المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود ع العربية ..50

سلسلة مقالات الـ” ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت في ما ظُن أنه رفع خبر كان..

نكتة رفع خبر كان وأخواتها ..3

حذف المبتدأ وإبقاء الخبر مرفوعا

الاعتراض:

زُعم أن المسيح الموعود عليه السلام قد أخطأ في العديد من المواضع برفع خبر كان وأخواتها، وحقه أن ينتصب؛ كما هو وارد في الفقرات والعبارات التالية بين الأقواس المزدوجة:

  1. وقد علمتم يا معشر الأعزة، أن مالِك الذي كان ((أحد )) من الأئمّة الأجلّة (مكتوب أحمد)
  2. فالآية تدل على أنه علم للساعة من وجه كان ((حاصل)) له بالفعل (حمامة البشرى).
  3. دقّت المباحث الدينية في هذا الزمان، وصارت معضلاتها ((شيء)) لا تفتح أبوابها من دون الرحمان (الهدى والتبصرة)
  4. وكان هذا ((وعد)) من الله في التوراة والإنجيل والقرآن (الخطبة الإلهامية).
  5. وكان هذا ((وعد )) من الله القهار (سر الخلافة).
  6. كان هذا ((يومٌ)) بعدَ يوم العيد (نجم الهدى).
  7. وكان ذلك ((وعدٌ)) من الله المنّان (لجة النور).
  8. وكان وقتي هذا ((وقت ))كانت العيون فيها مُدّتْ إلى السماوات مِن شدّة الكربة (نجم الهدى).
  9. فإن الله الذي هو قيّوم الأشياء، وبه بقاء الأرض والسماء، كيف يمكن أن يكون ((أحدٌ)) من الموجودات. (مكتوب أحمد).
  10. إن الصدّيق والفاروق كانا ((أميرا)) ركبٍ علوا لله قُننًا عُلى ودعوا إلى الحق أهل الحضارة والفلا (سر الخلافة)
  11. هذا ما أُشيرَ إليه في الفاتحة، وما كان ((حديث)) يُفترى (الخطبة الإلهامية)
  12. وكان الميّت حيّاً ما دام عيسى ((قائم)) عليه أو قاعداً (حمامة البشرى)
  13. وكانوا عند الحرب لمواضعهم ((ملازمون)). (نجم الهدى).

الردّ:

التوجيه الثاني لهذه اللغة: على حذف المبتدأ وإبقاء خبره مرفوعا.

أحد التوجيهات لمثل هذه اللغة الواردة في الفقرات أعلاه، هو أن تكون الكلمات المرفوعة بين الأقواس المزدوجة أخبارا لمبتدا محذوف في الجملة.

وقد أكّد هذا التخريج والتوجيه العلامة أحمد شاكر في توجيهه للعبارة المشابهة في رسالة الشافعي في هامش نفس الصفحة التي وردت فيها العبارة، وهي:

فكان ما سَمَّى حَلالاً ((حَلالٌ))، وما سمى حراماً ((حرامٌ))، {الرسالة للشافعي (1/ 202)}

حيث قال أحمد شاكر بصريح العبارة: ” وآخر (يقصد توجيها آخر):أن يكون قوله(حلالٌ) خبرا لمبتدأ محذوف، والجملة خبر (كان)” {الرسالة للشافعي (1/ 202)}

وبناء عليه من الممكن أن يكون التقدير :

فكان ما سَمَّى حَلالاً ( أكلُه/ هو) حَلالٌ، وما سمى حراماً (أكلُه/ هو) حرامٌ.

ليكون الإعراب: (أكلُه/ هو) مبتدأ . حلالٌ و حرامٌ: خبر المبتدأ مرفوع . والجملة من المبتدأ والخبر في محل نصب خبر كان.

وتحت هذا التخريج والتوجيه تندرج العبارات التالية من كلام المسيح الموعود عليه السلام.

3- دقّت المباحث الدينية في هذا الزمان، وصارت معضلاتها ((شيءٌ)) لا تفتح أبوابها من دون الرحمان {الهدى والتبصرة}. بتقدير : صارت معضلاتها (قضيتُها/ هي) شيئٌ..

4- وكان هذا ((وعدٌ)) من الله في التوراة والإنجيل والقرآن {الخطبة الإلهامية}. بتقدير: وكان هذا (هو/ حقيقتُه) وعدٌ..

5- وكان هذا ((وعدٌ)) من الله القهار {سر الخلافة}. بتقدير: وكان هذا (هو/ حقيقتُه) وعدٌ..

6- كان هذا ((يومٌ)) بعدَ يوم العيد {نجم الهدى}. بتقدير: كان هذا (هو/ حقيقتُه) يومٌ..

7- وكان ذلك ((وعدٌ)) من الله المنّان {لجة النور}. بتقدير: وكان ذلك (هو/ حقيقتُه) وعدٌ..

8- وكان وقتي هذا ((وقتٌ))كانت العيون فيها مُدّتْ إلى السماوات مِن شدّة الكربة {نجم الهدى}. بتقدير: وكان وقتي هذا (هو/ حقيقتُه) وقتٌ..

10- إن الصدّيق والفاروق كانا ((أميرا)) ركبٍ علوا لله قُننًا عُلى ودعوا إلى الحق أهل الحضارة والفلا {سر الخلافة} . بتقدير: إن الصديق والفاروق كانا (هما/ شأنهما) أميرا ركبٍ..

12- وكان الميّت حيّاً ما دام عيسى ((قائم)) عليه أو قاعداً {حمامة البشرى}. بتقدير : ما دام عيسى (هو/حالُه) قائمٌ..

13- وكانوا عند الحرب لمواضعهم ((ملازمون)). {نجم الهدى}. بتقدير: وكانوا (هم/حالُهم/ شأنُهم ) لمواضعهم ملازمون.

لتكون بناء على ذلك الأسماء المقدرة بين الأقواس الأحادية () هي المبتدأ، والأسماء المرفوعة بين الأقواس المزدوجة (()) أخبارا لها، والجمل المكونة من المبتدأ والخبر في محل نصب خبر كان وأخواتها.

لا بدّ لي من الملاحظة أيضا هنا، أنه من الممكن أن يعتَرض البعض على مثل هذه التقديرات التي ذهبتُ إليها، بالقول أن ضمائر الرفع التي قدّر حذفها (هو/ هي/ هما/ هم) قد تُعتبر توكيدا للضمائر المتصلة حيث وجدت، أو ضمائر فصل وعماد لا محل لها من الإعراب. فأردّ وأقول: هذا صحيح، ولكن رغم ذلك يجوز اعتبارها مبتدأ عاملا مرفوعا وفق ما أقرّ به النحو الوافي في تمثيله لإعراب ضمير الفصل حيث جاء فيه:

لكن هناك حالة واحدة يكون فيها ( ضمير الفصل) اسمًا، ويجب إعرابه وتسميته فيها: ضمير الفصل؛ وهى نحو: “كان السَّباقُ هو عليّ” “برفع كلمة: السبَّاق، وكلمة: عليّ”.

لا مفر من اعتبار: “هو” ضميرًا مبتدأ مبنيًّا على الفتح في محل رفع وخبره كلمة: “عَليٌّ” المرفوعة، والجملة من المبتدأ والخبر في محل نصب خبر: “كان”. وبغير هذا الاعتبار لا نجد خبرًا منصوبًا لكان. ومثل هذا يقال في كل جملة أخرى لا يمكن أن يتصل فيها الاسم الثاني بالأول بصلة إعرابية إلا من طريق اعتبار الفاصل بينهما ضميرًا مبتدأ على نحو ما تقدم أو غيره.” {النحو الوافي (1/ 248)}

ثم مثل لذلك بمثال وقال:

“3- “كنت أنت المخلصَ”. إذا توسط ضمير الفصل بين اسمين، السابق منهما ضمير متصل مرفوع، والمتأخر اسم منصوب -جاز في ضمير الفصل أن يكون اسمًا لا محل له من الإعراب، كالحرف أو هو حرف، وما بعده يعرب على حسب حاجة ما قبله، فهو هنا منصوب خبر كان. وجاز في ضمير الفصل أن يكون توكيدًا لفظيًّا للتاء “لأن الضمير المنفصل المرفوع يؤكد كل ضمير متصل كما سبق” وتكون كلمة: “المخلص” خبرًا لكان منصوبًا.

4- إذا كانت كلمة “المخلص” فى المثال السابق مرفوعة وليست منصوبة وجب فى ضمير الفصل أن يكون مبتدأ خبره كلمة: “المخلص”، والجملة منهما فى محل نصب خبر “كان”. ومثل هذا يقال فى كل ما يشبه الفروع السابقة.” {النحو الوافي (1/ 249- 250)}

وبهذا تكون قد ثبتت وفق هذا التوجيه الثاني العديد من الفقرات المعترَض عليها في هذا الشأن من كلام المسيح الموعود عليه السلام، وظُن أنّ خبر كان قد ارتفع خطأ فيها. إذ ليست هذه أخبارَ (كان)، بل أخبار مبتدأ محذوف والجملة منهما في محل نصب خبر (كان).

وبهذا تتجلى لغة جديدة من لغات المسيح الموعود عليه السلام، والمعروفة برفع خبر لمبتدأ محذوف، وهي لغة فصيحة بليغة فاشية في القرآن الكريم والشعر والنثر. لتكون هي الأخرى تجلٍّ آخر لمعجزة المسيح الموعود عليه السلام كواحدة من أربعين ألف لغة عربية عَلمها الله تعالى لمسيح الزمان بوحيه الرباني وإعجازه الخاص.