المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود ع العربية .. 104

التعريف بــ (أل) والإضافة معا، بين الاستقراء والجواز والتأويل ..3

جواز هذه الصيغة على اعتبار (أل) زائدة عارضة..

الاعتراض:

اعتُرض على المسيح الموعود عليه السلام، أنه عرّف النكرات في الفقرات التالية بـ (أل) التعريف وبإضافتها معا، رغم أن القاعدة النحوية المعروفة تبيح التعريف فقط بواحدة منها، إما بـ (أل) التعريف وإما بالإضافة. وإليكم هذه الفقرات أشرنا فيها بين الأقواس المزدوَجة إلى مواضع الخلاف:

  1. بل هو يجري تحت مجاري ((الأوامر الشريعة الفطرية)) وفتاوى القوة القدسية ولا يميل عن الاعتدال. (الخطبة الإلهامية)
  2. ومن ((المقتضى الفطرة الإنسانية)) أنها تقيس بالأحوال الموجودة للأشياء على أحوال أشياء أخرى تضاهيها بنحو من الأنحاء. (مكتوب أحمد)
  3. ثم من ((المسلَّمات الأمة المرحومة))، أن المسيح لا يجيء إلا على رأس المائة. (مكتوب أحمد)
  4. فتوبوا إلى ((الرب الورى)) واستغفروا … ولا تشتروا بالحق عيشًا مُرَمَّقِ. (حجة الله)
  5. بل نطلب عزيمةً قاهرة الأهواء في (الرّضاء المولى)) الذي هو أحكم الحاكمين. (نور الحق)

الرد:

لقد ذكرنا في المقال السابق ورود التعريف بأل والإضافة معا في كلام سيد الخلق محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم الوارد في صحيح البخاري حيث جاء:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” أَنَّهُ ذَكَرَ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، سَأَلَ بَعْضَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُسْلِفَهُ أَلْفَ دِينَارٍ، ….. ثُمَّ قَدِمَ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ، فَأَتَى بِالأَلْفِ دِينَارٍ،” {صحيح البخاري (3/ 95)}

كما ورد في صحيح البخاري على لسان ابن عباس حيث قال:

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ..أَنَّهُ بَاتَ عِنْدَ مَيْمُونَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا..ثُمَّ قَرَأَ الْعَشْرَ آيَاتٍ خَوَاتِيمَ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ” {صحيح البخاري، كتاب الجمعة}

وقد ذكرنا أن ابن مالك ذهب في توجيه هذه اللغة إلى عدة وجوه، منها ما فصّلنا الحديث عنه في المقال السابق وهو “حذف البدل المضاف لدلالة المبدل منه عليه مع بقاء عمله”.

ومن الوجوه الأخرى التي ذكرها ابن مالك في توجيه هذه اللغة فهو اعتبار (أل) زائدة في المضاف ولا تمنع الإضافة في هذه الحالة، حيث قال:

الوجه الثالث- أن يكون “الألْف” مضافا الى “دينار” والألِف واللام زائدتان فلذلك لم يمنعا من الإضافة، ذكر جواز هذا الوجه أبو على الفارسي، وحمل عليه قول الشاعر:

تُولي الضجيعَ إذا تنبه مَوهنًا … كالأقحُوان من الرشاش المستقي

قال أبو على: أراد من رشاش المستقي، فزاد الألف واللام. ولم تمنعا من إلاضافة.

ولقوله “فقرأ العشر آيات” من هذا الوجه الثالث نصيب، أعني كون الألف واللام زائدتين غير مانعتين من الاضافة.{ شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح (ص: 114)}

وعن هذا النوع من (أل) الزائدة جاء في موسوعة علوم اللغة العربية ما يلي:

أل الزائدة غير اللازمة (العارضة):هي التي تدخل على المعرفة أو النكرة، فلا تغير التعريف، أو التنكير. وزيادتها غير لازمة، فحينا توجد، وحينا آخر لا توجد. وهي نوعان نوع للمح الأصل، ونوع آخر يزاد في النثر شذوذا أو في الشعر ضرورة…أما النوع الثاني الذي يزاد في النثر شذوذا، فنحو قول العرب:” الخمسةَ العشَرَ الدرهم”،كما روى الكوفيون، وكالواقعة في قولهم:” أدخلوا الأول فالأول”، و”جاؤوا الجماءَ الغفيرَ”؛وذلك لأن ” الأول” في ” ادخلوا الأول فالأول” حال، وكذلك ” الجماءَ” في “جاؤوا الجماءَ الغفيرَ”،والحال واجبة التنكير.

وأما الزائدة زيادة غير لازمة للضرورة الشعرية، فنحو قول راشد بن شهاب (من الطويل):

رأيتُكَ لما أن عرفتَ وجوهنا صددتَ وطبتَ النفسَ يا قيسُ عن عَمرو

حيث أدخل الشاعر (أل) على كلمة (النفس) التي هي تمييز والتمييز نكرة لا تدخله (أل)، وكان الأصل أن يقول: “طبتَ نفسًا”، ولكن الضرورة الشعرية قهرته، فأدخل (أل).” { موسوعة علوم اللغة العربية ج2/ ص 391)

وبناء على كل هذا، تتخرّج من وجه آخر كل عبارات المسيح الموعود عليه السلام المعترَض عليها، وذلك باعتبار (أل) الواقعة في الاسم المضاف فيها زائدة عارضة لا تمنع الإضافة ولا تضفي تعريفا آخر على المضاف، كما وقعت في الأمثلة التي سقناها في هذا المقال.

ففي الكلمات :(الأوامر، المقتضى، المسلَّمات، الرب، الرّضاء ) الواردة في عبارات المسيح الموعود عليه السلام ليست الأل (أل التعريف) بل (أل) الزائدة العارضة التي لا تلزم اللفظ دائما، ولا تأثير لها على التعريف والإضافة؛ تماما كما في الأمثلة التالية: من الرشاش المستقي، “فقرأ العشر آيات”، فَأَتَى بِالأَلْفِ دِينَارٍ،” الخمسةَ العشَرَ الدرهم”، أدخلوا الأول فالأول”، “جاؤوا الجماءَ الغفيرَ”.

وبشهادة ابن مالك والفارسي هذه، يثبت من جديد، صحة هذه اللغة العربية، وأن لا خطأ واقع فيها قطّ؛ بل هي لغة عربية صحيحة تندرج ضمن الأربعين الألف اللغة العربية التي جاء بها المسيح الموعود عليه السلام كآية على صدقه وصدق نبوّته.