المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود العربية ..34

كان “التامة الحُجّة” نحوا .. فمن قلة الرجال سموا الديك ابو قاسم!!

كما رأينا فإن استناد المعارضين في دحضهم لقولنا إن كان (تامة) في فقرة المسيح الموعود عليه السلام عندما قال “ وما كان حديثٌ يُفترى“، هو على أن النكرة في سياق النفي تفيد العموم.

غير أن استنادهم هذا باطل عند العديد من النحاة والأصوليين، فكون النكرة في سياق النفي مفيدة للعموم لهو موضع خلاف بين النحاة والأصوليين، إذ ذهب العديد منهم إلى القول بأنها لا تفيد العموم دائما، ومن المواضع التي لا تفيد فيها العموم هو أن تكون النكرة منفية بغير (لا) وبدون دخول (مِن) عليها، نحو: ما جاء رجلٌ.

فقد ورد في كتاب الكوكب الدري فيما يتخرج على الأصول النحوية من الفروع الفقهية (ص: 288- 289) للإسنوي ما يلي:

“النكرَة فِي سِيَاق النَّفْي تعم سواءباشرها النَّافِي نَحْو مَا أحد قَائِما أَو بَاشر هَا عاملها نَحْو مَا قَامَ أحد وَسَوَاء كَانَ النَّافِي مَا أَو لم أَو لن أَو لَيْسَ … وَمَا عدا ذَلِك نَحْو لَا رجل قَائِما بِنصب الْخَبَر وَمَا فِي الدَّار رجل فَالصَّحِيح أَنَّهَا للْعُمُوم أَيْضا وَنَقله شَيخنَا أَبُو حَيَّان فِي الارتشاف فِي الْكَلَام على حُرُوف الْجَرّ عَن سِيبَوَيْهٍ لَكِنَّهَا ظَاهِرَة فِي الْعُمُوم لَا نَص فِيهِ وَلِهَذَا نَص سِيبَوَيْهٍ على جَوَاز مخالفته فَتَقول مَا فِيهَا

رجل بل رجلَانِ وَلَا رجل فِيهَا بل رجلَانِ أَي بِرَفْع رجل كَمَا يعدل عَن الظَّاهِر فَتَقول جَاءَ الرِّجَال إِلَّا زيدا وَذهب الْمبرد إِلَى أَنَّهَا لَيست للْعُمُوم وَتَبعهُ عَلَيْهِ الْجِرْجَانِيّ فِي أول شرح الْإِيضَاح والزمخشري فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى {مَا لكم من إِلَه غَيره} وَقَوله {وَمَا تأتيهم من آيَة} كَذَا أطلق النُّحَاة الْمَسْأَلَة..”

فعند سيبويه النكرة في سياق النفي تفيد العموم لكنها ظاهرة في العموم لا نص فيه، وتحتمل التأويل كما جاء في كتاب: البرهان في أصول الفقه (1/ 56)

” قال سيبويه رحمه الله إذا قلت ما جاءني رجل فاللفظ عام ولكن يحتمل أن يؤول فيقال ما جاءني رجل بل رجلان أو رجال فإذا قلت ما جاءني من رجل اقتضى نفى جنس الرجال على العموم من غير تأويل.”

وأما المبرد والزمخشري والأصفهاني والجرجاني فقد ذهبوا إلى أن النكرة في سياق النفي لا تفيد العموم، إذ جاء في كتاب المقتضب (1/ 45) للمبرّد في سياق الحديث عن الحرف (مِن).

“وَذَلِكَ لأَنَّها إِذا لم تدخل جَازَ أَن يَقع النَّفْي بِوَاحِد دون سَائِر جنسه تَقول مَا جاءَني رجل وَمَا جاءَني عبد الله إِنَّما نفيت مَجِيء وَاحِد وإِذا قلت مَا جاءَني من رجل فقد نفيت الْجِنْس كلَّه”

وجاء في شرح تنقيح الفصول (ص: 181) للقَرافي:

“وأما النكرة في سياق النفي فهي من العجائب في إطلاق العلماء من النحاة والأصوليين يقولون النكرة في سياق النفي تعم، وأكثر هذا الإطلاق باطل.”

وجاء في روضة الناظر وجنة المناظر (2/ 26):

“وقال بعض النحويين المتأخرين في “النكرة في سياق النفي” لا تعم، إلا أن تكون فيه “مِنْ” مظهرة، كقوله تعالى: {وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ} ، أو مقدرة، كقوله تعالى: {لا إِلَهَ إِلَّا اللَّه} ، بدليل أنه يحسن أن يقال: ما عندي رجل، بل رجلان.”

وبناء على كل هذا، ثبت أن النكرة في سياق النفي الوارد في كلام المسيح الموعود عليه السلام والتي وقع النفي فيها بالحرف (ما) ” ما كان حديث يفترى” لا تفيد العموم وفق العديد من كبار النحاة والأصوليين، فبطل بذلك استدلال المعارضين في دحضهم لكون (كان) تامة في هذا السياق. إذ لا يمكن أن يكون معنى العبارة: لا يوجد أي حديث كاذب وكل الأحاديث صادقة، كما ظن المعارضون.

وبما أنه عند سيبويه النكرة في هذا السياق مفيدة للعموم ولكنها قابلة للتأويل، فهذا بالضبط ما نقوله، أنها في قول المسيح الموعود عليه السلام تفيد العموم بتأويل إضافة الكلمات ” فيما سبق ذكره” بعد قول المسيح الموعود عليه السلام ليكون التأويل: وما كان حديثٌ يُفترى فيما سبق ذكره.

ثبت لنا هنا من كل ما ذكرناه في المقال السابق وفي هذا المقال، أن الله تعالى لم يدع المعارضين الذين اتهموا المسيح الموعود عليه السلام بالعجز لحظة واحدة دون أن يثبت للعالم كله عجزهم وقصور عقولهم هم، في ماذا؟ في موضوع تخصصهم!!!! فما بالكم في باقي المواضيع الفكرية والدينية والفقهية.

وبهذا أصرّ المعارضون ممن كتب هذا الاعتراض أو شجعه أو قبله وسكت عليه، أن يمرغوا أنوف أنفسهم بأنفسهم في التراب، وأن يثبتوا للعالم كله مستواهم الصفري في موضوع تخصصهم هم وأنهم ليسوا أهلا لأن يحكموا على لغة المسيح الموعود عليه السلام. أصروا على جلب هذا العار والخزي لأنفسهم بأنفسهم، لأننا كنا قد حذرناهم وأعربنا عن استعدادنا بالتنازل عن نشر هذا الردّ إذا اعترفوا بخطأهم ولم يصروا عليه وطلبوا منا عدم الردّ، ولكنهم أصروا أن يلقوا هوانا كل يوم، أما نحن فلسنا مسؤولين عن تبعات إصرارهم إذ ما علينا إلا تبيان الحق.

والآن هل عرفتم لماذا جردناهم الواحد تلو الآخر من ألقابهم وشهاداتهم!؟أو هل عرفتم لماذا حُمّلوا هذه الألقاب والشهادات!؟ الجواب هو على قول المثل: من قلة الرجال سموا الديك أبو قاسم!!!