لقد وردت في كتابات المسيح الموعود عليه السلام الفقرات التالية:
  • وإنّ كلماتهم هذه ليس إلا بهتانٌ عليَّ. (الخطبة الإلهامية)
  •  ومن كان تبوّأَ ذروةً في الفضل والعلم فهو ليس في أعينهم إلا جاهل غبي. (نور الحق)
  • ومَن مُلئ قلبه إيمانا ومعرفة، فهو ليس عندهم إلا كافر دجّال. (نور الحق)

وللناظر في مثل هذه الفقرات قد يلحظ أمرا غريبا، إذا ما قورنت هذه العبارات بالقواعد النحوية المعروفة لنا والتي اصطلح عليها النحويون في عصرنا هذا. وهذه الغرابة ملحوظة في ما قد يتوهمه القارئ في أنه “خبر ليس” في الكلمات التالية: بهتان، جاهل، كافر؛ والتي وفق ما نعرفه حسب القواعد الدارجة، أنه لا بدّ أن تكون هذه الكلمات منصوبة باعتبارها أخبارا للفعل الناقص “ليس” الذي هو من أخوات كان.

وتفصيل ذلك بما يلي:

وقع في هذه الفقرات استثناء للكلمات السابقة الموجودة بين قوسين مزدوجين بحرف الاستثناء “إلا”، ونوع هذا الاستثناء هو استثناء مفرّغ، بمعنى أن المستثنى منه قد حُذف في هذه الفقرات فتفرّغ العامل الذي قبل “إلا” للعمل فيما بعدها، وقد يُسمى هذا الاستثناء بالاستثناء غير التام لأن المستثنى منه قد حُذف من الجملة.

ووفق هذا النوع من الاستثناء فإن المستثنى منه يجب أن يعرب وفق موقعه في الجملة دون أي تأثير لحرف الاستثناء فيه. فإذا كان موقع المستثنى خبرا لأحد النواسخ الفعلية (كان وأخواتها) مثل ليس، فلا بد من نصبه وفقا لهذا الموقع الإعرابي.

هذه هي القاعدة النحوية الدارجة والمعروفة لنا والتي اصطُلح عليها في عصرنا هذا. ووفق هذه القاعدة لا بدّ أن ترِد الفقرات السابقة من كلام المسيح الموعود عليه السلام بنصب الكلمات التي في الخط العريض لتكون كما يلي: إلا بهتانًا، إلا جاهلا غبيا، إلا كافرا دجّالا.

فهل أخطأ المسيح الموعود عليه السلام يا ترى في هذه العبارات، أو هل وقع سهو فيها؟؟؟؟؟

أقول جزما: لا هذا ولا ذاك!!!!! فلم يقع أي خطأ ولا أي سهو في مثل هذه العبارات البتّة. وإنما هي لغة عربية صحيحة فصيحة، واردة عن إحدى القبائل العربية وهي قبيلة بني تميم.

حيث إن القاعدة التي اتبعتها هذه القبيلة هي إهمال ” ليس” إذا انتقض نفيها بــ “إلا”، من منطلق أن نفي النفي إيجاب، فلم تَعُد “ليس” في هذه العبارات عاملة كما هي عادة بل أُجرِيَت مجرى “ما” النافية، فلا تأثير لها عند هذا الإهمال على المبتدأ والخبر إذ يبقيان مرفوعين. فاحفظوا هذه “اللّيس” التي أسميتها بـــ ” ليس التميمية”، لكي تحفظوا عظمة الإعجاز في لغة المسيح الموعود عليه السلام.

وعندما نقول إنها أجريت مجرى “ما” النافية، فتفصيل ذلك في أن لــ “ما النافية” نوعين، أولها “ما الحجازية” التي قد تعمل عمل ليس ( رفع المبتدأ ونصب الخبر) بشروط، وتنتقض هذه الشروط بورود الاستثناء بـ “إلا” بعدها فلا تعود عاملة في مثل هذه المواضع؛ وثانيها هي ” ما التميمية” والتي لا تعمل أبدا بل تبقى مهملة. فكلا النوعين سواء “ما الحجازية” أو “ما التميمية” لا تعملان في حال انتقاض نفيها بالاستثناء بــ” إلا”. وعليه فقد أَجْرَت بنو تميم كلمة “ليس” هذا المجرى من الإهمال عند انتقاض نفيها “بإلا” الاستثنائية.

وإثبات ذلك في النصوص التالية التي أُوردها من أمهات المراجع النحوية، أذكرها هنا مختصرة، وأوردها في التعليقات كاملة:

جاء في كتاب مغني اللبيب عن كتب الأعاريب ما يلي:

لَيْسَ:كلمة دَالَّة على نفي الْحَال ….وتلازم رفع الِاسْم وَنصب الْخَبَر وَقيل قد تخرج عَن ذَلِك فِي مَوَاضِع..

وَالثَّانِي (يقصد من هذه المواضع) أَن يقْتَرن الْخَبَر بعْدهَا ب إِلَّا نَحْو لَيْسَ الطّيب إِلَّا الْمسك بِالرَّفْع فَإِن بني تَمِيم يَرْفَعُونَهُ حملا لَهَا على مَا فِي الإهمال عِنْد انْتِقَاض النَّفْي كَمَا حمل أهل الْحجاز مَا على لَيْسَ فِي الإعمال عِنْد اسْتِيفَاء شُرُوطهَا ..

ورغم أن هنالك من حاول التأويل في مثل هذه اللغة، إلا أن الكاتب يردّ هذه التاويلات لمجرد ثبوت هذه اللغة عن بني تميم: حيث قال: وَمَا تقدم من نقل أبي عَمْرو أَن ذَلِك لُغَة تَمِيم يرد هَذِه التأويلات.

وجاء في كتاب مختصر مغني اللبيب عن كتب الأعاريب ما يلي:

القاعدة الحادية عشرة في تقاريض اللفظين في الأحكام..

من ملح كلامهم تقارض اللفظين في الأحكام، ولذلك أمثلة منها: …ومنها إعمال ما النافية عمل ليس وإهمال ليس عند انتقاض النفي

وجاء في كتاب همع الهوامع في شرح جمع الجوامع ما يلي:

وَلَيْسَ فعل .. وَيبْطل عَملهَا مَعَ إِلَّا فِي تَمِيم خلافًا لملك النُّحَاة وَأبي عَليّ ….وَمن أَمْثِلَة الْمَنْفِيّ ب لَيْسَ قَول الْعَرَب لَيْسَ خلق الله مثله الثَّالِثَة حكى أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء أَن لُغَة بني تَمِيم إهمال لَيْسَ مَعَ إِلَّا حملا على مَا كَقَوْلِهِم لَيْسَ الطّيبُ إِلَّا الْمسكُ بِالرَّفْع على الإهمال وَلَا ضمير فِيهَا …

وردّ الكاتب رأي من حاول التأويل في هذا بقوله:

وَضعف بِأَن الإهمال إِذا ثَبت لُغَة فَلَا يُمكن التَّأْوِيل..

وقد صدرت فتوى عن مجمع اللغة العربية في هذا الصدد تقول ما يلي:

الفتوى (333): متى ينتفي عمل (ليس)؟

سؤال عن جملة : ليس بيننا إلا ناجح .

ما إعراب كلمة ناجح ؟

الإجابة:

يجوز إعراب “ناجح” مبتدأ مؤخرا خبره “بيننا”، على إهمال “ليس” في لغة تميم. ويجوز إعرابه اسما ل”ليس” وخبرها “بيننا”، على إعمالها مطلقا في لغة غير تميم.

وإهمالها المطلق في لغة تميم دليل أن أثرها المعنوي مستمر على الإهمال استمراره على الإعمال.

وما أكثر ما دخلت “إلا” على ليس في أسلوب اقتران خبرها الذي بعدها بالواو؛ فكأنما اجتمع قدامى المعربين على إعمالها، حتى جعلوا لها مسألة سموها اقتران خبر الناسخ بالواو في مثل قول الشاعر:

ليس شيء إلا وفيه إذا ما *** قابلته عين البصير اعتبار

والرأي عندي أن القول بالإعمال في هذا المثال المسؤول عنه، أقرب إلى أهل زماننا من القول بالإهمال، حتى تستمر لديهم القاعدة ما أمكن استمرارها.

ذكَرَ مثلَ هذا المثالِ السيوطيّ في المزهر [المسألة الإحدى والعشرون: معرفة المولّد]: قيل لأعرابي فصيح: الصلاة الأولى. فقال:

ليس عندَنا إلا صلاةُ الهاجرة

قال حمزة عَمُّ النبي صلى الله عليه وسلم: ـ

لَيْسَ عندي إِلاّ سِلاحٌ ووَرْدٌ *** قارِحٌ من بَنات ذي العُقَّالِ

أَتَّقِي دونه المَنايا بنَفْسِي *** وهْوَ دُوني يَغْشى صُدُورَ العَوالي

فالتّركيبُ صحيح فصيحٌ وتأويلُه الإعرابيّ: أن يكونَ النكرة مبتدأ مؤخراً ، أو يكونَ اسماً لليسَ مرفوعاً ، ولا يُنظَر ههنا في أثر الإعراب في المَعْنى؛ لأنّ إعراب المثال مَقيسٌ على إعراب غيْرِه من الأمثلة والتّراكيب التي تَخْلو من أداة الاستثناء.” -اللجنة المعنية بالفتوى: أ.د. محمد جمال صقر(عضو المجمع)، أ.د. عبدالرحمن بودرع (نائب رئيس المجمع)، أ.د. عبد العزيز بن علي الحربي (رئيس المجمع)

فنخلص من كل ما تقدم إلى النتيجة التالية:
  • إن ليس في لغة تميم يبطل عملها إذا اقترن الخبر بإلا، وبكلمات أخرى إذا انتقض نفيها بإلا.
  • فعند وقوعها قبل الاستثناء المفرّغ لا تتسلط على الخبر لنصبه، بل يبقى مرفوعا.
  • يثبت وفق هذا صحة الفقرات التي أوردناها من كلام المسيح الموعود عليه السلام، فتحريكها وفق لغة بني تميم ليس إلا “الرفعُ” تماما كما وردت عن المسيح الموعود عليه السلام، نظرا لإهمال ليس وعدم إعمالها في هذه المواضع.
  • وثبت أن ليست “ليس التميمية” إلا لغةٌ من لغات العرب التي تعلمها المسيح الموعود من الله العلام، وتتجلى بها عظمة معجزته عليه السلام بتعلّمه أربعين ألفا من اللغات العربية في ليلة واحدة.
  • وبعد هذا أذكّر مرة أخرى بما قلت وأقول، إنني على يقين أن أي غريب في ألفاظ المسيح الموعود عليه السلام، إذا لم يندرج تحت السهو في النقل والكتابة والغفلة، فلا بدّ أن نجد له تخريجا لغويا.
فيا أيها الأحمديون! آتوني غريب اللفظ من أقوال حضرته عليه السلام أخرجْه لكم، وإن طال الزمن، بعون الله فلا ناصر لنا إلا هو!!!!!!