المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود عليه السلام العربية ..223

نكتة الخلط بين الفعل الماضي والمضارع ..1

تخليص معنى الفعل الماضي والمضارع إلى الاستقبال بدخول أداة الشرط عليه

الاعتراض:

يدّعي المعارضون وقوع الخطأ والخلط بين الفعل الماضي والمضارع في إلهام المسيح الموعود عليه السلام المذكور في الفقرة التالية، حيث قال عليه السلام:

_ “بينما كنتُ أظنّ من شدة المرض أن روحي ستخرج الآن، تلقيت هذا الوحي:

“اللهم إنْ أهلكتَ هذه العصابة فلن تُعبَد في الأرض أبدًا.” (التذكرة)

 

والصحيح وفق زعم المعارضين هو : اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ. فلا بد أن يكون فعل الشرط (تُهلك) بصيغة المضارع وليس بصيغة الماضي (أهلكتَ).

وهذا الخطأ – وفق زعمهم- ينمّ عن أن معرفة المسيح الموعود عليه السلام بالحديث الشريف ضعيفة والعياذ بالله، لأن الوارد في الحديث في صحيح مسلم بلفظ (تُهلك).

الرد:

لا خطأ وارد قطّ في هذا الإلهام وفي استعمال الفعل (أهلكتَ) بصيغة الماضي، وفي الحقيقة لا فرق بين القول (إن أهلكتَ) و (إن تهلك)، وذلك لأن أداة الشرط الجازمة تخلّص زمن الفعل الماضي والمضارع الواقعين في جملة الشرط وجوابها إلى الزمن المستقبل المحض، فيكون الفعل الماضي ماضيا لفظا مستقبلا معنى، كما يكون الفعل المضارع بمعنى المستقبل أيضا.

وهذا ما يؤكده النحو الوافي في سياق حديثه عن أحكام جملتي الشرط والجواب حيث يقول:

“أحكام عامة تختص بجملتي الشرط والجواب معا:

1- ما يختص بهما من ناحية نوعهما، وكيفية إعراب فعلهما:

جملة الشرط لا بد أن تكون فعلية، وفعلها وحده هو فعل الشرط -كما عرفنا؛ سواء أكانت ماضوية أم مضارعية. فلها من هذه الناحية صورتان، أما جملة الجواب فقد تكون فعلية -ماضوية أو مضارعية- وقد تكون اسمية بشرط اقترانها بالفاء، أو ما يخلفها، طبقا لما سبق.

والصور السالفة كلها صحيحة، قياسية. ولكنها -مع صحتها- مختلفة الدرجة في قوة الفصاحة والسمو البلاغي، فبعضها أقوى وأسمى من الآخر؛ تبعا لنصيبه من كثرة الاستعمال الوارد في الأساليب العالية المأثورة. وقد يختلف هذا الوارد في ضبط المضارع وإعرابه.

هذا، ويلاحظ: أن الماضي في الجملتين قد يكون ماضيا لفظا ومعنى؛ بحسب أصله قبل مجيء أداة الشرط الجازمة، فإذا جاءت جعلَته ماضيا لفظا، لا معنًى، لأنها تجعل زمنه مستقبلا؛ فيظل ماضيا بلفظه وصورته، دون زمنه الذي تغير فصار بسببها مستقبلا.

كما يلاحظ أن المضارع في الجملتين قد يكون مضارعا لفظا ومعنى بحسب أصله، فإذا دخلت عليه: “لم” الجازمة تركته مضارعا لفظا لا معنى؛ لأنها تجعل زمنه ماضيا؛ فيظل مضارعا بلفظه وصورته، دون زمنه الذي تغير وصار زمنا ماضيا. وإذا سبقتهما معا أداة شرط جازمة خلصت زمنه للمستقبل المحض، بالرغم من وجود: “لم” ذلك أن أداة الشرط الجازمة لا بد أن تخلص زمن الفعل في الجملة الشرطية، وفي الجملة الجوابية للمستقبل المحض؛ سواء أكان هذا الفعل مضارعا أصيلا، أم كان ماضيا أصيلا “أي: ماضيا لفظا ومعنى” أم ماضيا معنى فقط دون لفظ كالمضارع المسبوق بالحرف “لم” فإن صورته صورة المضارع، ولكن زمنه ماض، بسبب “لم” فهذه الأفعال تتجرد للزمن المستقبل وحده؛ بسبب أداة الشرط الجازمة وفيما يلي ترتيب درجاتها.  [النحو الوافي (4/ 471- 472)]

وعليه فإن القول (إن أهلكتَ) يفيد معنى المستقبل، ولا فرق بينه وبين القول (إن تُهلك)، فكلاهما يفيدان المستقبل المحض بسبب دخول أداة الشرط الجازمة عليهما.

ولعل المعارضون يقصدون من هذا الخلط المتوهَم، كما ادعوا في مواضع أخرى، أن فعل الشرط لا بدّ أن يتوافق مع فعل جواب الشرط من حيث الزمن، وبما أن فعل جواب الشرط جاء مضارعا ( لن تُعبد) فلا بد لفعل الشرط أن يكون مضارعا أيضا. وقد أثبتنا بطلان هذا الزعم في مقال سابق بعنوان: “صحة وفصاحة جواب الشرط المضارع لفعل الشرط الماضي” على الرابط التالي : (صحة وفصاحة جواب الشرط المضارع لفعل الشرط الماضي – أهي فاء عابثة أم فاء هادفة ..3) ومن الممكن الرجوع إليه.

ولكن لا ضير مِن ذكر ما ذكرناه هناك مجددا وبشكل مختصر ، حيث أكد النحو الوافي جواز كون فعل الشرط وجواب الشرط مختلفين من حيث الزمن، وذكر أربع إمكانيات لهذين الفعلين: الأولى أن يكونا مضارعين أصليين، والثانية أن يكونا ماضيين لفظا، وأما الحالتان الأخيرتان فيتفاوت الزمان بينهما، لذا فقال:

“الثالثة: أن يكون فعل الشرط ماضيا -ولو معنى- وفعل الجواب مضارعا أصيلا كقوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} . فالماضي مبني في محل جزم، والمضارع المجرد مجزوم مباشرة. ومثل؛ من لم يغتنم الفرصة يعاقب بالحرمان، ويجوز رفع المضارع، وهذا حسن ولكن الجزم أحسن …

الرابعة: أن يكون فعل الشرط مضارعا أصيلا مجزوما، وفعل الجواب ماضيا -ولو معنى- وهذه الصورة أضعف الصور؛ حتى خصها بعض النحاة بالضرورة الشعرية، ولكن الصحيح أنها ليست مقصورة على الشعر، وإنما تجوز في النثر مع قلتها. ومن أمثلتها نثرا قول النبي صلى الله عليه وسلم: “من يقم ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له”. وقول عائشة عن أبيها وهي تحدث الرسول صلى الله عليه وسلم: “إن أبا بكر رجل أسيف؛ متى يقم مقامك رق”. ومن أمثلتها شعرا قول القائل يمدح ناصره:

من يكدني بسيئ كنت منه … كالشجا بين حلقه والوريد

وقول الآخر في أعدائه:

إن يسمعوا سبة طاروا بها فرحا … مني، وما يسمعوا من صالح دفنوا … 7” [النحو الوافي (4/ 473)]

فلا خطأ في اختلاف الفعلين: في فعل الشرط وجوابه من حيث الزمن لفظا، وكل هذه الإمكانيات من الكلام الفصيح، مع تفاوت درجات الفصاحة بينها.

أما قول المعارضين بأن المسيح الموعود عليه السلام يخالف ما جاء في الحديث الشريف من حيث حرفية الكلمات، فهذا ادعاء فارغ لا يمكن أن يخرج إلا من شخص فارغ، إذ لا حرج في التصرف في كلمات الحديث وحتى كلمات القرآن الكريم، طالما أن المتكلم لا يعزو الكلام لهذه المصادر بل تكون بمثابة أقواله الشخصية أو أقوال خاصة به هو، والمسيح الموعود بنفسه قد صرح بأن بعض كلامه هو آيات قرآنية أو شبه آيات مع بعض من التصرف، فما بالك في أن يتصرف في كلمات الحديث الشريف والذي من المعروف أن الكثير منه مروي بالمعنى وليس باللفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم!؟

One Comment on “تخليص معنى الفعل الماضي والمضارع إلى الاستقبال بدخول أداة الشرط عليه”

Comments are closed.