المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود ع العربية ..110

فنون التذكير والتأنيث الإعجازية 10

سرّ تأنيث كلمة “الكَلِم” .. 2

التوجيه الثاني لتأنيث “الكلم” بالحمل على معنى الجماعة

الاعتراض: تأنيث كلمة “الكَلِم”

أورد المعارضون ما يقارب الثلاثين فقرة من كتابات المسيح الموعود عليه السلام والتي فيها أنث كلمة “الكَلِم” مدّعين أن هذا كله خطأ ومعارض للقرآن الكريم، لأن هذه الكلمة في الحقيقة – على حدّ زعمهم- مذكرة في اللغة العربية، وهكذا جاءت في القرآن الكريم ويجب أن تُعامل دائما على أنها مذكر.

وقالوا إن السبب في تأنيث حضرته عليه السلام لهذه الكلمة لهو تأثره باللغة الأردية والعجمة التي تغلب عليه.

الردّ:

لقد أثبتنا في المقال السابق أن كلمة “الكلِم” تندرج تحت أسماء الجنس الجمعية، وهي التي يُفرق بينها وبين مفردها بالتاء مثل: بقر/بقرة، شجر/شجرة، كلم/كلمة؛ وأثبتنا أن هذا النوع من الأسماء وارد عن العرب بالتذكير والتأنيث على حدّ سواء؛ أي أن فيه لغتان،لغة التذكير ولغة التأنيث، كما أنها وردت هكذا في القرآن الكريم على اللغتين كما في الآيات: “أعجاز نخل خاوية” و “وأعجاز نخل منقعر”. وقد أكّد كل هذا العديد من النحاة بوجود اللغتين في التذكير والتأنيث لأسماء الجنس الجمعية حملا على اللفظ.

إلا أنه وبغض النظر عن وجود اللغتين في التذكير والتأنيث لهذه الأسماء، ونظرا لاختلاف النحاة في هذه المسألة، سنغض الطرف عن هذا التخريج وهذه الإمكانية نزولا عند رغبة المعارضين الذين لا يعترفون أو لا يعرفون إمكانية تأنيث هذه الألفاظ وجواز لغتي التذكير والتأنيث فيها.

لنقول، إن لم يكن في أسماء الجنس الجمعية لغتان في التذكير والتأنيث حملا على اللفظ، فإن العديد من النحاة يقرّون بجواز تأنيثها حملا على المعنى، فهي تُحمل على معنى “الجماعة” في التأنيث، ولذا جاز تذكيرها وتأنيثها عند أغلب النحاة.

وفي هذا يقول النحو الوافي ما يلي:

هذا النوع الذي يفرَّق بينه وبين واحده بالتاء المربوطة إذا وُصف -وكذلك إن أخبر عنه، أو عاد عليه ضمير، أو إشارة- جاز في صفته: إما الإفراد مع التذكير على اعتبار: “اللفظ” لأنه جنس، أو مع “التأنيث” على تأويل معنى الجماعة، نحو قوله تعالى: {أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} ، وقوله: {أَعْجَازُ نَخْلٍ منقعر} وإما جمع الصفة جمع تكسير أو جمع مؤنث سالم؛ نحو قوله تعالى: {وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ} ، وقوله: {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ} … ومثل الصفة الخبر، والإشارة إليه، والضمير العائد عليه -كما أسلفنا.” {النحو الوافي (4/ 544)}

وقد سبق وذكرنا جواز تذكير وتأنيث جموع التكسير عند النحاة، وجواز تذكير وتانيث كل الجموع وفق المدرسة الكوفية حملا على معنى الجمع في التذكير والجماعة في التأنيث (ينظر: مظاهر الإعجاز 89 على الرابط فنون التذكير والتأنيث الإعجازية ..3 ) وهذا بحد ذاته ينطبق على كل ما هو في معنى الجمع مثل أسماء الجمع (وهي التي تدل على الجمع ولا مفرد من لفظها مثل: نسوة، قوم)، وكذلك أسماء الجنس الجمعية ( وهي التي تدل على الجمع ويفرق بينها وبين مفردها بالتاء مثل:شجر/شجرة، كلم/كلمة) ويؤكد ذلك النحو الوافي في حديثة عن تأنيث وتذكير العامل (الفعل) للفاعل إذا كان من صنف هذه الأسماء والجموع فيقول:

وكذلك إن كان الفاعل ظاهرًا ولكنه جمع تكسير للإناث، أو الذكور فيصح تأنيث العامل، وعدم تأنيثه؛ … فالتأنيث على قصد تأويل الفاعل بالجماعة، أو الفئة، وعدم التأنيث على قصد تأويله بالجمع أو الفريق..

ويجري على اسم الجمع واسم الجنس الجمعي المعرب، ما يجري على جمع التكسير؛ نحو: قالت طائفة لا تسالموا العدو، ونحو: شربت البقر … ويجوز: “قال، وشرب” {النحو الوافي (2/ 81- 80)}

كما أن هذا ينطبق على الضمير العائد على هذه الأسماء كما يؤكده النحو الوافي بقوله:

إذا كان الفاعل جمعًا يجوز في عامله التذكير والتأنيث “كجمع التكسير”، فإن الضمير العائد على ذلك الفاعل يجوز فيه أيضًا التذكير والتأنيث؛ نحو: قامت الرجال كلهم -أو قام الرجال كلها، والأحسن لدى البلغاء موافقة الضمير للعامل في التذكير وعدمه؛ نحو: قامت الرجال كلها، أو قام الرجال كلهم، ونحو: حضرت الأبطال كلها، أو: حضر الأبطال كلهم، وذلك ليسير الكلام على نسق متماثل.” {النحو الوافي (2/ 84)}

وبناء عليه يجوز القول : أثمر الشجر كلها، وأثمرت الشجر كله. فالأولى من باب الحمل على اللفظ ثم المعنى، والثانية من باب الحمل على المعنى ثم اللفظ.وهذا سنفرد له مقالا أو مقالات خاصة.

فنرى مما سلف أن صاحب النحو الوافي يؤكد جواز التذكير والتأنيث لأسماء الجنس الجمعية، فيحمل التأنيث فيه على معنى الجماعة، وأما التذكيرة فتارة يأخذه على اللفظ لأنه يدل على الجنس وتارة يأخذه على معنى الجمع كما في جموع التكسير.

ويَفْصل في هذا الدكتور علي عبد الله العنبكي في حديثه عن الحمل على المعنى في أسماء الجنس الجمعية ويقول: “ والنحويون يرون أن التذكير على معنى الجمع والتأنيث على معنى الجماعة. ويعبّرون عن هذا المعنى بتعبير آخر هو أن التذكير باعتبار الجنس والتأنيث على معنى الجماعة.

والذي نراه أن التأنيث على معنى الجماعة وأن التذكير على اللفظ؛لأن اسم الجنس مفرد- وإن كان يحمل على معنى الجمع- فيحمل على لفظه في الإفراد والتذكير ، وعلى معناه في التأنيث؛ إذ يدل على جماعة مؤنثة، وعلى الجمع؛لأنه يحمل معنى الجمع وإن كان مفردا لفظا.

ويؤيد ما ذهبنا إليه بعض النحويين وبعض المفسرين؛ فقد قال الزمخشري:(( وذكّر صفة (نخل) على اللفظ ولو حملها على المعنى لأنّث)) وقال ابن يعيش:” فإذا وصفته جاز في الصفة التذكير على اللفظ؛ لأنه جنس مع الإفراد، والتأنيث على تأويل الجماعة))، ونقل الزركشي عن الثعلبي أنه يجوز في اسم الجنس التذكير على اللفظ والتأنيث على المعنى؛ لأن تأنيثه غير حقيقي، فتارة يلحظ معنى الجنس فيذكَّر، وتارة معنى الجماعة فيُؤنَّث.

ومن الأمثلة القرآنية في تذكير وتأنيث اسم الجنس الجمعي ما ذكره المصدر السابق حيث ذكر :

  1. ” قوله تعالى: {تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ } (القمر 21) وقال تعالى في التأنيث: {فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (8)} (الحاقة 8) قال ابن السراج:(( فالتذكير على معنى الجمع، والتأنيث على معنى الجماعة)).
  2. {حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ} (الأَعراف 58) فجمع (ثقالا) على معنى اسم الجمع(يقصد اسم الجنس الجمعي سحاب)، وأفرد الهاء في (سقناه) على اللفظ، ولو حمل على المعنى لقال (سقناها).
  3. وقال تعالى: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (81)} (يس 81) فذكّر على اللفظ في الصفة ( الأخضر) وفي الضمير (منه) قال الفراء: “ولو قيل الشجر الخضر كان صوابا” بدليل قوله تعالى: {لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (53) فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (54) فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (55)} (الواقعة 53-55) فقد أنّث على المعنى في (منها) وذكّر على اللفظ في (عليه).

****************************

الخلاصة والنتيجة:

من كل ما تقدم نخلص إلى التخريج والتوجيه الثاني لتأنيث كلمة (الكلِم) وكل أسماء الجنس الجمعية المماثلة لها، وهو جواز تأنيثها حملا لها على معنى الجماعة، كلغة قرآنية فصيحة وبليغة يقرّ بها الكثير من النحاة.

فعندما نؤنث ونقول:”هذه الكلِم”، أي:على معنى جماعة ومجموعة الكلِم.

وعندما نذكّرها ونقول: “هذا الكلِم”، أي: على لفظها المذكر أو حملا على معنى جمع أو مجموع الكلم.

ومن هنا يثبت وفق توجيه ثانٍ صحة كل العبارات التي أنّث فيها المسيح الموعود عليه السلام كلمة (الكلم)؛ وذلك وفق لغة وقاعدة نحوية قرآنية يشهد لها جهابذة اللغة والنحو.