ورد في كتاب التبليغ للمسيح الموعود عليه السلام الفقرة التالية:

وإني أرى المصّدقين أنهم يزيدون، وأرى المكذبين أنهم ينقصون ( التبليغ)

وقد اعترض البعض على ما جاء فيها من جمل اسمية ” أنهم يزيدون” و “ أنهم ينقصون“، بحجة أن الفعل رأى/ أرى ينصب مفعولين أصلهما مبتدأ وخبر، ووفق ظنهم لا بد للجملة أن تكون بالصيغة التالية: وإني أرى المصّدقين يزيدون، وأرى المكذبين ينقصون.

غير أن هذا الاعتراض ينبع من جهل المعترضين بأحكام أفعال القلوب، مثل “رأى وظن” والتي تنصب مفعولين، حيث أن لها أحكاما تنفرد بها عن غيرها. ومن أهم هذه الأحكام هو حكم مشترك لها جميعها وهو تنوع مفعولها الثاني، بمعنى أن المفعول الثاني لها من الممكن أن يكون اسما مفردا أو جملة اسمية أو جملة فعلية أو شبه جملة من الجار والمجرور أو الظرف. ويكفي لإثبات ذلك أن نورد ما جاء في كتاب النحو الوافي في هذا الصدد من حكم وأمثلة عليه.

جاء في كتاب النحو الوافي (2/ 24)

ما تنفرد به الأفعال القلبية الناسخة، هي وما يعمل عملها:

تنفرد النواسخ القلبية بخمسة أحكام، منها حكم واحد مشترك بينها جميعاً، سواء أكانت متصرفة أم جامدة، وهذا الحكم

هو: تنوّع مفعولها الثاني. أما الأحكام الأربعة الأخرى فمقصورة على النواسخ القلبية المتصرفة، دون الجامدة، وسيجيء لهذه الأربعة بحث مستقل.

فأما تنوع المفعول الثاني الذي أشرنا إليه فلأنه إليه فلأنه خبر في الأصل، فهو ينقسم إلى مثل ما ينقسم إليه الخبر؛ من مفرد ، وجملة، وشبه جملة؛ فليس من اللازم في المفعول الثاني أن يكون مفرداً، وإنما اللازم أن يكون الناسخ قلبيّاً متصرفاً أو غير متصرف ؛ كما في الأمثلة الآتية، ومن المهم التنبه لإعراب كل قسم، ولا سيما الجملة وشبهها.

علمت الرياءَ داءً وبيلا (داءً/ مفرد/ مفعول ثان منصوب)

أرى الفضلَ يعرف أهله ( (يعرف×/ جملة فعلية فعل مضارع، فاعله ضمير مستتر تقديره:هو والجملة في محل نصب تسد مسد المفعول الثاني.)

ألفيت الإذاعة هي المنبرُ العام.( هي المنبر/جملة اسمية./هي: مبتدأ مبني على الفتح في محل رفع المنبر خبره، الجملة في محل نصب تسد مسد المفعول الثاني)

إخالُ سلطانَ الضمير هو السلطان لأكبر (هو السلطان/ جملة اسمية/ هو: مبتدأ مبني على الفتح في محل رفع والسلطان خبره. الجملة في محل نصب تسد مسد المفعول الثاني)

دَرَيت الصديقَ عند الشدة. ( عند/ ظرف منصوب/ متعلق بمحذوف هو المفعول الثاني، أو الظرف نفسه سد مسد المفعول الثاني )

أحسب الخيرَ في مجانبة أهل السوء ( في مجانبة/ جار مع مجروره./ متعلق بمحذوف هو المفعول الثاني، أوالجار مع مجروره سد مسد المفعول الثاني )” {(إ.هـ) النحو الوافي (2/ 24)}

وفي الحقيقة ما ورد في فقرة المسيح الموعود عليه السلام الآنفة الذكر، يندرج تحت هذا الحكم الذي تنفرد به أفعال القلوب في تنوع مفعولها الثاني . فالجمل “ أنهم يزيدون” و” أنهم ينقصون” هي جمل اسمية سدت مسد المفعول الثاني للفعل القلبي أرى. وقد جاء بها المسيح الموعود مصدرة بـ “أنّ” لإفادة التوكيد فيها.

وبذلك يبطل الاعتراض من أساسه، ليتبين من ورائه إعجاز آخر من مظاهر الإعجاز اللغوي عند المسيح الموعود عليه السلام. هذا الإعجاز هو “تنوع المفعول الثاني في أفعال القلوب” ليكون نكتة أخرى من النكات الادبية ولغة أخرى من اللغات العربية التي علمها الله تعالى للمسيح الموعود عليه السلام، جاءت مصداقا لمعجزته في تعلم أربعين ألفا من اللغات العربية في ليلة واحدة، وشهادة على صدقه عليه السلام وصدق دعوته ونبوّته.