آتوني ما زُعم من أخطاء لغوية في كتابات المسيح الموعود ع أخرّجْها لكم.. (3)

التوكيد وإخوته ..

إن التوكيدَ تابعٌ ينطبق عليه أحكام إخوته من التوابع كالنعت والبدل والعطف، إلا ما شذّ من هذه الأحكام، مثل القطع.

الاعتراض:

ورغم ذلك فقد اعتُرض على بعض كتابات المسيح الموعود عليه السلام التي تندرج تحت هذه الأحكام النحوية.

ومن هذه العبارات التي اعتُرض عليها ما يلي:

– : وكان قُدّر أنْ الناس ((يضِلّون ))كلهم في الألف السادس. (الخطبة الإلهامية)

– وكان يعلم أنهم ((يموتون)) كلهم قبل ظهور ذلك النبأ. (التبليغ)

– وكيف نظن أنهم ((أخطأوا)) كلهم وأنتم المصيبون؟ (التبليغ)

– والخَلق ((ينامون)) كلهم. (حمامة البشرى)

– وكيف نظن أنهم ((أخطأوا ))كلهم وأنتم المصيبون؟ (التبليغ)

– وكانوا ((مجتمعين )) كلهم. (الخطبة الإلهامية):

– إن أجزاء النبوة ((توجد في التحديث)) كلها. (حمامة البشرى)

 

اعتُرض على المسيح الموعود عليه السلام في فصله بين التوكيد والموكَّد في هذه العبارات، واعتُبرت هذه العبارات وفق ما يُفهم من هذا الاعتراض بأنها ركيكة لا ترقى إلى الفصاحة والبلاغة وبعيدة عن الذوق اللغوي.

الرد:

نقول:

1: لا فصل وارد بين التوكيد والمؤكَّد في العبارات الخمس الأولى، حيث إن التوكيد بكلمة ” كل” جاء لتوكيد ضمير الرفع المتصل الذي سبقها، والعبارات صحيحة وفصيحة من الدرجة الأولى.

أما في الفقرتين الاخيريتين فوقع الفصل فعلا، وفيه نقول:

2: لا جدال في صحة الفصل بين ضمير الرفع المتصل ومؤكِّده المعنوي، بل ووجوبه عندما تكون ألفاظ التوكيد المعنوي (نفس / عين)، وجوازه وعدم لزومه مع غيرهما من ألفاظ التوكيد المعنوي مثل (كلّ) كما هو في الفقرتين الأخيرتين. وهذا الفصل ممكن أن يكون بضمير الرفع المنفصل أو أي لفظ آخر، كما مثّل لذلك النحو الوافي، بقوله :  “رغبتَ يوم الجمعة نفسُك أن تسافر.  

وفي هذا يقول النحو الوافي:

“إذا أريد توكيد الضمير المتصل، المرفوع، “المستتر أو البارز” توكيدًا معنويًا يزيل الاحتمال عن الذات، جيء بلفظ التوكيد الذي يحقق هذا الغرض؛ وهو: “نفس” أو “عين”، بشرط أن يَفْصِل بينه وبين المؤكَّد إما ضمير منفصل مرفوع …. وإما فاصل آخر ليس ضميرًا، … ويجوز: “رغبتَ، حقًّا، نفُسُك في الخبر”، “رغبتَ يوم الجمعة نفسُك أن تسافر”….“وأما في نحو: المحمدون قاموا كلَّهم، فالفصل جائز أيضًا لا واجب؛ لأن لفظ التوكيد وهو: “كل” ليس: “النفس” أو “العين”.[ النحو الوافي، 523-524/3].

ويكفينا هنا وجه الشبه بين المثال الذي أورده النحو الوافي في الآية القرآنية: {وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّوفي القول: رغبتَ يوم الجمعة نفسُك، مع  الفقرة السابعة :توجد في التحديث كلها. ففيها كلها فصل الظرف أو الجار والمجرور بين ضمير الرفع المتصل وتوكيده المعنوي ( كلّ) و(نفس). لنقر بصحة وفصاحة الفقرة السابعة.

 

3: كذلك لا بدّ من التنويه إلى أن التوكيدَ تابعٌ ينطبق عليه أحكام إخوته من التوابع إلا ما شذّ. ومنها أنه يصحّ الفصل بين التابع والمتبوع بالخبر كما في الفقرة السادسة، حيث فصل خبر كان بين ضمير الرفع وتوكيده.

تعالَوا لنرى ماذا يقول “النحو الوافي” في هذا الصدد:

“وجوب تطبيق أحكام التابع التي سبق بيانها، “في ص435″. على ألفاظ التوكيد.” (النحو الوافي )

فما هي أحكام التوابع هذه وفق نفس المرجع؟ ( ملحوظة: الحديث في الاقتباس التالي عن “النعت” لكونه أحد التوابع، ولكن ما ينطبق عليه ينطبق على التوكيد أيضا)

“….. وأنه يصح الفصل بين التابع والمتبوع بفاصل غير أجنبي محض؛ كمعمول الوصف في قوله تعالى {ذَلِكَ حَشْرٌ – عَلَيْنَا – يَسِيرٌ} ومعمول الموصوف في نحو: تعجبني معاونتك ضعيفًا الكبيرةُ. وعامله؛ نحو: المريضَ أكرمت الجريحَ. ومفسر عامله؛ كقوله تعالى: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ…..} والتقدير: إنْ هلك امرؤ هلك، ومعمول عامل الموصوف؛ كقوله تعالى: {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ عَالِمُ الْغَيْبِ} ، والمبتدأ الذي يشتمل خبره على الموصوف؛ كقوله تعالى: {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} ، والخبر؛ نحو: الصانع ناجحٌ المخلصُ. والقسم؛ نحو: الولد -والله البارُّ محبوب، وجواب القسم؛ كقوله تعالى: {بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} ، والاعتراض كقوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} والاستثناء؛ نحو: ماَ عرفت أحدًا إلا الوالدين كاملَ الشفقة. والمضاف إليه؛ نحو: أبو بكرِ الصديقُ أول الخلفاء “ويلاحظ أن النعوت المضاف -ومنه “الكنية” -له حكم خاص لفظي ومعنوي، يجيء في ص444″.”( النحو الوافي)

وبناء على هذه الأحكام يخلص الكاتب إلى ما يلي فيما يتعلق بالتوكيد:

ثالثا:” يجوز الفصل بين المؤكِّد والمؤكَّد بغير أجنبي محض من العامل؛ طبقًا للبيان الشامل الذي سلف ومنه قوله تعالى: {وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ} ، وقد أختلفت النحاة في الفصل بالحرف: “إمَّا”، والأحسن الأخذ بالرأي الذي يبيحه فيقول: سأسعَد بالقوم إمَّا كلَّهم، وإما بعضهم ..” ( النحو الوافي)

إن ما يهمنا من كل ما جاء في النحو الوافي ما يلي:

– يجوز الفصل بين الموكَد والتوكيد، وذلك بغير أجنبي محض، كما هو الأمر مع باقي التوابع.

– من هذه الحالات أن يكون الفاصل بينهما خبرا.

– ورود هذا الفصل في العديد من الآيات القرآنية التي جاء ذكرها.

وهذا في الحقيقة ما ينطبق على عبارات المسيح الموعود عليه السلام الآنفة الذكر والمعترَض عليها؛ فإذا افترضنا بوجود الفصل في جميعها كما يدّعي المعارضون، ففي كلها- عدا الفقرة الأخيرة- كان الفاصل هو الخبر أو خبر النواسخ، الذي وضعناه بين قوسين مزدوجين، فانظروا فيها وتمعنوا، لتتجلى أمام أعينكم قمة البلاغة في كلام المسيح الموعود عليه السلام. أما الفقرة الأخيرة فقد أثبتنا أعلاه صحة الفصل فيها أيضا.

 

وبنا على كل هذا، فسواء وقع فصل أم لم يقع في هذه العبارات بين التوكيد والمؤكَد، فالعبارات قمة في الفصاحة والبلاغة.

قيل بأن الأحمديين لن يلجأوأ إلا إلى المتروك والشاذ والركيك لتبرير الأخطاء المزعومة.

وهنا أقول: ها قد لجأنا إلى ما يُعتبر قمة في البلاغة والفصاحة، ووارد في كتاب الله، وتؤيده الشواهد القرآنية المذكورة أعلاه؛ لنؤكد أن ما زُعم من أخطاء ما هو إلا لغة فصيحة بليغة بعيدة عن الشذوذ، وهي أيضا لغة من أربعين ألف لغة من اللغات العربية التي عُلّمَها المسيح الموعود عليه السلام من الله العلي القدير في ليلة واحدة.

ألم يأنِ للذين اعترضوا أن يعضوا على أناملهم ندما وحسرة بعد كل هذا!؟؟

إن مَن اعترض بمثل هذا الاعتراض، سيتمنى بعد قراءة ما أوردناه، أن ليته لم يكن خُلق من قبل.