بسم الله الرحمن الرحيم

{بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} (الأنبياء 19)

الردّ على الاعتراضات بوجود أخطاء لغوية في كتابات سيدنا أحمد عليه السلام

الحلقة الاولى

ملخص الحلقة:

هذه هي الحلقة الأولى التي نردّ من خلالها على الاعتراضات بوجود أخطاء لغوية في كتابات سيدنا أحمد عليه السّلام. نبيّن فيها أن هذه الأخطاء مرجعها إما للسّهو أو العجالة في التأليف، أو الأخطاء المطبعية، هذا ناهيك عن أن بعضا منها ليس أخطاء بالفعل، وإنما يندرج تحت قواعد لغوية يجهلها المعترضون، وقد تكون هذه القواعد اللّغوية غير دارجة اليوم. كما ونبيّن في هذه الحلقة ردّ المسيح الموعود على هذه الاعتراضات، ونركّز على الأخطاء المزعومة المتعلقة برفع “اسم إن”.

الحلقة كاملة :

هذه الاعتراضات هي من بين الاعتراضات القديمة التي أثيرت ولا تزال تُثار ضد سيدنا أحمد عليه السلام، هو أن كتاباته العربية فيها أخطاء لغوية متعلقة بالصرف والنحو.

وملخص هذه الاعتراضات أنها تندرج تحت الحالات التالية: رفع اسم أن، أو في مسألة التذكير والتأنيث والخلط بينها، ثبوت الياء في الاسم المنقوص النكرة في حالات الرفع والجر، أو إلزام المثنى الألف في حالات الإعراب الثلاث، أو سقوط بعض الأحرف من الكلمة أو استبدالها بأحرف أخرى، أو استبدال بعض أحرف الجر ببعضها البعض. ويعزو المعارضون كل هذه الأخطاء إلى عدم تمرّس حضرته عليه السلام باللغة العربية وإلى العجمة في كلامه.

وقد رد حضرته عليه السلام على مثل هذه الاعتراضات حيث إنها قديمة جدا، ألقى بها معارضو الجماعة منذ وقت حضرته عليه السلام فقال ردا عليهم:

ان كتبى مبرّءة ممّا زعمت، ومُنزّهة عما ظننت، إلاّ سهو الكاتبين، أو زيغ القلم بتغافل مِنّى لا كجهل الجَاهِلين، فان قدرت أن تثبت فيها عثارا فخذ مِنّى بحذاء كل لفظ غلط دينارا، واجمع صريفاً (1) ونُضاراً (2)، وكن من المتمولين.

إذن، فحضرته عليه السلام لا ينكر وجود مثل هذه الأخطاء إلا أنه يقول أنها بسبب السهو من الكاتب، أو أنه هو عليه السلام قد غفل مثل هذه الأخطاء ولم يتنبه إليها، وإلا فهذا لا ينمّ عن عدم معرفته بالصيَغ الصحيحة لها.وأما قول المعترضين بأن التغافل يعني تعمد الغفلة، نقول لهم إنه قد يكون قصده عليه السلام من التغافل هو تعمد السرعة في الكتابة والتأليف مثلا، ولا مكان للاعتراض على قول حضرته هذا بأنه تعمدٌ للخطأ مثلا.

وفي موضع آخر رد المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام بنفسه على شبهة الأخطاء النحوية التي تثار ضده وضد كتاباته، بأن الأخطاء هذه لو وُجدت أيضاً على فرض ذلك، لما كان لها أدنى أهمية إن وردت على النحو الصحيح والمعروف في كتب ومقالات وقصائد المؤلف الأخرى، فيقول عَلَيهِ السَلام:

إن معظم العائبين المستعجلين، وبالأخص الشيخ محمد حسين البطالوي، الذين لا يتصفحون كُتبنا العربية إلا بحثاً عن الأخطاء فيها، يعُدّون -بسبب ظلمة التعصب فيهم- سهوَ الناسخ أيضاً ضمن قائمة الأغلاط. ولكن الحق أنه لا يمكن أن يُعزى إلينا من الأغلاط الصرفية والنحوية إلا ما لم يرِد صحيحهُ في موضع آخر من كتبنا. أما إذا وردت كلمة أو تعبير ما في مكان ما خطأً على طريق الصدفة بينما تكون تلك الكلمة نفسها قد وردت في عشرات الأماكن الأخرى بصورتها الصحيحة.. فلا مناص لهم -لو كان فيهم شيء من الإيمان والإنصاف- إلا أن يعزوا ذلك الخطأ إلى سهو الناسخ بدلاً من أن يعتبروه غلطاً منا. ولو أنهم أخذوا بعين الاعتبار العجلةَ التي ألّفنا فيها هذه الكتب لاعترفوا باقترافهم ظلماً عظيماً، ولعدُّوها تأليفاتٍ خارقةً للعادة. الحق إن القرآن الكريم وحده منـزَّهٌ من السهو والخطأ، وأما البشر فلم يسلم كلام أحد منهم من هذا العيب، حتى إن السيد البطالوي نفسه يعترف بأن الناس استخرجوا أغلاطاً حتى من شعر امرئ القيس وكلام الحريري. فهل يمكن لهذا الذي عثر صدفةً على خطأٍ للحريري أو امرئ القيس أن يُعَدّ بمكانتهما؟” (نقلاً عن الطبعة المعروفة بـ”الخزائن الروحانية” مجلد ٧ المقدمة ص ٧-٢٢ عام ١٩٥٩م مع شيء من التصرف لدى الترجمة)

فالمعارضون يأتون لنا بقائمة بعدد من هذه الأخطاء ولنَقُل مئة خطأ، فهل نترك مئات الآلاف من العبارات الفصيحة والإعجازية ونلتفت إلى هذه العيّنة البالية وعديمة القيمة من الأخطاء التي كثيرا ما تندرج تحت السهو وخطأ الطباعة والنقل والكتابة، هذا إذا لم تكن تندرج تحت قواعد لغوية لا يَعيها المعارضون أصلا.

نبدأ الآن بعرض هذه الاعتراضات وأمثلة عليها ونورد بعدها الرد عليها:

الاعتراض الأول:

يقول المعترض أن من الأخطاء اللُّغوية عند سيدنا أحمد عليه السلام ما يلي:

1 ـ ألا تعلمون أن ( هذان ) نقيضان فكيف يجتمعان في وقت واحد أيها الغافلون . ( التبليغ )

ويقول أنها يجب أن تكون ( هذين ) على اعتبار أنها اسم أنّ منصوب.

2 ـ إن في هذا الاعتقاد ( مصيبتان عظيمتان ) ( التبليغ)

ويقول أنها يجب أن تكون ( مصيبتين عظيمتين ) لكونها اسم أن فيجب ان تكون منصوبة.

الردّ:

يكفي أن نقول ردا على هذا الاعتراض إن قول سيدنا أحمد عليه السلام في الجملتين المذكورتين:

1 ـ ألا تعلمون أن ( هذان ) نقيضان

2 ـ إن في هذا ( مصيبتان عظيمتان )

مثيله في القرآن الكريم الآية التالية: “ إنْ هذان لساحران” وقد جاءت في قراءات أخرى” إنّ هذان لساحران” فتقديم هذا الاعتراض إنما هو تعريض بقول الله تعالى هذا. فهل لقواعد الصرف والنحو مرجع أفضل من القرآن الكريم.

وكون هذه العبارات لسيدنا أحمد عليه السلام لا تتماشى مع قواعد اللغة المتعارف عليها اليوم، بل من ناحية أخرى تتماشى مع كتاب الله تعالى، نقول للمعارضين ما قاله سيدنا أحمد عليه السلام في هذا الصدد:

لم يفرض الله علينا ولا رسولُه أن نتخذ قواعد الصرف والنحو التي اخترعها الناس مرشدا لأنفسنا وأن لا نتخلى عن قاعدة الصرف والنحو وإن كُشفت علينا معاني آية بالتمام والكمال ووُجدت عليها شهادة كبار أهل اللغة المؤمنين أيضا. ما حاجتنا إلى الالتزام بهذه البدعة. ألا يكفينا أن يكشف الله ورسوله وأصحابه علينا معنى صحيحا؟ بل الحق أن قواعد الصرف والنحو اطِّرادٌ بعد الوقوع. ليس مذهبي أن هؤلاء الناس ( يقصد علماء اللغة الذين قاموا بتقعيدها) معصومون من الخطأ تماما في اختراعهم القواعد، وأن نظرهم وصل إلى أساليب كلام الله الدقيقة والعميقة لدرجة أُغلق بعدها باب البحث والتحرِّي كليا. أعلم أنك أيضا لن تعُدّهم معصومين من الخطأ.

أي أن قواعد اللغة الموجودة بين أيدينا ليست بالضرورة قطعية ونهائية، وإذا كانت مخالفة لآية قرآنية فهذا لا يقول أن نتمسك بالقاعدة ونخطّئ القرآن الكريم.

… إن الالتزام بقواعد الصرف والنحو المخترعة ليس من الحجج الشرعية. بل إن هذا العلم إنما هو من اطراد بعد الوقوع، ولا يوجد دليل شرعي على عصمة هؤلاء الناس. إن خواص علم اللغة كبحر لا شاطئ له….. . يجب أن يكون مقتضى إيماننا ألا نجعل القرآن الكريم تابعا لهذه القواعد بحال من الأحوال، بل ينبغي أن نعدّل قواعد النحو القديمة والناقصة كلما تنكشف خواص كلمات القرآن الكريم واسعة المفاهيم.

اي هذه القواعد يجب أن تخضع للقرآن الكريم وليس العكس بصحيح.

…. إن علماء الصرف والنحو يقولون أيضا بأن جزءا كبيرا من الألفاظ التي تخالف القياس وتخالف الترتيب أيضا موجود على الرغم من تدوين القواعد. ولا يزال عدد مثل هذه الألفاظ التي لا تخضع إلى الآن لأية قاعدة غير معلوم.

….فلتعلم أنني لا أعتنق مذهبا بأن قواعد الصرف والنحو الحالية بريئة من الخطأ أو هي كاملة وتامة من كل الوجوه. ( مناظرة دلهي)

وهذا بالضبط ما ينطبق على تعابير حضرته المعترَض عليها في هذا الاعتراض، فهي إن لم تكن تخضع للقاعدة النحوية المعروفة بنصب اسم إنّ، إلا أنها تتماشى مع القرآن الكريم في قواعد نحوية أخرى غير التي هي دارجة ومتبعة اليوم واعتمدها علماء اللغة في تقعيداتهم لقواعد اللغة العربية.

فاقوال حضرته آنفة الذكر صحيحة تماما، تبعاً لقواعد اللغة العربية التي رُويت عن أربابها من العرب، حيث إن هذين المثالين من قبيل إلزام المثنى الألف دائما. جاء في كتاب جامع الدروس العربية للشيخ مصطفى الغلاييني:

ومن العرب من يُلزمُ المثنى الألف، رفعاً ونصباً وجراً، وهم بنو الحارث ابن كعب، وخثعم، وزبيدُ وكنانة وآخرون، فيقولون “جاء الرجلان، ورأيت الرجلان، ومررت بالرجلان”. وعليه قول الشاعر [من الطويل]

تَزَوَّدَ منا بَينَ أُذْناهُ طَعنةً … دَعته إلى هابي التراب، عقيمُ. وقولُ الآخر [من الرجز]

إنَّ أباها وأَبا أَباها … قد بلغا في المجد غايتاها

وحملوا على هذه اللغة قراءة من قرأَ {إنَّ هذانِ لساحرانِ} بتشديد “إنَّ”. وقرئ “إنْ هذان”، بتخفيفها، “وإنَّ هذين” بتشديدها ونصب هذين بالياء.

وحسب كلام المعترض كان ينبغي للآية أن تكون ( إن هذين لساحران ، وكان ينبغي أن يكون بيت الشعر هكذا :

إن أباها وأبا أبيها قد بلغا في المجد غايتيها

ولكن هذا لم يحدث ، وتم تداول البيت على ما أوردناه ، ولم يدَّعِ أحد على مر التاريخ أن البيت يحوي أخطاءً لغوية فاحشة

وعلى ذلك فرسم الكلمات على ما ورد في الكتاب صحيح ، والمعترض هو الذي يقع عليه الاعتراض ، ومردودٌ عليه ، وهو متهم بالتضليل.

بحث وتحقيق: الأستاذ حلمي مرمر.

مشاركة في البحث: د. أيمن عودة