المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود عليه السلام العربية..216

مجمع اللغة العربية يجوّز صياغة المصادر (هلاكة) و(خجالة)

الاعتراض:

يدّعي المعارضون وقوع أخطاء صرفية في الفقرات التالية من كلام المسيح الموعود عليه السلام. وفيما يلي نصّ ما كتبه المعارضون بحرفيته.

” 1: فتصيبهم خجالةٌ وإحجام. (نور الحق)

2:  ولا يأخذه خجالة في أساليب التبيان. (الهدى والتبصرة). الصحيح: خجل. يقول المطرّزي: الخجالة: مِنْ أَخْطَاءِ الْعَامَّةِ، وَالصَّوَابُ الْخَجْلَةُ وَالْخَجَلُ. (الْمُغْرِبِ فِي تَرْتِيبِ الْمُعْرِبِ) [الكتاب: المغرب. المؤلف: ناصر بن عبد السيد أبى المكارم ابن على، أبو الفتح، برهان الدين الخوارزمي المُطَرِّزِىّ (المتوفى: 610هـ)]

3: صهره الذي كان شريكه في نبأ الهلاكة. (مكتوب أحمد). الصحيح: الهلاك. وليس هناك كلمة هلاكة. “هَلَكَ الشيءُ يَهْلِكُ هَلاكاً وهُلوكاً ومَهْلَكاً ومَهْلِكاً ومَهْلُكاً وتَهْلُكَةً والاسم الهُلْكُ”. (لسان العرب)” إلى هنا ما كتبه المعارضون.

فوفق زعمهم فإن الخطأ واقع في الكلمات (خجالة) و (هلاكة)، فهي أخطاء في اشتقاق المصدر، وكان لا بدّ من القول (خَجَلٌ) و (هَلاك)، حيث إن كلمة (خجالة) هي من أخطاء العامة، وكلمة (هلاكة) لا وجود لها في اللغة العربية.

الردّ:

كنا قد بيّنا في مقالات سابقة صحّة وفصاحة الكلمات (هلاكة) و(وخجالة). (ينظر: المظاهر الإعجازية 200 و201 على الروابط التالية:

كبار مفسري القرآن والحديث يجوزون كلمة (خجالة) و(هلاكة) في أكثر من مائة مثال

أصل اشتقاق الكلمات (خجالة) و(هلاكة)

وكان من بين التوجيهات التي ذهبنا إليها هو اعتبار هذه الكلمات مصادر صيغت على وزن (فَعالة) باعتبار فعلها الأصلي (خجُل) و(هلُك)، أي على وزن (فعُل) الثلاثي اللازم الذي عادة ما تكون صيغة مصدره على ورزن (فَعالة). وقد عزَوْنا إمكانية هذا التوجيه إلى اختلاف القبائل العربية بصوغ المصادر المختلفة، وكذا إلى اختلافها في تحريك عين الفعل، فلم نستبعد أن تكون الأفعال (هلَك) و(خجِل) قد جاءت على لسان بعض القبائل العربية بضم عين الفعل، لتكون (هلُك) و(خجُل)، مما يسوّغ صوغ مصدرها على (فَعَالة) قياسا.

وقد ذهب مجمع اللغة العربية مذهبا مشابها في تجويز هذه الكلمات (هلاكة) و(خجالة) أو ما يشابهها من مصادر، بتاعتبارها مصادر للأفعال (هلُك) و(خجُل)، وذلك بتجويزه صوغ المصادر على وزن (فَعالة) قياسا على الكثير المسموع من اللغة على هذا الوزن في مختلف أبواب الفعل، وذلك بتجويز المجمع تحويل كل فعل ثلاثي إلى باب (فعُل) بضم العين، إذا احتمل دلالة الثبوت والاستمرار، أو المدح والذم، أو التعجب، وقد جاء هذا في قرار المجمع من الدورة الأربعين ونصّه كما يلي:

” جواز صوغ “فِعالة” و”فَعالة” و” فُعولة”

يُجاز ما يُستحدث من الكلمات المصدرية على وزن الفِعالة – بكسر الفاء- إذا احتملت دلالتُها معنى الحرفة، أو شبهها من المصاحبة والملازمة، وعلى هذا لا مانع من قبول الكلمات الشائعة التالية:

القِوامة، الهِواية، اللِّياقة، العِمالة، العِمادة، النِّيافة، البِداية.

وكذلك يُجاز ما يُستحدث من الكلمات المصدرية على وزن الفَعالة- بالفتح- والفُعولة- بالضم- من كل فعل ثلاثي بتحويله إلى باب فعُل بضم العين، إذا احتمل دلالة الثبوت والاستمرار، أو المدح والذم، أو التعجب.

وعلى هذا لا مانع من قبول الكلمات الشائعة التالية على وزن الفَعالة- بالفتح:

الزَّمالة، القَداسة، الفَداحة، النَّقاهة، العَراقة، السَّماكة.

والكلمات الشائعة التالية على وزن الفُعولة – بالضم-.

السُّيولة، اللُّيونة، المـُيوعة، الخُصوبة، الخُطوبة، الخُطورة، العُمولة “ [ في أصول اللغة، ج 2/ص9- 8]

وفي الهامش من هذه الصفحات جاء ما يلي:

“.. عرض الأستاذ محمد شوقي أمين خبير اللجنة عليها، أن ثمة كلمات مصدرية شاعت في الاستعمال على وزن الفعالة بفتح الفاء وكسرها وعلى وزن الفُعولة، وهذه الكلمات ليست من مسموع اللغة، ولذلك ينكرها النقاد ، بناء على أن صوغ هذه الأبنية غير قياسي في بعض أبواب الفعل أو معانيه…. وعرض خبير اللجنة أن مسموع اللغة حافل بالكلمات المصدرية على هذه الأوزان الثلاثة (الفِعالة، والفَعالة، والفُعولة)، من مختلف أبواب الفعل، وكثرة الوارد على هذه الأوزان يبيح قبول ما استُحدث من الكلمات.”

ومما أورده المجمع في الهامش ما يلي:

“أن النحاة أجازوا تحويل كل فعل ثلاثي متصرف مثبت قابل للتفاضل إلى باب فعُل – بضم العين- ليلتحق بالغرائز أو للدلالة على أن مفاده صار كالغريزة، وعلى هذا يكون قاصرا. وقد وضح الأستاذ عباس حسن ذلك في مذكرة له في الدورة الرابعة والثلاثين، يضاف إلى ذلك أن المجمع في قراراته الخاصة بتكملة فروع مادة لغوية لم تُذكر بقيتُها، قرر أن الفعل إذا كان على وزن فعُل -مضموم العين- فمصدره على فَعالة بالفتح، أو فُعولة بالضم.”

وبناء عليه، نرى أن المجمع يبيح صوغ المصدر على وزن (فعالة)  في أي فعل ثلاثي، إذا احتمل دلالة الثبوت والاستمرار أو المدح والذم أو التعجب، وذلك بناء على أمرين :

1: كثرة السماع لهذه الصيغة (فَعالة) في مختلف أبواب الفعل، مما يجعلها أمرا قياسيا من الممكن القياس عليه.

2: لتجويزه إمكانية تحويل أي فعل ثلاثي إلى وزن (فعُل)، إذا احتمل دلالة الثبوت والاستمرار أو المدح والذم أو التعجب.

وهذا التجويز لنقل الفعل إلى صيغة (فعُل) من أجل صياغة مصدره على وزن (فَعالة)، يوافق ما ذهبنا إليه في المقالات السابقة، إذ عزَونا هذا النقل وجوازه إلى إمكانية وروده على لسان القبائل العربية الفصيحة، التي اختلفت فيما بينها في تحريك عين الفعل، فنفس الفعل قد يرد على فعَل عند قبيلة معينة وعلى فعُل عند الأخرى وعلى فعِل عند غيرها.

وبغض النظر عن السبب، فما يهمنا من كل هذا هو تجويز المجمع لهذا النقل ولصياغة المصدر فَعالة من هذا المنطلق.

وقد قيّد المجمع هذا التجويز باحتمالية دلالة الفعل على الثبوت والاستمرار أو المدح والذم أو التعجب أو باحتمالية نقله إلى هذه المعاني والدلالات كما أقر النحاة بنقله إلى معاني الغرائز للُّحوق بها أيضا. وهذا ما نراه منطبقا على المصادر (هلاكة) و(خجالة) التي جاءت في فقرات المسيح الموعود عليه السلام. فبالرجوع إلى سياقات هذه الفقرات التي وردت فيها هذه الكلمات، يظهر بوضوح هذه الدلالات من الذم ومن الثبوت والاستمرار. فاستعمال المسيح الموعود عليه السلام لهذه المصادر بالذات بهذا الوزن، جاء ليومئ ويشير إلى دلالة الذم والثبوت والاستمرار في هذه الصفات؛ أو بكلمات أخرى لينقلها إلى هذه المعاني والدلالات، مما يجعلها من أرقى اللفتات البلاغية في كلام حضرته عليه السلام.

وأما السبب في وجوب تحويل الفعل إلى صيغة (فعُل) من أجل صوغ المصدر على وزن (فَعالة)، فهو كون هذا المصدر بالذات خاص بصيغة الثلاثي على وزن (فعُل) وله دلالاته الخاصة كما يوضح ذلك النحو الوافي بما يلي:

“أ- أوزان المصدر الأصلي؛ “وهو المصدر الحقيقي الذي يراد عند الإطلاق؛ أي: عند عدم التقييد ببيان نوع معين من أنواعه:

المصدر الأصلي إما أن يكون لفعل ماضٍ ثلاثي، أو غير ثلاثي؛ علمًا بأن الفعل -ماضيًا وغير ماض- لا تتجاوز صيغته ستة أحرف. وأن الثلاثي لا بد أن يكون مفتوح الأول. أما ثانيهِ فقد يكون مفتوحًا، أو مضمومًا، أو مكسورًا، فأوزانه ثلاثة فقط؛ هي: فَعَلَ، فَعِلَ، فَعُلَ.

والأساس الأول في معرفة مصادر الثلاثي، وإدراك صيغها المختلفة إنما هو الاطلاع على النصوص اللغوية الفصيحة، وكثرة قراءتها، حتى يستطيع القارئ بالدربة والمرانة أن يهتدي إلى المصدر السماعي الصحيح الذي يريد الاهتداء إليه. أما الأوزان والصيغ القياسية الآتية فضوابط أغلبية صحيحة تفيد كثيرًا في الوصول إلى المصدر القياسي؛ فيكتفي به من شاء، ولكن الاطلاع والقراءة أقوى إفادة، وأهدى سبيلًا. وفيما يلي أوزان المصادر القياسية للفعل الثلاثي المتعدي واللازم:…

ويلاحظ أن الثلاثي المعتدي لا يكون إلا مفتوح العين أو مكسورها. أما مضمومها فلا يكون إلا لازمًا، نحو: حسن، ظرف، شرف …

4- إن كان الماضي ثلاثيًّا، لازمًا، مضموم العين فمصدره: إما: “فَعَالة”، وإما “فُعُولة”. فيكون “فعالة” إذا جاءت الصفة المشبهة منه على وزن “فعيل”: نحو: ملُح فهو مليح، ظرُف فهو ظريف، شجُع فهو شجيع … فالمصدر: ملاحة، ظرافة، شجاعة. ويكون: “فعولة” إذا جاءت الصفة المشبهة منه على: “فعْل”، نحو: سهُل فهو سهْل، عذُب فهو عذْب، صعُب فهو صعْب … فالمصدر: سهولة، عذوبة، صعوبة … وهذا الضابط في الحالتين أغلبيّ منقوض بأمثلة أخرى، مثل: ضخُم فهو ضخْم، مع أن المصدر الشائع هو ضَخَامة. وملُح الطعام -أي: صار مِلحًا- ومصدره: المُلُوحة. مع أن الصفة المشبهة منه ليست على فعْل ولا فعيل.

تلك هي الأوزان القياسية للفعل الثلاثي بنوعيه؛ المعتدي واللازم؛ وهي أوزان أغلبية. وقد يرد في الكلام المأثور ما يخالفها، فيجب قبوله على اعتباره مسموعًا يصح استعماله -بنصه- مصدرًا لفعله الخاص به، دون استخدام صيغته ووزنها في أفعال أخرى، أو القياس عليها في فعْل غير فعله. وهذا الوزن السماعي لا يمنع استعمال الصيغة القياسية؛ كما أوضحنا أول الباب. ومن أمثلة السماعي: سخط سُخْطًا، ذهب ذَهَابًا، شكر شُكْرًا، عظم عَظَمَة … وغير هذا كثير؛ جعل النحاة يقررون ما سبق من أن أوزان المصادر القياسية للماضي الثلاثي، أوزان جارية على الأغلب، ولا تفيد الحصر؛ لوجود كثير سماعي غيرها؛ حتى قيل إنها لا تكاد تنضبط، واقتصر بعض النحاة على سرد تسع وتسعين صيغة تخالف كل واحدة منها القياس الخاص بمصدر فعلها” [النحو الوافي (3/ 198-193)]

فما يهمنا من هذا النصّ هو الأمور التالية:

1: أن صيغة المصدر (فَعالة) هي مصدر للفعل الثلاثي الذي على وزن (فعُل) مضموم العين.

2: هذا الوزن (فعُل) لا يكون إلا لازما.

3: كل هذه الضوابط القياسية هي أغلبية وليست قطعية، فهنالك الكثير من المسموع ما يخالفها.

ولأجل ذلك لا بدّ من تحويل الفعل إلى صيغة (فعُل) من أجل اشتقاق مصدره على (فَعالة)، وهي كما أشرنا هنا وفي مقال سابق أنها تدل عادة على الصفات الثابتة، وكل هذا منطبق على الهَلاكة والخَجالة.

وجدير بالذكر ما تذكره المراجع المحتلفة أن ضوابط صوغ مصدر الفعل الثلاثي هي أغلبية وليست قطعية، فيخالفها الكثير من المسموع، حتى قيل إنها لا تكاد تنضبط، فإذا كان الأمر كذلك فيبطل اعتراض المعترضين من أساسه في إصرارهم على التقيّد بالضوابط القياسية.

وبغض النظر عن كل هذا نرى بأن المجمع اللغوي المصري قد أقرّ ضابطا جديدا لصيغة المصدر على وزن (فَعالة)، وهو تحويل الفعل إلى صيغة (فعُل)، ثم الاشتقاق منه إن كان المعنى المقصود به هو المدح والذم أو التعجب أو الثبوت والاستمرارية. ويكفينا هذا الضابط من أجل تحويل الأفعال (هلَك) و(خجِل) إلى (هلُك) و(خجُل)، لصوغ المصادر (هلاكة) و(خجالة) عليها، خاصة وأنها في سياقات تفيد نفس الدلالات المذكورة أو بعضها.

ومن كل هذا يثبت من جديد بقرار المجمع اللغوي المصري بما يقطع الشك باليقين، صحة وفصاحة فقرات المسيح الموعود عليه السلام والمصادر التي استعملها (خجالة وهلاكة)، ويثبت من جديد الإعجاز العظيم في لغته عليه السلام،في أن حضرته يسبق مجامع اللغة هذه في تجويز واستعمال مثل هذه الألفاظ. فهو إمام النحاة وغمام الأدباء والشعراء والحكم العدل بينهم.

إقرار الصرفيين:

ويؤيد كل هذا ما أقرّ به النحو الوافي في سياق الحديث عن الأفعال التي تجري مجرى نعم وبئس، في إمكانية تحويل أي فعل إلى وزن (فعُل) للدلالة على المدح والذم الخاصّين مع إضفاء معنى التعجب عليه، حيث قال:

“ج- بمناسبة ما تقدم يقول الصرفيون إن أبواب الفعل الثلاثي المستعملة أصالة -بحسب حركة العين في الماضي والمضارع- ستة، الخامس منها هو باب: “فعُل يفعُل” بضم العين فيهما معًا؛ كحسُن يحسُن، وشرُف يشرُف أو كرُم يكرُم … و … ويردفون كلامهم بتقرير أمرين:

أولهما: أن هذا الباب “الخامس” مقصور في أصله على الأوصاف الفطرية والسجايا الخلقية الدائمة أو التي تلازم صاحبها زمنًا طويلًا.

ثانيهما: صحة تحويل كل فعل ثلاثي من الأبواب الأخرى إلى هذا الباب ليدل الفعل بعد هذا التحويل على أن معناه صار كالغريزة والسجية في صاحبه. [النحو الوافي (3/ 389)]

وفي الحقيقة يكفينا هذا الإقرار من قبل النحاة دون اللجوء إلى أي إقرار آخر، لنثبت صحة كلام المسيح الموعود عليه السلام. فما دام يجوز تحويل أي فعل ثلاثي إلى باب (فعُل) جاز القول (جهُل) و(هلُك) واشتقاق مصدرهما قياسا على وزن (فَعالة) كـ (هلاكة) و (خجالة) ، ولتكون هذه  الكلمات متضمنة للفتة بلاغية تومئ إلى أن هذه الأوصاف أصبحت كالغريزة وكالسجايا والأوصاف الثابتة الدائمة في صاحبها أو الملازمة لصاحبها زمنا طويلا. ووفق هذا يكون معنى فقرات المسيح الموعود عليه السلام كما يلي:

1: فتصيبهم خجالةٌ  وإحجام. (نور الحق) أي: خجل وخجالة دائمة وملازمة لا تنفك عنهم..

2:  ولا يأخذه خجالة في أساليب التبيان. (الهدى والتبصرة). أي: خجل وخجالة دائمة وملازمة لا تنفك عنهم..

3: صهره الذي كان شريكه في نبأ الهلاكة. (مكتوب أحمد). أي: الهلاكة الدائمة وليس مجرد هلاك معنوي مع إمكانية الرجوع منه

وكفى بكل هذا تأكدًا على صحة وفصاحة وبلاغة كلام المسيح الموعود عليه السلام، الذي يعجز عن فهمه سطحيو اللغة أمثال المعارضين.