المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود ع العربية .. 103

التعريف بــ (أل) والإضافة معا، بين الاستقراء والجواز والتأويل ..2

الجواز من باب حذف البدل المضاف لدلالة المبدَل منه عليه..

الاعتراض:

اعتُرض على المسيح الموعود عليه السلام، أنه عرّف النكرات في الفقرات التالية بـ (أل) التعريف وبإضافتها معا، رغم أن القاعدة النحوية المعروفة تبيح التعريف فقط بواحدة منها، إما بـ (أل) التعريف وإما بالإضافة. وإليكم هذه الفقرات أشرنا فيها بين الأقواس المزدوَجة إلى مواضع الخلاف:

  1. بل هو يجري تحت مجاري ((الأوامر الشريعة الفطرية)) وفتاوى القوة القدسية ولا يميل عن الاعتدال. (الخطبة الإلهامية)
  2. ومن ((المقتضى الفطرة الإنسانية)) أنها تقيس بالأحوال الموجودة للأشياء على أحوال أشياء أخرى تضاهيها بنحو من الأنحاء. (مكتوب أحمد)
  3. ثم من ((المسلَّمات الأمة المرحومة))، أن المسيح لا يجيء إلا على رأس المائة. (مكتوب أحمد)
  4. فتوبوا إلى ((الرب الورى)) واستغفروا … ولا تشتروا بالحق عيشًا مُرَمَّقِ. (حجة الله)
  5. بل نطلب عزيمةً قاهرة الأهواء في (الرّضاء المولى)) الذي هو أحكم الحاكمين. (نور الحق)

الرد:

لقد ورد التعريف بأل والإضافة معا في كلام سيد الخلق محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم الوارد في صحيح البخاري حيث جاء:

“عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” أَنَّهُ ذَكَرَ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، سَأَلَ بَعْضَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُسْلِفَهُ أَلْفَ دِينَارٍ، ….. ثُمَّ قَدِمَ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ، فَأَتَى بِالأَلْفِ دِينَارٍ،” {صحيح البخاري (3/ 95)}

كما ورد في صحيح البخاري على لسان ابن عباس حيث قال:

“عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ..أَنَّهُ بَاتَ عِنْدَ مَيْمُونَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا..ثُمَّ قَرَأَ الْعَشْرَ آيَاتٍ خَوَاتِيمَ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ” {صحيح البخاري، كتاب الجمعة}

فكما نرى قد جاء في هذه الأحاديث على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى لسان ابن عباس تعريف العدد المضاف بـ (أل التعريف) وهو ما يناقض القاعدة الرائجة التي لا تبيح ذلك؛ إذ وفق القاعدة لا بدّ من القول “ألف الدينار” و” عشر الآيات”.

وقد ذهب ابن مالك في شواهد التوضيح إلى توجيه هذه اللغة على عدة أوجه، أهمها “حذف البدل المضاف لدلالة المبدَل منه عليه” حيث قال:

“ومنها قول [رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن] أبي هريرة رضي الله عنه (فلما قدم جاءه بالألف دينار)

قلت: في وقوع “دينار” بعد “الألف ” ثلاثة أوجه:

أحدها، وهو أجودها، ((أن يكون أراد: “بالألْفِ ألْفِ دينار”،)) على إبدال”ألْف” المضاف من المعرَّف بالألِفِ واللام، ثم حَذف المضاف، وهو البدل، لدلالة المبدَل منه عليه، وأبقَى المضاف إليه على ما كان عليه من الجرّ ، كما حُذف المعطوف المضاف وتُرك المضاف إليه على ما كان عليه قبل الحذف في نحو (ما كل سوداءَ تمرة ولا بيضاءَ شحمةَ)

((وفي باب الاستعانة باليد في الصلاة (ثم قام فقرأ العشر آيات) يُحمل أيضاً على أن المراد: فقرأ العشر َعشر َآياتٍ))، على البدل، ثم حذف البدل وبقي ما كان مضافًا إليه مجرورا..

ومن حذف البدل المضاف لدلالة المبدل منه عليه ما جاء في “جامع المسانيد” من قول النبي – صلى الله عليه وسلم – (خير الخيل الأدهم ُالأقرحُ الأرثم ُالمحجل ُثلاثٍ).

أي: المحجلُ محجلُ ثلاثٍ. وهذا أجود من أن يكون على تقدير: المحجل في ثلاث.

ومن حذف البدل المضاف لدلالة المبدل منه عليه قول الراجز:

الآكلُ المالَ اليتيمِ بطرا … يأكل نارًا وسصيلى سقرا

أراد: الآكل المالَ مالَ اليتيم. ومثله قول الشاعر

المالُ ذي كرم ينمي محامدَه … ما دام يبذله فيْ السر والعلن

أراد: المالُ مالُ ذي كرم

وقد يحذف المضاف باقيًا عمله وإن لم يكن بدلًا، كقوله عليه السلام: (فضل الصلاة بالسواك على الصلاة بغير سواك سبعين صلاة) [أي: فضل سبعين صلاة. وهو من “جامع المسانيد”.ويجوز أن يكون الأصل: بسبعين صلاة] فحذفت الباء وبقي عملها.”{ شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح (ص: 113- 112)}

ومما قدمه ابن مالك نخلص إلى ما يلي:

  • إن إضافة المعرف بـ (أل) إضافة محضة، وارد في الحديث الشريف على لسان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى لسان ابن عباس رضي الله عنه، وذلك في باب العدد وغيره.
  • هذه الإضافة واردة في النثر والشعر على غير باب العدد كما في قول الرسول صلى الله عليه وسلم (المحجلُ ثلاثٍ).
  • كل هذه الإضافة وجّهَها ابن مالك على حذف البدل المضاف لدلالة المبدل منه عليه. وذلك من منطلق جواز حذف المضاف وإبقاء عمله قائما أي مع بقاء المضاف إليه مجرورا ،كما ورد ذلك في قراءة الآية: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةِ} بكسر (الآخرة) ليكون التقدير ( والله يريد عرضَ/ ثوابَ الآخرةِ) حيث جاء ذلك في شرح التسهيل لابن مالك عند حديثه عن حذف المضاف وإبقاء عمله فقال:

“كقراءة ابن جماز (تريدون عَرَض الدنيا والله يريد الآخرةِ) بالجر على تقدير: والله يريد عرضَ الآخرةِ.{ شرح التسهيل لابن مالك (3/ 271)}.

وعلى هذا تتخرج كل عبارات المسيح الموعود عليه السلام الآنفة الذكر على التقديرات التالية لحذف البدل المضاف مع إبقاء عمله:

  1. بل هو يجري تحت مجاري ((الأوامر الشريعة الفطرية)) وفتاوى القوة القدسية ولا يميل عن الاعتدال. (الخطبة الإلهامية) { أي:تحت مجاري الأوامرِ أوامرِ الشريعةِ الفطرية..}
  2. ومن ((المقتضى الفطرة الإنسانية)) أنها تقيس بالأحوال الموجودة للأشياء على أحوال أشياء أخرى تضاهيها بنحو من الأنحاء. (مكتوب أحمد){ أي:ومن المقتضى مقتضى الفطرةِ الإنسانية..}
  3. ثم من ((المسلَّمات الأمة المرحومة))، أن المسيح لا يجيء إلا على رأس المائة. (مكتوب أحمد) { أي: ثم من المسلمات مسلمات الأمةِ المرحومة..}
  4. فتوبوا إلى ((الرب الورى)) واستغفروا … ولا تشتروا بالحق عيشًا مُرَمَّقِ. (حجة الله) { أي:فتوبوا إلى الربِّ ربِّ الورى..}
  5. بل نطلب عزيمةً قاهرة الأهواء في (الرّضاء المولى)) الذي هو أحكم الحاكمين. (نور الحق) {أي: قاهرة الأهواء في الرضاء رضاءِ المولى الذي…}

وبناء على هذا كله يثبت بما يقطع الشكَّ باليقينِ صحة هذه الفقرات المعترَض عليها في لغة المسيح المسيح الموعود عليه السلام، وفقا لهذا التأويل والتقدير من حذف البدل المضاف مع بقاء عمله.

وهو ما يؤكد كونها لغة عربية صحيحة وفصيحة، تكلم بها من أوتي جوامع الكلم سيدنا محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام، فوردت عنهم نثرا كما وردت في صحيح البخاري، ووردت كذلك في الشعر كما أثبتناه. فحاصل الكلام أنها لغة من “الأربعين الألف اللغات العربية” التي تعلمها المسيح الموعود عليه السلام من الله العلام.