#المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود ع العربية ..42

تمييز الأعداد ثلاثة إلى عشرة بالمفرد

الاعتراض:

قيل بخطأ المسيح الموعود عليه السلام في تمييز الأعداد الواردة في الفقرات التالية:

 

  • يموت بعلها وأبوها إلى ثلاث سنة (كرامات الصادقين).
  • ثم ما استعجلتُ في أمري هذا، بل أخّرتُه إلى عشر سنة (حمامة البشرى).
  • فألهمني ربّي أنه سيُقتَل بعذاب شديد، بحَرْبة في ستّ سنةٍ في يومٍ قرب يوم العيد … وكتب إليّ أني أُلهمتُ أنك تموت بالهَيضة إلى ثلاث سنةٍ (نجم الهدى).
  • وبشّرني ربي بأنه يموت في ستّ سنة، في يوم دنا من يوم العيد بلا تفاوت (حجة الله).
  • فلما انقضى أربع سنة من الميعاد (حجة الله).
  • أعني وقت العصر الذي هو ثلاث ساعة من الأيام المتوسطة. (الخطبة الإلهامية).
  • وأَشهِدْ عليه عشرةَ عَدْلٍ من الرجال”. (حجة الله، باقة، ص 124).

ووفق زعم المعارضين فإن الخطأ وارد في إيراد تمييز الأعداد بصيغة المفرد رغم وجوب كونها بصيغة الجمع؛ فبدلا من القول ثلاث سنة/ عشر سنة/ ستّ سنة/ أربع سنة/ ثلاث ساعة/ عشرة عدل؛ كان لا بد من القول: ثلاث سنوات/ عشر سنوات/ ستّ سنوات/ أربع سنوات/ ثلاث ساعات/ عشرة عدول. والسبب في ذلك وفق زعمهم أن القاعدة النحوية توجب في تمييز الأعداد من 3 إلى 10 أن يكون بصيغة الجمع وليس المفرد.

وقد عزا هؤلاء السبب في هذه الأخطاء إلى العجمة التي هي طابع المسيح الموعود عليه السلام والتي تغلب على تطبّعه وفق زعمهم والعياذ بالله.

الردّ:

لقد أثبتنا في المقال السابق، ورود هذه الألفاظ أو ما يشابهها في القرآن الكريم وفي كتب الأدب العربي والإسلامي عن كبار المفسرين والكتّاب المشهود لهم بعلمهم وفصاحتهم مثل ابن كثير وابن عساكر. فما هو التوجيه النحوي واللغوي لمثل هذا التمييز للأعداد ثلاثة إلى عشرة بلفظ المفرد؟

أولا لا بدّ ان نجزم، أنه لا خطأ وارد في كل الفقرات أعلاه البتة، ولا عجمة مسّت كل هذه الفقرات قطعا؛ وذلك لأن القاعدة النحوية المتعلقة بتمييز هذه الأعداد هي أعم وأشمل وأوسع من القاعدة التي يعلمها المعارضون؛ فالقاعدة لا تجيز بأن تضاف الأعداد ما بين ثلاثة إلى عشرة إلى صيغ الجمع فقط، بل إلى ما هو “في معنى الجمع” أيضا، كاسم الجمع واسم الجنس، فألفاظ التمييز الواردة فيها سنة/ساعة/ عدل، تحمل على معنى الجمع، وجائز أن تبقى على صيغتها دون أن تُجمع عند تمييزها للأعداد كما سنوضحه أدناه وفق توجيهين مختلفين.

التوجيه الأول: إمكانية إضافة هذه الأعداد إلى ما هو في معنى الجمع كاسم الجنس واسم الجمع

وفق بحث مستفيض في مسألة تمييز الأعداد ثلاثة إلى عشرة خلصنا إلى النتائج التالية:

  • يجوز إضافة الأعداد ثلاثة إلى عشرة ليس فقط إلى صيغ الجمع، بل إلى ما هو بمعنى الجمع، وإن لم يكن جمعا في اللفظ. مثل اسم الجنس واسم الجمع.( 1، 2،3،4)
  • من النحاة مثل المبرد والمازني، من يقيّد هذه الإضافة إلى الجمع الذي يدل على القلة وليس الكثرة. مثل جمع المذكر والمؤنث السالم وبعض صيغ جموع التكسير واسم الجمع الذي للقلة.(2،3،1)
  • إلا أنه من النحاة من يجيز الإضافة أيضا إلى جمع الكثرة أيضا مثل ابن عصفور الإشبيلي والفارسي. 4
  • من الألفاظ التي بمعنى الجمع وتجوز في هذه الإضافة هي: اسم الجمع – وهو ما لا مفرد من لفظه مثل: رهط وقوم؛ و اسم الجنس على نوعيه الجمعي والإفرادي، فالجمعي: هو ما يفرّق بينه وبين مفرده- على الأغلب-  بتاء التأنيث أو بياء النسبة، مثل:شجر/شجرة، وعرب/ عربيّ، ، وأما اسم الجنس الإفرادي:  فهو الذي يقع على القليل والكثير مثل: عسل، ماء، هواء.
  • من النحاة من يجيز القياس على هذه الإضافة لاسم الجنس واسم الجمع ، مثل االفارسي وابن علج الإشبيلي، وابن عصفور في كتابيه المقرب وشرح جمل الزجاجي، وابن هشام. (1،2،3،4)
  • فالمحصلة أن إضافة هذه الأعداد لاسم الجمع واسم الجنس بشقيه الجمعي والإفرادي جائزة نظرا لدلالة هذه الأسماء على الجمع وشبهها به. (ينظر التفصيل في الهامش 10)

 

النتيجة:

وبذلك يتضح من كل هذا، أن الأعداد ثلاثة إلى عشرة يمكن إضافتها للفظ الجمع، وكذلك للفظ المفرد إذا كان بمعنى الجمع كاسم الجنس واسم الجمع، سواء أكان جمع قلة أو جمع كثرة أو ما يدل عليها. بمعنى آخر، يمكن إضافتها إلى ما يقع على القليل والكثير من حيث المعنى.

 

التوجيه الثاني: من باب حمل اللفظ على المعنى في اللغة

لقد غفل المعارضون أننا في لغتنا العربية عند تمييز الأعداد من ثلاثة إلى عشرة بكلمة (مئة)، يأتي هذا التمييز بالمفرد وليس بالجمع. فنقول ثلاث مئة/ أربع مئة .. ألخ. وعلى هذا يُقاس في العبارات قيد البحث: سنة وساعة وعدل.

وهذا يقودنا إلى التساؤل، لماذا تكون إضافة الأعداد 3-10 إلى كلمة (مئة) مفردة عادة وليست بالجمع كما تقول القاعدة عامة!؟

يجيب على هذا السؤال ابن عصفور في كتابه ” المقرِّب” فيقول: وأما قولهم ثلاث مائة فلأن المائة في المعنى جمع. ( المقرب 308)

فأي جمع تُحمل عليه كلمة مائة!؟

أولا: أن تكون بمعنى (مئات)، مثلما يُفهم من كلام سيبويه، في تعليله لإفراد كلمة مائة عند إضافة الأعداد لها، حيث جاء:

“قال سيبويه :..وذكر مع ذلك أنه قد جاء في الشعر الواحد يراد به الجمع وأنشد:

في حَلقُكُم عَظمٌ وقَد شَجِينَا3 يريد في حلوقكم. وقال آخر:

كُلُوا في بَعْضِ بَطْنِكُمُ تَعِفُّوا … فإنَّ زمانَكم زَمَنٌ خَمِيصُ4” {الأصول في النحو (1/ 314)}

فقد حملها سيبويه على معنى الجمع كما حُمل (بطن) على (بطون).

والثاني: أن تكون بمعنى جمع أعداد، وبالأخص جمع عشرات، فالمئة هي عشر عشرات (7،8)؛ كما يقر به محمد عبد العزيز النجار حيث جاء:

” إذا كان التمييز لفظ “مائة” فإن لفظها مفرد، وإن كانت جمعًا في المعنى؛ لأنها عشر عشرات، وهو حد جمع القلة. {ضياء السالك إلى أوضح المسالك (4/ 103)}

 

وكل هذا يتوافق مع أسلوب حمل اللفظ على المعنى في اللغة العربية:

فقد جاء في كتاب الحمل على المعنى في العربية للدكتور علي عبد الله حسين العنكبي ما يلي عن وقوع المفرد بمعنى الجمع :

” وقوع المفرد بمعنى الجمع يجيئ كثيرا في الكلام نثرا وشعرا؛ لأن المفرد يدل على الجنس، وهو أصل للجمع. وإذا كان في الكلام ما يدل على أنه مراد به الجمع، جاز الإفراد؛ لان الغرض الدلالة على الجنس والواحد يحصل به المراد من ذلك. قال ابن جني: ووقوع الواحد موقع الجماعة فاش في اللغة. ”

وعن النكرة جاء في نفس الكتاب ما يلي:

“المفرد النكرة يؤدي معنى الجمع؛ لأن النكرة تفيد الجنس الذي يدل على القليل والكثير، كما أن الواحد يقع موقع الجمع؛ لأنه أصل له، ولعدم حصول اللبس في الكلام.”

وتابع الكاتب قائلا:

“قال أبو عبيدة (( والعرب تلفظ بلفظ الواحد والمعنى يقع على الجميع)).”

ومن أمثلة الحمل على المعنى في العدد والمعدود ما ذهب اليه الزمخشري في تفسيره للآية : {وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا } (الأَعراف 161) حيث حمل الجمع (أسباطا) على معنى المفرد ( قبيلة)، وفقا لما جاء في  توضيح المقاصد كما يلي: وأجاز بعضهم أن يميز بجمع صادق على الواحد منه، وجعل الزمخشري منه قوله تعالى: {وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا} 1. والمراد: وقطعناهم اثنتي عشرة قبيلة كل قبيلة أسباط لا سبط فأوقع أسباطا موقع قبيلة. {توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك (3/ 1327)}

فكما يمكن حمل مئة على معنى الجمع وأسباطا على معنى المفرد، كذلك يمكن حمل الكلمات سنة وساعة المفردة على معنى الجمع.

 

إنطباق هذه التوجيهات على عبارات المسيح الموعود عليه السلام:

إذن، هذه هي التوجيهات التي تنطبق على عبارات المسيح الموعود عليه السلام المعترَض عليها. فكيف تنطبق؟

أولا لا بد من التنويه إلى أن هذه الكلمات سنة، ساعة، وعدل ؛كلها أسماء جنس أو ما بمعناه، أو نكرات تفيد الجنس الذي يدل على القليل والكثير، فيمكن أن تحمل على معنى الجمع وفق التخريجات المذكورة أعلاه.

ويؤكد ذلك النحو الوافي في حديثه عن تمييز ادنى العدد بإضافته لكلمة مئة فيقول:

” قلنا: إن المراد بالمائة والألف هو جنسهما الشامل لمفردهما، ولمثناهما، ولجمعهما.. هذه الدلالة على الجمعية قد تكون بصيغة الجمع المباشر المتحقق في لفظهما؛ نحو: هذه مئو رجلا تقود أربعة آلاف جندي. وقد تكون “الجمعية” غير مباشرة؛ بأن تكون صيغة المائة: “مضافا إليه” يكتسب معنى الجمعية من “المضاف” بشرط أن يكون هذا المضاف ثلاثة، أو تسعة، أو عددا بينهما؛ نحو: قضى الرحالة ثلاثمائة يوم في الصحراء، قطع فيها تسعمائة ميل.

وقد تكون أيضا بوقوع المئة والألف تمييزا منصوبا مضافا، والعدد هو: “أحد عشر” أو غيره من الأعداد المركبة، نحو: في المكتبة أحد عشر مائة كتاب، واثنتا عشرة ألف مخطوطة. ومن الجائز في هذين النوعين الأخيرين اعتبار المائة والألف مفردين؛ اعتمادا على أن لفظهما الصريح مفرد، مجرد من علامة تثنية أو جمع، وأن اعتبارهما غير مفردين راجع للعدد المركب المذكور قبلهما، وهو لفظ مستقل عنهما، ولكنه احتاج إليهما ليكونا تمييزين له؛ فاعتبار المائة والألف راجع لمراعاتهما مع اسم العدد. ولن يترتب على الاعتبارين خلاف يمس تمييزهما مباشرة. وإنما الخلاف في توابع تمييزهما، كالنعت مثلا؛ أيكون مفردا تبعا للفظ تمييزهما المنعوت، أم جمعا تبعا لمعناه؟ الأمران جائزان في كل التوابع. ولكن الأحسن والأكثر هو مراعاة اللفظ؛ بأن يكون تابع تمييزهما مطابقا له في إفراده. ويسري الحكم السالف أيضا على تمييز العقود والأعداد المعطوفة كما سبق.” [النحو الوافي (4/ 533)]

ونفس ما جاء في النص أعلاه ينطبق على الكلمات سنة وساعة وعدل، فهي مفردة لفظا ولكنها المراد منها جنسها الشامل لمفردها ومثناها وجمعها ، فمن هذا المنطلق تعتبر اسم جنس، كما صرح بذلك ابن عقيل في نقل لاحق يخص كلمة سنة. فمع كون هذه الكلمات مفردة، إلا أن دلالتها على الجمع لكونها “مضافا إليه” اكتسبت معنى الجمعية من المضاف الذي سبقها وهي الأعداد ثلاثة إلى عشرة.

ويؤكد ما أوضحناه أعلاه ما جاء في كتاب ” الإنصاف في مسائل الخلالف بين النحويين الكوفيين والبصريين” حيث جاء:

” والثلاثة وما بعدها من العدد إلى العشرة يضاف إلى الجمع، لا إلى المفرد، فلا يقال: ثلاثة ثوب، ولا عشرة درهم” قلنا: إنما لا يضاف إلى ما كان مفردا لفظا ومعنى، وأما إذا كان مفردا لفظا ومجموعا معنى فإنه يجوز إضافتها إليه، ألا ترى أنه يجوز أن تقول: ثلاثة رَجْلَة -وإن كان مفردا لفظا- لأنه مجموع معنى، وكذلك قالوا: ثلاثة نَفَر، وثلاثة قَوْم، وتسعة رَهْطٍ، قال الله تعالى: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ} [النمل: 48] وأضيف العدد إلى هذه الأسماء -وإن كانت مفردة لفظا- لأنها مجموعة معنى، فكذلك ههنا: أشياء مفردة لفظا، مجموعة معنى كطَرْفَاء، وحَلْفَاء، وقصباء؛ فجاز أن يضاف اسم العدد إليها.” {الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين (2/ 675)}

 

كلمة (عدل) :

فأما بالنسبة لكلمة (عدْل) الواردة في الفقرة الأخيرة من الفقرات المعترض عليها، فهي مصدر واسم جنس أو بمنزلة اسم جنس؛  ويستوي فيه المفرد والجمع،  ويقع على القليل والكثير ؛حيث جاء في لسان العرب ما يلي:

“ويقال: رجل عَدْلٌ ورَجُلانِ عَدْلٌ ورِجالٌ عَدْلٌ وامرأَة عَدْلٌ ونِسْوةٌ عَدْلٌ، ….فهو لا يُثَنَّى ولا يجمع ولا يُؤَنَّث، فإِن رأَيته مجموعاً أَو مثنى أَو مؤَنثاً فعلى أَنه قد أُجْرِي مُجْرى الوصف الذي ليس بمصدر،..”

وعن المصدر جاء في كتاب اللمحة في شرح الملحة (1/ 348)

“والمصدر: اسمٌ مبهَم يقع على القليل والكثير، ولا يثنَّى، ولا يجمع؛ لأنَّه بمنزلة اسم الجنس، والجنس لا يثنَّى ولا يُجمع”؛

ويقول ابن جني عن المصدر ما يلي:

“وَلَا يجوز تَثْنِيَة الْمصدر وَلَا جمعه لِأَنَّهُ اسْم الْجِنْس وَيَقَع بِلَفْظِهِ على الْقَلِيل وَالْكثير فَجرى لذَلِك مجْرى المَاء وَالزَّيْت وَالتُّرَاب فان اخْتلفت أَنْوَاعه جَازَت تثنيته وَجمعه تَقول قُمْت قيامين وَقَعَدت قعودين” اللمع في العربية لابن جني (ص: 49)

وعن المصدر وإغنائه عن الجمع جاء في كتاب الحمل على المعنى في العربية ما يلي:

“المصدر يدل على الجنس فيقع على القليل والكثير؛ ولذلك يستغنى عن جمعه وتثنيته وتأنيثه …”

فـ (عدْل) مشابهة للكلمات (رِهْط)، (قَوْم)، (ذَوْد)، و(رَكْب) و(سَفْر) و(صَحْب)، وتندرج تحت نفس النوعية من أسماء الجمع أو اسماء الجنس التي تدل على الجمع، والتي جاء مثيلها في القرآن الكريم  كتمييز مفرد لهذه الأعداد 3-10 ، كما في الآية: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ} (النمل 49)، وقوله النبي صلى الله عليه وسلم: “ليس فيما دون خمس ذود صدقة”. وقد سبق وفصّلنا أن ما يدل على الجمع ممكن أن يكون تمييزا للأعداد 3-10 رغم عدم اعتبار لفظه جمعا وفق مصطلح النحاة.

وبذلك يمكن حملها وفق التوجيه الأول على اعتبارها اسم جنس بمعنى الجمع؛ ومن يريد أن يعتبرها صيغة مفرد فله أن يحملها على الجمع وفق التوجيه الثاني من حمل اللفظ المفرد على معنى الجمع. وبذلك تصح فقرة المسيح الموعود عليه السلام حيث قال: عشرة عَدْل من الرجال.

كلمة سنة:

فعن كلمة (سنة) يقول ابن عقيل في شرحه للألفية ما يلي:

“والسنون جمع سنة والسنة اسم جنس مؤنث .” {شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك (1/ 63)}

وكلمة (سنة) نظير كلمة (مئة) وهما تنتميان عند النحاة إلى نفس الباب من حيث الإفراد والجمع والإلحاق بجمع المذكر السالم

لذا فالمشابهة كبيرة بين الكلمات (سنة) و(مئة) من حيث الجمع والإفراد فنقول: سنة سنون وسنين وسنوات؛ ومئة ومئون ومئين ومئات . وحيث إن (مئة) لا تُجمع – في الغالب ويجوز جمعها أيضا- عند إضافة الأعداد 3-10 إليها، وهي من نفس باب (سنة) من حيث الإفراد والجمع وكونها اسم جنس مثلها ، فلا عجب أن تجري (سنة) مجراها عند إضافة الأعداد 3-10 إليها، فتُحمل (سنة) على معنى الجمع من منطلق حمل لفظ المفرد على معنى الجمع؛ لنقول: ستّ مئة وستّ سنة.

وهذا ما قد يندرج أيضا تحت باب آخر من الحمل على المعنى في اللغة ، وهو ما يعرف بحمل النظير على النظير للتشابه اللفظي أو المعنوي أو كليهما معا.

وعن هذا الباب جاء في كتاب الحمل على المعنى:

“حمل النظير على النظير للشبه اللفظي: وقد سماه ابن جني ( القياس اللفظي).. وقد ذكر ابن السراج هذا النوع من الحمل وقال:وكثيرا ما يعملون الشيء عمل الشيء إذا أشبهه في اللفظ وإن لم يكن مثله في المعنى..” {الحمل على المعنى 16-17}

ومن كل هذا يصح حمل  لفظ (سنة) المفرد على معنى الجمع  (سنوات) كما حملت (مئة)  على معنى (مئات)، وفق ما أقر به سيبويه حسب التوجيه الثاني. لتصح بذلك كل عبارات المسيح الموعود عليه السلام من ستّ سنة، ثلاث سنة، وما شابهها.

وإذا كانت كلمة مئة قد حُملت على معنى الجمع بإضافتها إلى هذه الأعداد من منطلق كونها عشر عشرات، كما جاء في ضياء السالك؛ أفلا يجوز حمل كلمة سنة على معنى الجمع من نفس هذا المنظار لكونها إثني عشرة شهرا، أو لكونها أربعة فصول؟ فالمشابهة واضحة والإمكانية واردة.

كلمة ساعة:

كلمة ساعة هي الأخرى اسم جنس يقع على القليل والكثير، فهي تعني الساعة الواحدة وكذلك تعني فترة زمنية لجمع من الساعات. إذ نقول ساعة عصيبة أي فترة زمنية عصيبة قد تطول وقد تقصر؛ كما نقول قامت الساعة؛ ويقول الله تعالى في كتابه العزيز: { بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ (47)} (القمر 47)، إذن فهي وفق مذهب الفارسي فهي اسم جنس يقع على القليل والكثير مثل كلمة: كلمة، صلاة، ليل، حسنة. (6)

فهي من هذا المنطلق تندرج تحت التوجيه الأول لمماثلتها بأسماء الجنس التي بمعنى الجمع ويجوز إضافتها إلى الأعداد ثلاثة إلى عشرة لأنها تدل على الجمع، خاصة القليل منه.

كما أنها ممكن أن تُحمل على معنى الجمع وفق التوجيه الثاني من الحمل على المعنى، فإذا كانت كلمة مئة قد حملت على معنى الجمع (مئات) فمن باب أولى أن تُحمل كلمة ساعة على (ساعات) لأنها تقع بهذا المعنى أحيانا في اللغة مثلما بيّنا أعلاه.

كذلك إذا كانت كلمة مئة قد حُملت على معنى الجمع لأنها (عشر عشرات)، كما بيّنا أعلاه؛ فمن الممكن أن تُحمل ساعة على معنى الجمع لأنها (ستّ عشرات).

وبهذا ووفق التوجيه الثاني من حَمل لفظ المفرد على معنى الجمع، يجوز حمل (ساعة )على معنى الجمع وإضافتها بلفظ المفرد إلى الأعداد ثلاثة إلى عشرة. لتصح بذلك عبارة المسيح الموعود عليه السلام حيث قال: ((ثلاث ساعة))

النتيجة والتلخيص:

ثبتت صحة الفقرات المعترض عليها من كلام المسيح الموعود في تمييزه للأعداد ثلاثة إلى عشرة بلفظ المفرد: سنة، ساعة، عدل؛ وذلك وفق مبدأ حمل لفظ المفرد على معنى الجمع ، والمبدأ النحوي الذي يجيز هذا التمييز بالمفرد الذي يدل  وينوب عن الجمع من أسماء الجنس وأسماء الجمع، مثل: رهط وقوم ونحل وبقر وشجر.

فكلمة عدل: هي مصدر في معنى الجنس أو اسم جنس يقع على القليل والكثير ويدل على الجمع، فيقال: هو عدل وهما عدل وهم عدل. فـ (عدْل) مشابهة للكلمات (رِهْط)، (قَوْم)، (ذَوْد)، و(رَكْب) و(سَفْر) و(صَحْب)، وتندرج تحت نفس النوعية من أسماء الجمع أو اسماء الجنس التي تدل على الجمع ويجوز إضافتها للأعداد ثلاثة إلى عشرة. فيجوز القول: ثلاثة عدل.

وأما كلمة سنة: فهي شبيهة ونظير كلمة (مائة) التي تضاف بالمفرد للأعداد ثلاثة إلى عشرة؛ فنقول ثلاث مائة وأربع مائة. وقد أضيفت (مائة) بالمفرد إلى هذه الأعداد لحملها على معنى الجمع (مئات) أو لأنها جمع عشرات أي عشر عشرات.

وهكذا كلمة (سنة) التي يمكن أن تُحمل على معنى الجمع وفق مبدأ “حمل اللفظ المفرد على معنى الجمع” أو بقياسها على كلمة (مائة) من منطلق “حمل النظير على النظير”؛ فيمكن أن تُحمل على معنى  الجمع (سنين) أو على أنها جمع  أربع فصول أو اثني عشرة شهرا. فيجوز القول: ثلاث سنة.

وأما كلمة ساعة: فهي تستعمل في اللغة للدلالة على القليل والكثير أيضا، فهي الساعة المعروفة والمحدودة، وهي فترة زمنية غير محددة فقد تكون جمع ساعات، إذ نقول ساعة عصيبة، أو قامت الساعة .

فهي شبيهة بأسماء الجنس والجمع التي تقع على القليل والكثير ويجوز إضافتها إلى الأعداد ثلاثة إلى عشرة. كما أنها ممكن أن تُحمل على معنى الجمع (ساعات) ككلمة مائة حيث تحمل على مئات. هذا وقد تُحمل على معنى الجمع على أنها ست عشرات مماثلة بكلمة مائة التي حملت على الجمع لكونها عشر عشرات. فيجوز القول:ثلاث ساعة.

وثبت بذلك من جديد أن لا خطأ ولا عجمة في كل هذه العبارات من كلام المسيح الموعود عليه السلام، ولكنها تطييع للغة ممن يمتلك ناصيتها بتعليم الله عزّ وجل الإعجازي.

(يُنظر كذلك مظاهر الإعجاز 298 حيث إكمال البحث)