المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود ع العربية ..41

تمييز الأعداد ثلاثة إلى عشرة بالمفرد ..1

الاعتراض:

قيل بخطأ المسيح الموعود عليه السلام في تمييز الأعداد الواردة في الفقرات التالية:

1- يموت بعلها وأبوها إلى ثلاث سنة (كرامات الصادقين).

2- ثم ما استعجلتُ في أمري هذا، بل أخّرتُه إلى عشر سنة (حمامة البشرى).

3- فألهمني ربّي أنه سيُقتَل بعذاب شديد، بحَرْبة في ستّ سنةٍ في يومٍ قرب يوم العيد … وكتب إليّ أني أُلهمتُ أنك تموت بالهَيضة إلى ثلاث سنةٍ (نجم الهدى).

4- وبشّرني ربي بأنه يموت في ستّ سنة، في يوم دنا من يوم العيد بلا تفاوت (حجة الله).

5- فلما انقضى أربع سنة من الميعاد (حجة الله).

6- أعني وقت العصر الذي هو ثلاث ساعة من الأيام المتوسطة. (الخطبة الإلهامية).

7- وأَشهِدْ عليه عشرةَ عَدْلٍ من الرجال”. (حجة الله، باقة، ص 124).

ووفق زعم المعارضين فإن الخطأ وارد في إيراد تمييز الأعداد بصيغة المفرد رغم وجوب كونها بصيغة الجمع؛ فبدلا من القول ثلاث سنة/ عشر سنة/ ستّ سنة/ أربع سنة/ ثلاث ساعة/ عشرة عدل؛ كان لا بد من القول: ثلاث سنوات/ عشر سنوات/ ستّ سنوات/ أربع سنوات/ ثلاث ساعات/ عشرة عدول. والسبب في ذلك وفق زعمهم أن القاعدة النحوية توجب في تمييز الأعداد من 3 إلى 10 أن يكون بصيغة الجمع وليس المفرد.

وقد عزا هؤلاء السبب في هذه الأخطاء إلى العجمة التي هي طابع المسيح الموعود عليه السلام والتي تغلب على تطبّعه وفق زعمهم والعياذ بالله.

الردّ:

أولا وقبل أن نخوض في بحث مستفيض في القواعد النحوية واللغوية والقياس عليها، يكفينا لدحض اعتراض المعترضين القول أن كلمة سنة، وساعة، وعدْل، وأشباهها واردة بهذه الصيغة من الإفراد اللفظي لتمييز هذه الأعداد ( ثلاثة إلى عشرة) في كتب الأدب العربي وعن جهابذة وأئمة الكتّاب والأدباء والفصحاء والمؤرخين والمفسرين، لا سيّما في كلام الله والوحي الرباني القرآن الكريم؛ مما يؤكد صحة وفصاحة وبلاغة هذه اللغة، وهذا الأسلوب اللّغوي.

وفي هذا المقال التقديمي، سنقتصر البحث على إيراد العديد من الأمثلة من كتب الأدب العربي القديم والجديد، والتي وردت فيها هذه الكلمات أو أشباهها تمييزا للاعداد 3-10 بنفس الصورة التي وردت في كتابات المسيح الموعود المعترض عليها. على أن نقوم في المقال التالي بتفصيل الأمر من الناحية اللغوية والنحوية. وإليكم هذه الأمثلة:

كلمة سنة:

1- ويروبان ابن المبارك رؤى فى المنام فقيل له ما فعل بك ربك فقال عاتبنى وأوقفني ((ثلاث سنة)) بسبب انى نظرت باللطف. {روح البيان (7/ 454)، لاسماعيل حقي المولى أبو الفدا 1127هـ}

2- وقدم قرطبة وقدم إلى الإقراء بجامعها ((ثلاث سنة)) وثمانين وأربع مائة.{ الصلة في تاريخ أئمة الأندلس لابن بشكوال (ص: 400) لابو القاسم بن بشكوال 578 هـ}

3- توفي فِي ذي القعدة ((ثلاث سنة)) وتسعين وخمسمائة. {تاريخ بغداد وذيوله ط العلمية (15/ 389) الخطيب البغدادي 463 هـ}

4- حدثنا أبي قال قال الواقدي قبض النبي (صلى الله عليه وسلم) وبسر بن أبي أرطأة ابن سنتين أو(( ثلاث سنة)) سن مروان بن الحكم. {تاريخ دمشق لابن عساكر (10/ 147)، ابن عساكر 571هـ}

5- وقال الواقدي في الطبقات توفي سنة سبع وثمانين وهو ابن ((ثلاث سنة)). {تاريخ دمشق لابن عساكر (27/ 185)}

6- هذا ما صارت إليهِ روسيا في عهد أربعة عشر قيصراً وأربع قيصرات تولوها مدة ((ثلاث سنة)) وقل منهم من لم يترك مأثرة يعرف بها في التاريخ. {مجلة «الزهور» المصرية (4/ 69)}

7- لقد ظلّ إسماعيل الابن البكر الوحيد لإبراهيم – عليهما السلام – مدة ((أربع سنة)) إلى أن ولد إسحاق عليه السلام. {تخجيل من حرف التوراة والإنجيل (2/ 563)}

8- وقد يبرز الأمير للناس أو يأذن عاماً أو يدخل عليه ابن الغلام ابن ((أربع سنة)) مع أبيه عمه مثلاً. {التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل (1/ 411)}

9- قَالَ غزوت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَمَانِي عشرَة غَزْوَة وَكَانَت وَفَاته فِي أَربع وَسبعين وَهُوَ ابْن ((ارْبَعْ سنة)). {وسيلة الإسلام بالنبي عليه الصلاة والسلام (ص: 79)}

10- سمع أبا زيد الواقد بْنُ الْخَلِيلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الخليلي ((أربع سنة )) وثمانين وأربعمائة. {التدوين في أخبار قزوين (2/ 44)}

11- وإذا كان لبث الفتيين فى السجن ثلاثة ايام فلا يتصور لبث يوسف ((خمس سنة)) قبل ذلك القول والله اعلم. {التفسير المظهري (5/ 166)}

12- وَقَوْلهمْ لَا تسمع الدَّعْوَى بعد ((خمس سنة)) إِلَّا فِي الارث. {قره عين الأخيار لتكملة رد المحتار علي الدر المختار (7/ 428)}

13- وَفِي رِوَايَةٍ: خَدَمْتُهُ عَشْرَ سِنِين أَو ((خمس سنة)). {السيرة النبوية لابن كثير (4/ 667)}

14- وَقتل عُثْمَان فِي ذِي الْحجَّة لِاثْنَتَيْ عشرَة لَيْلَة بقيت مِنْهَا ((خمس سنة)) وَثَلَاثِينَ. {التعديل والتجريح , لمن خرج له البخاري في الجامع الصحيح (3/ 987)/ أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب بن وارث التجيبي القرطبي الباجي الأندلسي (المتوفى: 474هـ)}

15- فدام بهَا نَحْو ((خمس سنة)) إِلَى أَن أطلق. {الضوء اللامع لأهل القرن التاسع (10/ 321)}

16- منها بعد ((أربع سنة خمس سنة)) يكون يعني معنا. {أرشيف ملتقى أهل التفسير}

كلمة ساعة:

1- وَقَالَ أَبُو العالية: مكث (آدم) فِي الْجَنَّة ((خمس ساعة)). {المنتظم في تاريخ الملوك والأمم (1/ 207)}

2- بقي على الترائي ((ثلاث ساعة)) تقريبا، فأعطونا همتكم. {أرشيف ملتقى أهل الحديث – 1 (131/ 263)}

3- بأنه لا ينام في يومه إلا ((ثلاث ساعة)) من الساعة الثانية عشر. {أرشيف ملتقى أهل الحديث – 1 (134/ 135)}

4- وهي بعنوان مقاصد سورة القرآن الكريم، لمدة ((أربع ساعة)) تبدأ من 5:45 إلى 9:45 . {أرشيف ملتقى أهل التفسير}

مثيل كلمة عدْل:

1- {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ ((تِسْعَةُ رَهْطٍ)) } (النمل 49)

2- {قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ ((خَمْسِ ذَوْدٍ)) صَدَقَةٌ } (صحيح البخاري, كتاب الزكاة)

3- ثلاثة أنفس ((وثلاث ذود)) … لقد جار الزمان على عيالي. (الحطيئة)

4- كأن خصييه من التدلدل … ظرف عجوز فيه ((ثنتا حنظل)). (الشاعر جندل بن المثنى)

وبعد كل هذه الأمثلة، لا بدّ أن نسأل السؤال التالي، هل من المعقول أن يكون كل هؤلاء المفسرين والأدباء والمؤرخين والشعراء، أمثال ابن كثير وابن عساكر، قد غاب عنهم هذا “الخطأ الفادح” كلهم مجتمعين، رغم أنهم أئمة في الفصاحة والبلاغة، ورغم أنهم عمدوا جميعا على مراجعة وتنقيح كتبهم قبل إصدارها؟

أجزم، بأن هذا غير معقول بل ومستحيل!! بل إن استعمال كل هؤلاء الكتاب نفس هذه الكلمات او ما يشابهها بصيغة المفرد في تمييز الاعداد ثلاثة إلى عشرة، دليل كاف للقول بأن هذا الاسلوب لم يأت من فراغ وليس هو بأسلوب خاطئ البتة.

فالحق أن هذا الأسلوب، من تمييز وإضافة الأعداد (ثلاثة إلى عشرة ) إلى صيغة المفرد، لهو أسلوب فصيح بليغ له ما يؤيده ويسوغه من القواعد النحوية واللغوية؛ والتي سوف نفصّلها في المقال التالي. (يُتبع)