ترددت موخراً منشورات عند الشيعة تحاول إنكار أن أبا بكر الصديق رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وأرْضاه هو صاحب الغار بداعي أن في كونه كذلك إساءة له فالصاحب كما يرون لفظ يراد به العدو كقوله وما صاحبكم بمجنون ويا صاحبي السجن والخ. ويرون أن النهي عن الحزن هو نهي عن معصية مما يدل على كون صاحب الغار ليس مؤمناً. كما يحاولون إثبات كفر أو معصية أمهات المؤمنين رض بسبب مخاطبة الله تعالى لهن بعدم الإتيان بفاحشة وغير ذلك.

وفي ما يلي الرد على هذه المزاعم بالأدلة المنهجية:

إن الآيات التي ذكروها لا تتحدث عن فعل ثبت وإنما هو نهي عنه فحسب بل فيه منقبة لأمهات المؤمنين رض حيث تتضح منه التربية والتأديب الإلهي الذي أخبر رسول الله ﷺ أنه تلقاه من ربه سبحانه كما في الحديث الصحيح:

أدَّبَني ربِّي فأحسنَ تأديبي” (من رواية عبدالله بن مسعود في الجامع الصغير للسيوطي، الصفحة أو الرقم: 310، الدرجة: صحيح)

كما قال تعالى معلّماً نبيه تقوى الله تعالى وعدم طاعة الكافرين كما يلي :

(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) – التحريم 1

(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا) – الأحزاب 1

(لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ)- الحجر 88

فلم يكن ذلك إلا نهياً وتعليماً من الله تعالى لنبيه ﷺ مما يدل على تربّية ﷺ في حضن الله تبارك وتعالى وامتداد خُلُقه من صفات الله سبحانه وليس على يد البشر، وهذا مطابق للحديث المذكور. كما أن الله تعالى أردف ذكر تعليمه ونواهيه لأمهات المؤمنين أي:

(وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) – الأحزاب 33

أردفها مباشرة بقوله تعالى:

(إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) – الأحزاب 33

ليثبت أن الغرض من هذا التعليم هو تطهير أمهات المؤمنين رَضِيَ اللهُ عَنْهُن وبأن خُلُق أمهات المؤمنين آت من الله تعالى على منهاج النبوة، فهن أمهات المؤمنين كما أن رسول الله ﷺ خاتم النبيين وسيدهم والأب الروحي للمؤمنين.

أما حادث الغار، فلدى أصحاب هذا الزعم خلط كبير. فقد قالوا أولاً أن فيه مثلبة للصدّيق وأن الصاحب وأسلوب النهي عن الحزن لا يتفق مع الإيمان، وسنوضح أن ذلك مجرد خطأ وقع فيه علماء الشيعة سواء بدافع كره الصدّيق رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وأرْضاه أو الدفاع عنه على حد سواء.

فليعلم الإخوة الشيعة أن الآية تتحدث عن إخراج الكافرين للنبي ﷺ وصاحبه (أياً كان) كاثنين ونصره، إن من يخرجه الكافرون بصحبة النبي ص فهو ليس منهم بل من صنف المؤمنين بالنبي ص وإلا فلا معنى لإخراجه معه في الأصل، أضف إليه نصر الله في الآية لنبيه بإخراجه مع هذا الصاحب! حيث جاء النصر كرد على الذين لم يخرجوا معه لينصروه في هذه الساعة الشديدة لقوله تعالى:

(إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ) – التوبة 40

فقد نصره الله تعالى بإخراجه ثاني اثنين، والنصر بإخراجه مع هذا الصاحب وحده ينفي هذا الزعم من أساسه. هذا أولاً.

ثانياً، ما يقوله أحد أو بعض دعاة التنوير للأسف إنما هو ترديد لمزاعم الشيعة الروافض لا أكثر، وهي التي تتلخص في أن الحزن أمر مخالف للطمأنينة والرضا وأن لفظ الصاحب في القُرآن الكَرِيم مذموم وما إلى ذلك. الحقيقة إن هذه المزاعم الرافضية تهافت وجهل مطبق لأن الآية تتحدث عن حزن هذا الصاحب وهو أمر ينسجم مع سياق الآية، حيث تتناول إخراج النبي ﷺ من بيته ووطنه بالقوة على يد الكفّار، وهذا ولا شك موضوعٌ محزنٌ لأقرب وأحبّ الناس للإنسان وخاصة الصاحب المقرّب، وهذا يعبّر عن مواساة الصاحب للنبي ﷺ في هذا الموقف العصيب وتأثراً بما آل إليه حاله كصاحبه ونبيّه. فلا يعني الحزن دوماً مخالفة الرضا والطمأنينة بل قد يعني ذلك آيضاًً من باب الحب والحرص، فقََدْ كان النبيُ ﷺ نفسه يحزن ويتضايق حتى يكاد يقتل نفسه أسىً على الكافرين وبسبب تكذيبهم وإفلاتهم من النجاة والسعادة التي في الإسلام ولم يكن ذلك إلا عظمة ورُقي ونبل في نفس هذا النبي الكريم ﷺ لا العكس، وتأمل في هذه الآيات:

(وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُن فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ) النحل 127

(فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا) – الكهف 6

وجاء في حق يعقوب عَلَيهِ السَلام:

(وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ) – يوسف 84

فهذه الآيات تبيّن أن الحزن هو شعور بالأسى والأسف على أمر مهم وليس فيه ما يشين أبداً ولم يكن يوماً رديفاً حصرياً للمعصية.

أما لفظ الصاحب فيراد به القريب والمرافق وقد يأتي بمعنى [الشخص المعروف لك] كما في الآيات التي ذكرناها من صاحبي السجن {وما صاحبكم بمجنون} وغيرها حيث جاءت بمعنى المعروف لكم، ولكن ذلك يحدده السياق فقط. والصاحب في الأصل كلمة تعني المقرّب المرافق والقرين أو الخليل كما في الآية:

(وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ) – المعارج 12

(وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا) – الجن 3

(وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) – لقمان 15

(وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا) – النساء 36

فكل هذه الآيات إنما تدل على القرب والاقتران لا العكس كما هو واضح.

المسألة الثالثة في منقبة صاحب الغار هي قول رسول الله ﷺ له:

(لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا) – التوبة 40

فكيف يكون كافراً من دخل في معية الله تعالى مع رسوله ﷺ؟ ثم أين الدلالة أن الصاحب الحزين منافق؟ وإن كان منافقاً فلماذا قال له النبي (إِنَّ اللّهَ مَعَنَا) بالمثنى وأدخله بالمعية؟ ولماذا لم يتكلم بالمفرد مثل النبي موسى ؑ:

(قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) – الشعراء 62

فأنزل الله تعالى السكينة عليه، وهي عليهما بداهةً كما سبق ذكره من تفصيل، وقد جاءت بصيغة المفرد لمكانة رسول الله ﷺ وسياق الآية الذي يركّز عليه كمحور للحديث إضافة لوحدة الهدف مع صاحبه، فكأنهما صارا كياناًً واحداً وهو أمر ليس بغريب في القرآن المجيد كما يلي الذي أثبت إمكانية إطلاق صيغة المفرد على الجمع:

{إن هؤلاء ضيفي}

{وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها}

{وجاء ربك والملك صفا صفا}

{وحسن أولئك رفيقا}

{أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء}

فثبت أن نزول السكينة على أحدهما وحرمان الآخر لا معنى له ولا مكان بل من الأولى أن تتنزل على الحزين لا على المطمئن أصلاً.

بقي أن نذكر أن الآية في سياقها تتحدث عن الخروج في سبيل الله نصرة لرسوله الأكرم ﷺ وهو ما يؤكد الدور العظيم لصاحب النبي ﷺ. فإذا أخذنا الآية التي سبقت أية الغار والآية التي تلتها سنجدها تتحدث عن موضوع الخروج والنصرة كما يلي:

الآية التي قبلها:

(إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) – التوبة 40

والآية التي تلت آية الغار:

(انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) – التوبة 41

إذن كل ما ورد في سياق الآية يؤكد ما ذهبنا إليه من تفصيل. هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن صحبة سيدنا الصديق رَضِيَ اللهُ عَنْهُ للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم في الغار مسألة متفق عليها في الأمة الإسلامية بل حتى كتب الشيعة أنفسهم تؤكد على أن صاحب الغار هو سيدنا أبو بكر الصديق رَضِيَ اللهُ عَنْهُ والروايات الشيعية معروفة، فلا يجب أن نغفل إجماع الأمة من السنة والشيعة على كون صاحب الغار هو الصدّيق أبا بكر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وأن لا قيمة ولا داع لإنكار صحبة أبي بكر ؓ بعد ذلك كلّه. وهذا حديث صحيح من فيض أحاديث بهذا الخصوص:

“عن سالم بن عبيد: أُغمِيَ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم في مرضِه فأفاق، فقال: حضرتِ الصلاةُ؟ فقالوا: نعم. فقال: مُروا بلالًا فلْيُؤذِّنْ، ومُروا أبا بكرٍ أن يُصلِّيَ بالناسِ. أو قال: بالناس، قال: ثم أُغمِيَ عليه فأفاق فقال: حضرتِ الصلاةُ ؟ فقالو : نعم، فقال: مُروا بلالًا فلْيُؤذِّنْ، ومُروا أبا بكرٍ فلْيُصَلِّ بالناسِ. فقالت عائشةُ: إنَّ أبي رجلٌ أَسِيفٌ إذا قام ذلك المقامَ بكى فلا يستطيعُ، فلو أمرتَ غيرَه. قال: ثم أُغمِيَ عليه فأفاق، فقال: مُروا بلالًا فلْيُؤذِّنْ، ومُروا أبا بكرٍ فلْيُصَلِّ بالناس، فإنكنَّ صواحبُ أو صواحباتُ يوسفَ. قال: فأُمِرَ بلالٌ فأذَّن، وأُمِر أبو بكرٍ فصلَّى بالناسِ، ثم إنَّ رسولَ اللهِ وجد خِفَّةً، فقال: انظُروا لي من أَتِّكئُ عليه. فجاءَتْ بريرةُ ورجلٌ آخرُ فاتَّكأ عليهما، فلما رآه أبو بكرٍ ذهب لِينْكُصَ، فأومأ إليه أن يَثْبُتَ مكانَه، حتى قضى أبو بكرٍ صلاتَه. ثم إنَّ رسولَ اللهِ قُبِضَ. فقال عمرُ: واللهِ لا أسمع أحدًا يذكر أنَّ رسولَ اللهِ قُبِضَ إلا ضربتُه بسَيْفي هذا. قال: وكان الناسُ أُمِّيِّينَ لم يكن فيهم نبيٌّ قبلَه، فأمسك الناسُ، فقالوا: يا سالمُ انطلقْ إلى صاحبِ رسول اللهِ فادْعُه، فأتيتُ أبا بكرٍ وهو في المسجد، فأتيتُه أبكي دَهِشًا، فلما رآني قال لي: أَقُبِضَ رسولُ اللهِ؟ قلتُ: إنَّ عمرَ يقول: لا أسمع أحدًا يذكر أنَّ رسولَ اللهِ قُبِضَ إلا ضربتُه بسَيْفي هذا! فقال لي: انطلِقْ. فانطلقتُ معه، فجاء والناسُ قد دخلوا على رسولِ اللهِ، فقال: يا أيها الناسُ افرُجوا لي. فأَفَرجوا له. فجاء حتى أكبَّ عليه ومسَّه، فقال: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) ، ثم قالوا: يا صاحبَ رسولِ اللهِ أَقُبِضَ رسولُ اللهِ؟ قال: نعم. فعلموا أن قد صدَق. قالوا يا صاحبَ رسولِ اللهِ: أيُصلَّى على رسولِ اللهِ؟ قال: نعم، قالوا: وكيف؟ قال: يدخل قومٌ فيكبِّرون ويُصلُّون ويدْعُون، ثم يخرجون، ثم يدخل قومٌ فيُكبِّرون ويُصلُّون ويدْعُون، ثم يخرجون، حتى يدخل الناسُ، قالوا: يا صاحبَ رسولِ اللهِ! أَيُدفَنُ رسولُ اللهِ؟ قال: نعم. قالوا: أين؟ قال: في المكان الذي قَبضَ اللهُ فيه رُوحَه، فإنَّ اللهَ لم يَقبِضْ رُوحَه إلا في مكان طيِّبٍ. فعلِموا أن قد صدَق، ثم أمرهم أن يغسلَه بنو أبيه. واجتمع المهاجرون يتشاوَرون، فقالوا: انطلِقْ بنا إلى إخوانِنا من الأنصارِ نُدخِلُهم معنا في هذا الأمرِ. فقالت الأنصارُ: منا أميرٌ، ومنكم أميرٌ. فقال عمرُ بنُ الخطابِ: من له مثلُ هذه الثلاثةِ: (ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا)، من هما؟ قال: ثم بسط يدَه فبايعَه، وبايعَه الناسُ بَيْعَهً حسنةً جميلةً.” (مختصر الشمائل، صححه في الألباني 333)


ومن روايات الشيعة (نوردها بعللها ونكارتها فقط لإلزام الشيعة بكون أبي بكر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ هو صاحب الغار)

“حميد بن زياد عن محمد بن أيوب عن علي بن أسباط عن الحكم بن مسكين عن يوسف بن صهيب عن أبي عبد الله ع قال: سمعت أبا جعفر ع يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وآله أقبل يقول لأبي بكر في الغار: أسكن فإن الله معنا وقد أخذته الرعدة وهو لا يسكن فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله حاله قال له: تريد أن أريك أصحابي من الأنصار في مجالسهم يتحدثون فأريك جعفرا وأصحابه في البحر يغوصون؟ قال: نعم فمسح رسول الله صلى الله عليه وآله: بيده على وجهه فنظر إلى الأنصار يتحدثون ونظر إلى جعفر ع وأصحابه في البحر يغوصون فأضمر تلك الساعة أنه ساحر.” (كتاب الكافي، للكليني، الجزء 8، ص 262، رقم 377)

“قوله:{إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا} فإنه حدثني أبي عن بعض رجاله رفعه إلى أبي عبد الله قال لما كان رسول الله صلى الله عليه وآله في الغار قال لفلان: كأني أنظر إلى سفينة جعفر في أصحابه يقوم في البحر وأنظر إلى الأنصار محتسبين في أفنيتهم فقال فلان: وتراهم يا رسول الله؟ قال: نعم. قال: فأرنيهم فمسح على عينيه، فرآهم فقال في نفسه الآن صدقت أنك ساحر، فقال له رسول الله: أنت الصديق.” (تفسير القمي، الجزء 1، ص 290)

وذكر صاحب الشرائع:

“إن عمر أتى عليا ع فقال له: ان أبا بكر شيخ رقيق القلب وقد كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله في الغار فله صحبة وقد أتيناها غير هذه المرة مرارا.” (علل الشرائع، ج 1، ص 186)

“قرأ يعقوب وحده {وكلمة الله هي العليا} بالنصب على تقدير وجعل كلمة الله هي العليا ومن رفع استأنف، وهو أبلغ لأنه يفيد أن كلمة الله العليا على كل حال. وهذا أيضا زجر آخر وتهديد لمن خاطبه في الآية الأولى بأنهم إن لم ينصروا النبي صلى الله عليه وآله ولم يقاتلوا معه ولم يجاهدوا عدوه {فقد نصره الله} أي قد فعل الله به النصر حين أخرجه الكفار من مكة {ثاني اثنين}. وهو نصب على الحال أي هو ومعه آخر، وهو أبو بكر في وقت كونهما في الغار من حيث {قال لصاحبه} يعني أبا بكر {لا تحزن} أي لا تخف. ولا تجزع {إن الله معنا} أي ينصرنا. والنصرة على ضربين: احدهما يكون نعمة على من ينصره. والآخر لا يكون كذلك، فنصرة المؤمنين تكون إحساناً من الناصر إلى نفسه لأن ذلك طاعة لله ولم تكن نعمة على النبي صلى الله عليه وآله. والثاني من ينصر غيره لينفعه بما تدعوا إليه الحكمة كان ذلك نعمة عليه مثل نصرة الله لنبيه صلى الله عليه وآله.” (التبيان، للطوسي، الجزء 5، ص 221)

“جواب: قيل لهم: أما خروج أبي بكر مع النبي صلى الله عليه وآله فغير مدفوع وكونه في الغار معه غير مجحود واستحقاق اسم الصحبة معروف.” (الإفصاح، للمفيد، ص 185)

“المعنى: ثم أعلمهم الله سبحانه أنهم إن تركوا نصرة رسوله لم يضرُّه ذلك شيئاً كما لم يضره قلة ناصريه حين كان بمكة وهمَّ به الكفار فتولّى الله نصره فقال {إلا تنصروه فقد نصره الله} معناه إن لم تنصروا النبي صلى الله عليه وسلم على قتال العدوّ فقد فعل الله به النصر {إذ أخرجه الذين كفروا} من مكة فخرج يريد المدينة {ثاني اثنين} يعني أنه كان هو وأبو بكر {إذ هما في الغار} ليس معهما ثالث أي وهو أحد اثنين ومعناه فقد نصره الله منفرداً من كل شيء إلا من أبي بكر والغار الثقب العظيم في الجبل وأراد به هنا غار ثور وهو جبل بمكة. {إذ يقول لصاحبه} أي إذ يقول الرسول لأبي بكر {لا تحزن} أي لا تخف {إن الله معنا} يريد أنه مطّلع علينا عالم بحالنا فهو يحفظنا وينصرنا.” (تفسير مجمع البيان، للطبرسي، الجزء 5، ص 57)

“موسى بن عمر بن يزيد الصيقل عن عثمان بن عيسى عن خالد بن يحيي قال قلت لأبي عبد الله ع سمى رسول الله صلى الله عليه وآله: أبا بكر صديقا؟ فقال: نعم انه حيث كان معه أبو بكر في الغار.” (مختصر بصائر الدرجات، لحسن بن سليمان الحلي، ص 29)

{إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ} إن تركتم نصرته فسينصره الله كما نصره {إذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِىَ اثْنَيْنِ} لم يكن معه إلاّ رجل واحد {إذْ هُمَا فِي الغَارِ} غار ثور وهو جبل في يمنى مكة على مسيرة ساعة {إذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ} وهو أبو بكر {لاَ تَحْزَنْ} لا تخف {إنَّ اللهَ مَعَنَا} بالعصمة والمعونة.” (التفسير الصافي، للفيض الكاشاني، الجزء 2 ص 344)

“وقال في قوله تعالى: {إلا تنصروه فقد نصره الله} أي إن لم تنصروا النبي صلى الله عليه وآله على قتال العدو فقد فعل الله به النصر {إذ أخرجه الذين كفروا} من مكة فخرج يريد المدينة {ثاني اثنين إذ هما في الغار} يعني أنه كان هو وأبو بكر في الغار ليس معهما ثالث وأراد به هنا غار ثور وهو جبل بمكة {إذ يقول لصاحبه} أي إذ يقول الرسول صلى الله عليه وآله لأبي بكر: {لا تحزن} أي لا تخف {إن الله معنا} يريد أنه مطلع علينا عالم بحالنا فهو يحفظنا وينصرنا.” (بحار الأنوار، للمجلسي، ج19، ص 33 باب 6: الهجرة ومباديها ومبيت علي على فراش النبي)

“بصائر الدرجات: ابن عيسى وابن أبي الخطاب معا عن ابن محبوب عن ابن رئاب عن الكناسي عن أبي جعفر ع قال: لما كان رسول الله صلى الله عليه وآله في الغار ومعه أبو الفضيل قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إني لأنظر الآن إلى جعفر وأصحابه الساعة تعوم بهم سفينتهم في البحر إني لأنظر إلى رهط من الأنصار في مجالسهم محتبين بأفنيتهم فقال له أبو الفصيل: أتراهم يا رسول الله الساعة؟ قال: نعم قال: فأرنيهم قال: فمسح رسول الله صلى الله عليه وآله على عينيه ثم قال: انظر فنظر فرآهم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أرأيتهم؟ قال: نعم وأسر في نفسه أنه ساحر. بيان: أبو الفصيل: أبو بكر وكان يكنى به في زمانه أيضا لان الفصيل ولد الناقة والبكر: الفتى من الإبل والعوم: السباحة وسير السفينة.” (بحار الأنوار، للمجلسي، ج 19، ص 71، باب 6 الهجرة ومباديها ومبيت علي على فراش النبي، رقم 22)

“الكافي: حميد بن زياد عن محمد بن أيوب عن علي بن أسباط عن الحكم بن مسكين عن يوسف بن صهيب عن أبي عبد الله ع قال: سمعت أبا جعفر ع يقول إن رسول الله صلى الله عليه وآله أقبل يقول لأبي بكر في الغار: أسكن فإن الله معنا وقد أخذته الرعدة وهو لا يسكن فلما رأى رسول الله صلى اله عليه وآله حاله قال له: تريد أن أريك أصحابي من الأنصار في مجالسهم يتحدثون وأريك جعفرا وأصحابه في البحر يغوصون؟ قال: نعم فمسح رسول الله صلى الله عليه وآله بيده على وجهه فنظر إلى الأنصار يتحدثون ونظر إلى جعفر رضي الله عنه وأصحابه في البحر يغوصون فأضمر تلك الساعة أنه ساحر.” (بحار الأنوار، للمجلسي، ج 19، ص 88، باب 6 الهجرة ومباديها ومبيت علي على فراش النبي، رقم 40)

“قوله تعالى: {إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار} ثاني اثنين أي أحدهما، والغار الثقبة العظيمة في الجبل، والمراد به غار جبل ثور قرب منى وهو غير غار حراء الذي ربما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يأوي إليه قبل البعثة للأخبار المستفيضة، والمراد بصاحبه هو أبو بكر للنقل القطعي.” (تفسير الميزان، للطباطبائي، الجزء 9، ص 279)

“{إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ ٱللَّهُ} تذكيرٌ لهم بنصرته له ص حين لم يكن له معاون حتّى يتحقّق عندهم نصرته بدونهم استمالةً لقلوبهم {إِذْ أَخْرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ} حين شاوروا في أمره بالإجلاء والحبس والقتل في دار النّدوة كما سبق {ثَانِيَ ٱثْنَيْنِ} يعنى لم يكن معه إلا رجلٌ واحدٌ وهو أبو بكرٍ {إِذْ هُمَا فِي ٱلْغَارِ} غار ثورٍ وهو جبل في يمنى مكّة على مسيرة ساعةٍ {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ} والإتيان بالمضارع للإشارة إلى انّه كرّر هذا القول لعدم سكونه عن اضطرابه {إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا} ومن كان معه لا يغلب فلا تحزن من اطّلاع الأعداء وغلبتهم.” (تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة، الجنابذي)

“احمد بن محمد ومحمد بن الحسين عن الحسن بن محبوب عن على بن رئاب عن زياد الكناسى عن أبى جعفر ع قال: لما كان رسول الله صلى الله عليه وآله في الغار ومعه أبو الفصيل قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أنى لأنظر الآن إلى جعفر وأصحابه الساعة تغوم بينهم سفينتهم في البحر وأنى لأنظر إلى رهط من الأنصار في مجالسهم مخبتين بافنيتهم. فقال له أبو الفضل: أتريهم يا رسول الله صلى الله عليه وآله الساعة؟ قال: نعم. قال: فارينهم. قال: فمسح رسول الله صلى الله عليه وآله على عينيه ثم قال: انظر. فنظر فرآهم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أرايتهم؟ قال: نعم واسر في نفسه انه ساحر.” (كتاب بصائر الدرجات للصفار، صفحة 442، رقم 13)

“أن رسول الله صلى الله عليه وآله لما أخرج مع نفسه مختار هذه الأمة إلى الغار إلا علما منه أن الخلافة له من بعده وأنه هو المقلد أمور التأويل والملقى إليه أزمة الأمة وعليه المعول في لم الشعث وسد الخلل وإقامة الحدود، وتسريب الجيوش لفتح بلاد الكفر، فكما أشفق على نبوته أشفق على خلافته إذ لم يكن من حكم الاستتار والتواري أن يروم الهارب من الشر مساعدة من غيره إلى مكان يستخفي فيه وإنما أبات عليا على فراشه لما لم يكن يكترث له ولم يحفل به لاستثقاله إياه وعلمه أنه إن قتل لم يتعذر عليه نصب غيره مكانه للخطوب التي كان يصلح لها. فهلا نقضت عليه دعواه بقولك أليس قال رسول الله صلى الله عليه وآله: [الخلافة بعدي ثلاثون سنة]. فجعل هذه موقوفة على أعمار الأربعة الذين هم الخلفاء الراشدون في مذهبكم فكان لا يجد بدا من قوله لك: بلى، قلت: فكيف تقول حينئذ: أليس كما علم رسول الله أن الخلافة من بعده لأبي بكر علم أنها من بعد أبي بكر لعمر ومن بعد عمر لعثمان ومن بعد عثمان لعلي فكان أيضا لا يجد بدا من قوله لك: نعم، ثم كنت تقول له: فكان الواجب على رسول الله صلى الله عليه وآله أن يخرجهم جميعا (على الترتيب) إلى الغار ويشفق عليهم كما أشفق على أبي بكر ولا يستخف بقدر هؤلاء الثلاثة بتركه إياهم وتخصيصه أبا بكر وإخراجه مع نفسه دونهم.” (كمال الدين، ص 462)

اقرأوا الآية ببساطة وخذوا بسياقها وبلاغتها ولن يخطر ببالكم قط ما تبادر إلى أذهان المنكِرين من إخوتنا:

{إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}

وقال المفيد:

“أما خروج أبي بكر مع النبي فغير مدفوع، وكونه في الغار معه غير مجحود، واستحقاق اسم الصحبة معروف.” (الإفصاح للمفيد، ص:185 –186)

يقول المجلسي في تفسير ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ:

“يعني: أنه كان هو وأبو بكر في الغار ليس معهما ثالث؟ وقوله: إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ. أي إذ يقول الرسول لأبي بكر.” (بحار الأنوار، العلامة المجلسي 19/33)

يقول الطبرسي:

“ثَانِيَ اثْنَيْنِ؛ أحد اثنين كقوله: ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ المائدة:73، وهما رسول الله وأبو بكر.” (تفسير جوامع الجامع، الشيخ الطبرسي 2 /65 – 66)

وهكذا قال سائر علماء الإمامية في تفسر هذه الآية.

أما النص الذي استشهد به كمال الحيدري فإسناده صحيح وهو في (مسند الإمام أحمد، ج 3، ص 331، رقم الحديث 3062 بتحقيق أحمد محمد شاكر) وفي (مسند الإمام أحمد بن حنبل، ج 5، ص 181، بتحقيق شعيب الأرنؤوط). يقول النص [وشرى علي نفسه لبس ثوب النبي صلى الله عليه وسلم ثم نام مكانه، قال: وكان المشركون يرمون رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء أبو بكر وعلي نائم، قال: وأبو بكر يحسب أنه نبي الله] فتسائل كيف يكون أبو بكر صاحب الغار وهو لا يعلم بأن النبي ﷺ خرج وعلي نام مكانه؟ والرد على هذه الشبهة هي في الرواية نفسها إذا أكملناها، وهي كما يلي: “وشرى علي نفسه لبس ثوب النبي صلى الله عليه وسلم ثم نام مكانه، قال: وكان المشركون يرمون رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء أبو بكر وعلي نائم، قال: وأبو بكر يحسب أنه نبي الله، قال: فقال يانبي الله، قال: فقال له علي: إن نبي الله قد انطلق نحو بئر ميمون فادركه، قال: فانطلق أبو بكر فدخل معه الغار.” أي أن الحديث نفسه الذي يستشهد به على عدم كون أبا بكر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ نفسه يقول بأنه هو صاحب الغار رَضِيَ اللهُ عَنْهُ! فهذه خيانة علمية من الحيدري الذي اقتطع النص ليوهم الناس أن النص يقول بعدم صحبة أبي بكر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ للنبي ﷺ في الغار فيما النص ذاته يقول ويؤكد صحبة الصديق رَضِيَ اللهُ عَنْهُ للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم في الغار. فالإنكار والاعتراض على صحبة الصديق في الغار هي جهل وعار على أدعياء التنوير وما هم للأسف إلا سكاكين في خاصرة الأمة هداهم الله اللّهُمّ آمين.

وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

About الأستاذ فراس علي عبد الواحد

View all posts by الأستاذ فراس علي عبد الواحد