؏ مبيِّنا هذا المعنى: الأشياء كله سواه ﷻ ممكنة الوجود وهالكة الذات، أي يمكن خلقُها ويأتي عليها الفناء، ولكن الله هو الصمد أي لا فناء له.

يظن الناس أن معنى الصمد هو المستغني، ولكن معنى الصمد هو الذي ليس له فناء وليس بالذي يمكن أن يُخلق. إذًا، إن إلهنا هو الإله الأزلي والأبدي. يقول المسيح الموعود ؏ بهذا الشأن: “إن الله في ذاته وصفاته وجلاله أحد متفرد، لا شريك له في ذلك أصلا. الجميع محتاجون إليه. كل ذرة من الكون تستمد منه الحياة. إنه تعالى مبدأ الفيض للكل، أما هو فلا ينال أي فيضٍ من أحد. إنه ليس بولد لأحد، ولا بوالدٍ لأحد. وكيف يكون كذلك.. وليس لأحدٍ ذاتٌ مثل ذاته؟ لقد عرض القرآن الكمالَ الإلهي والعظَمة الإلهية مرة بعد أخرى لتنبيه الناس إلى أن مِثل هذا الإله يكون بُغيَة القلوب، لا مَنْ هو ميت وضعيف وقليل الرحمة والقدرة.” (فلسفة تعليم الإسلام)

هناك رواية عن نزول سورة الإخلاص وسورة الفلق وسورة الناس ما مفاده عن عقبة بن عامر أن رسول الله ﷺ قال ما مفاده: نزلت علي الليلة آيات لم يُرَ مثلُهن قط وهي: هل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس.

وهناك حديث آخر عن أهمية قراءة سورة الإخلاص والمعوذتين: عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ

بَيْنَا أَنَا أَقُودُ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ رَاحِلَتَهُ فِي غَزْوَةٍ إِذْ قَالَ يَا عُقْبَةُ قُلْ فَاسْتَمَعْتُ ثُمَّ قَالَ يَا عُقْبَةُ قُلْ فَاسْتَمَعْتُ فَقَالَهَا الثَّالِثَةَ فَقُلْتُ مَا أَقُولُ فَقَالَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فَقَرَأَ السُّورَةَ حَتَّى خَتَمَهَا ثُمَّ قَرَأَ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وَقَرَأْتُ مَعَهُ حَتَّى خَتَمَهَا ثُمَّ قَرَأَ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ فَقَرَأْتُ مَعَهُ حَتَّى خَتَمَهَا ثُمَّ قَالَ مَا تَعَوَّذَ بِمِثْلِهِنَّ أَحَدٌ.

أي هذا كلام أو دعاء يحظى به الإنسان ملاذا إلى الله تعالى، ولا يضيع ويُجنّب الشرور كلها، ولا وسيلة أفضل منها للاستعاذة بالله تعالى. وقد جاء في الأحاديث أنه لا ملاذ بالله أفضل منها.

ثم هناك رواية عن عقبة بن عامر عن المعوذتين جاء فيها: عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ

كُنْتُ أَقُودُ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي السَّفَرِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ؏ يَا عُقْبَةُ أَلَا أُعَلِّمُكَ خَيْرَ سُورَتَيْنِ قُرِئَتَا فَعَلَّمَنِي قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ فَلَمْ يَرَنِي سُرِرْتُ بِهِمَا جِدًّا فَلَمَّا نَزَلَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ صَلَّى بِهِمَا صَلَاةَ الصُّبْحِ لِلنَّاسِ فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِن الصَّلَاةِ الْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ يَا عُقْبَةُ كَيْفَ رَأَيْتَ.

أقول: لعل النبي ﷺ قال ذلك من منطلق أن عقبة قد ظن بأنه ﷺ قرأ سورتين وجيزتين فقال ﷺ إنهما تشملان كل شيء.

وفي رواية أخرى: عن أبي سعيد الخدري، قال: كان رسول الله ﷺ يتعوذ من عين الجان، ومن عين الإنس فلما نزلت سورة المعوذتين أخذ بهما وترك ما سوى ذلك. أي ترك النبي ﷺ ما كان يدعو به لهذا الغرض واختار المعوذتين.

وفي رواية: أَخْبَرَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ ابْنَ عَابِسٍ الْجُهَنِيِّ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ لَهُ يَا ابْنَ عَابِسٍ أَلَا أَدُلُّكَ أَوْ قَالَ أَلَا أُخْبِرُكَ بِأَفْضَلِ مَا يَتَعَوَّذُ بِهِ الْمُتَعَوِّذُونَ قَالَ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ.

لقد بيّن أحد الصحابة أهمية المعوذتين فروى عن رجل كان في مسير وفي الظَّهر قلة والناس يعتقبون (أي كان عدد الركوبات قليلا والناس يركبون خلف بعضهم بعضا) فحالت نزلة رسول الله ﷺ ونزلتي فلحقني من بعدي فضرب منكبي وقال قل أعوذ برب الفلق وقلت قل أعوذ برب الفلق فقرأها رسول الله ﷺ وقرأتها بعده فقال إذا صليت فصل بها فإنك لن تقرأ بمثلها.

وفي رواية أخرى: عن عقبة بن عامر قال: كنت مع النبي ﷺ في سفر، فلما طلع الفجر أذن وأقام، ثم أقامني عن يمينه وقرأ بالمعوذتين، فلما انصرف قال: “كيف رأيت؟ قلت: قد رأيتُ يا رسول الله قال: فاقرأ بهما كلما نمتَ وكلما قمت”. إذًا، هذه هي أهمية هذه السور وقد ازدادت أهميتها في هذا الزمن لرقينا الروحي ولنتجنب شخصيا من هجمات الشيطان وللحفاظ الجماعي من المكايد التي تحاك ضد الإسلام، ففي هذه الأيام تسعى القوى المعارِضة للإسلام بنشاط، هذا من جهة، ومن جهة أخرى خلق العلماء والزعماء المسلمون المزعومون وضْعًا يؤدّي إلى الفتن والفساد. والعلماء المسلمون بتحريضهم عامةَ المسلمين ضد المسيح الموعود ؏ يُعطون القوى الشيطانية مزيدا من الفرصة حتى تتقوّى أيديها. وكذلك الإلحاد أيضا في أَوْجِهِ. قال المسيح الموعود ؏ في مناسبة وهو يتحدث عن سورة الفلق ويبين أن الذين سيواجهون أعداء المسيح الموعود ؏ عليهم أن يدعو الدعاء التالي:

إني أعوذ من شر الناس، الذين هم الأعداء من الداخل والخارج، بالله الذي هو مالك الصبح، أيْ إظهار النور بيده. وهذا النور نور روحاني قد ظهر بمجيء المسيح الموعود وأعوذ بالله تعالى من شر ليلة الظلام التي هي ليلة فتنة إنكار المسيح الموعود. ومنهم أعداء الإسلام الذين يعترضون على تعليم الإسلام والآخرون هم علماء الإسلام الذين لا يريدون أن يتـركوا خطأهم وينشغلون في تحريض الناس ضد المسيح الموعود ؏، وفي مقدّمتهم مشايخ باكستان، ففي مثل هذه الحالات يجب على أحمديي باكستان أن يُحيوا هذه السُّنَّة. قال المسيح الموعود ؏: القول ]وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ[ في سورة الفلق يتضمن دعاءً لاجتناب شرِّ الليلة الليلاء. و”الغاسق” يعني الليلة، والوقب يعني سواد الظلام، وهذه الفتنة لليلة الليلاء هي فتنة إنكار المسيح الموعود التي استُعيذ بها. أسفا لحالة المسلمين لأن الله تعالى علّمهم دعاءً وأوصاهم النبي ﷺ بقراءة هذه الأدعية يوميا لاجتناب فتنة الظلمات بعد النور حتى يثبتوا على التوحيد ويتجنبوا فتن الظلمات ولكنهم لم يبالوا بذلك وانغمس معظمهم في هذه الفتن ولذلك وجد اليوم غيرُ المسلمين فرصة الاعتراض على المسلمين. باختصار، إن حالة المسلمين هذه توجّهنا إلى قراءة هذه السور بإمعان لكي نتجنب الظلمات، ونعوذ بالله تعالى من شر النفاثات في العقد، أيْ مِن أولئك الناس الذين يبثّون البغض والعناد في قلوب الناس ضد الإسلام والأحمدية، وفيهم كلا الفئتين غيرُ المسلمين والمسلمين المزعومين. فئة غير المسلمين يشنّون هجوما على الإسلام لكونهم معارضي الدين وفئة أخرى تحرض الناس باسم الدين ضد المبعوث من الله تعالى، وكلاهما تندرجان تحت القول: ]وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ[.

ثم ورد في سورة الناس ذكر كون الله تعالى ربًّا ومالكا وإلها حقيقيا، وبعد ذكر هذه الصفات ورد دعاء الاستعاذة بالله من وساوس الشيطان. وفي هذه الأيام قد تقوى الإلحاد وسادت المادية، وتأصلت المادية في المجتمع عموما لدرجة يتأثر بها بعض الشباب، فلو نفخنا بهذه الأدعية على أنفسنا وعلى أولادنا لصينت أجيالنا القادمة أيضا من كل شر وثبتت على الدين وفهمت وحدانية الله تعالى.

ندعو الله تعالى أن يكون كل واحد منا ممن يفهمون مضمون هذه السور ويعملون بسنة الرسول ﷺ، ويكون مضمونُ وحدانيته واضحا علينا وألّا نخضع أمام أحد غير الله ﷻ ونحسبه وحده مصدر جميع القوى ورازقَ كلِّ فيضٍ، وأن نخضع لله تعالى اجتنابا لشرّ الخلق بدلا من التوكل على الخلق.

وادْعوا الله تعالى أن يُثبّتنا دوما على النور الذي أحرزناه بإيماننا بالمسيح الموعود ؏ الذي هو ظل الرسول ﷺ الحقيقي، وألا نتيه في الظلمات أبدا، وأن نبقى مرتبطين بنعمة الخلافة التي أنعم بها الله تعالى علينا، وأن يُعيذنا الله تعالى من كل شر ضارٍّ سواء كان شرًّا دينيا أم دنيويا ويحفظَنا ﷻ من حسد حاسدٍ وأضراره. ونعوذ بالله تعالى حاسبين إيّاه ربنا، ونحسبه ﷻ أفضل من جميع الملوك ونوقن إيقانا كاملا بمالكيته، ونسعى للاستعاذة به مؤدِّين حق عبادة ذلك المعبود الحقيقي دوما، ونتجنب شر الموسوسين ونعوذ بالله تعالى منهم، ونسعى لتطهير قلوبنا من كل وسوسة ونظل نستعيذ بالله تعالى. وفقنا الله تعالى لذلك، وأن نقرأ هذه الأدعية بالموظبة قبل النوم وفق أمْر رسول الله ﷺ وننفخ بهذه الآيات على أنفسنا، وفقنا الله تعالى لذلك.

*******