ردود على أمثلة الأخطاء النحوية للمسيح الموعود عَلَيهِ السَلام التي يستدل بها المعترضون

المعترض:

المعروف أن الإسم الذي ينتهي بالياء إذا رُفع تُحذف ياؤه، فقول المؤسس “وقالوا مفتري” خطأ والصحيح هو “مفترٍ” بعد حذف الياء. فهذا أحد الأمثلة الثلاثين التي وجدتها من أخطاء المؤسس النحوية والتي تدل على أنه لم يكن يعلم هذه القاعدة النحوية فخرج بهذه العبارة الخاطئة.

الجواب:

أُزيدُ على ذلك بأن الإسم تُحذف ياؤه خاصة إذا كان نكرة أي غير محلّى بأل التعريف. أما قول المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام “وقالوا مفتري” فهو صحيح أيضاً لأن من الثابت لغةً الرفع بالياء فضلاً عن الحذف، ولا مانع لإثباتها إلا للثقل أي ليس المانع تعذراً كما يظن عوام الناس، وذلك لأنه صحيح جائز، ومثال عليه ما جاء في “شرح الأشموني على ألفيَّة ابن مالك” ج1:

وإنَّما لَمْ يَظْهَرِ الرَّفْعُ والجرُّ [للمنقوص] استثقالاً، لا تعذُّرًا لإمكانِهما.

قال جرير:

فَيَوْمًا يُوافينَ الهوَى غَيرَ ماضِيٍ

وقال الآخر:

لَعَمْرُكَ ما تَدْرِي متى أنتَ جائِيٌ ولكنَّ أقصى مُدَّةِ العُمْرِ عاجِلُ” انتهى

وقالَ ابن هشام ت761هـ في “أوضح المسالك” ج4 بأن الاسم المنقوص يجوز رفعه بإثبات الياء وحذفها أيضاً كما يلي:

فإنْ كان [المنقوص] مرفوعًا أو مجرورًا؛ جاز إثباتُ يائه وحذفها؛ ولكنَّ الأرجح في المنوَّن الحذف؛ نحو: ” هذا قاضْ “، و” مررتُ بقاضْ “، وقرأ ابنُ كثير: ﴿وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادِي﴾، ﴿وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالِي﴾؛ والأَرجَح في غير المنوَّن الإثبات؛ كـ “هذا القاضي”، و”مررتُ بالقاضي”.” انتهى

وذهب البعض إلى أن إثبات الياء هو خاص بالضرورة أو القراءات، والصواب كما سنر أن إثبات الياء في الاسم المنقوص ثابت على لغة من لغات العرب ، وقد قرأ بذلك ابن كثير كما نقل عنه ابن هشام، وهذه اللغة من اللغات العربية قد وردت كثيرا على لسان الإمام الشافعي في رسالته نحو قوله:

  • وكذلك كُلُّ والِي بعثَهُ أو صاحب سَرِيَّة“.
  • أليس أن تقيسهُ على ما يُجامِعُه في خمسة معاني أولَى بكَ مِن أن تقيسَهُ علَى ما جامعه في معنًى واحد“.
  • وكثيرًا ما يكونُ الذَّاهبونَ في تلك الحال في غيرِ سِتْرٍ من مُصَلِّي، يرَى عوراتِهِمْ.“.

وقد علَّقَ المحقِّق أحمد شاكر على كلام الشافعي بقوله:

“و” مُصَلِّي ” مكتوبةٌ في الأصلِ هنا وفيما يأتي بإثباتِ حرفِ العلَّة، وهو جائزٌ فصيح، خِلافًا لِما يَظُنُّهُ أكثرُ النَّاس.”

وقوله:

“ويستروا العوْرات من مُصَلِّي، إن صلَّى حيثُ يراهُم.” انتهى

وقد وصف الأستاذ أحمد شاكر محقق الرسالة لغةَ الشافعي بقوله : “الشافعي لغته حجة“، ويمكن الرجوع لفهرس المحقق أحمد شاكر (فهرس الفوائد اللغوية) لمعرفة المواضع التي أثبت فيها الشافعي ياء الاسم المنقوص.

بل لا يُكتفى فقط بإثبات الياء في الإسم وإنما برسم الضمَّة على الياء لأنها ضرورة في اللغة كما جاء في “همع الهوامع” 1/183، 184 للسُّيوطيِّ ت911هـ:

ومَنَ الضَّرورةِ -أيضًا- ظهورُ الضَّمَّة والكسرة في ياء المنقوص؛ كقوله:

خَبيثُ الثَّرَى كابِيُ الأَزْنُدِ

وقوله:

تُدْلِي بهنَّ دَوَالِيُ الزُّرَّاعِ

وقوله:

لا باركَ اللهُ في الغوانِيِ

وقوله:

وَلَمْ يخْتَضَبْ سُمْرُ العَوالِيِ بالدَّمِ” انتهى

وقد ورد الحديث المرفوع في تاريخ مدينة دمشق ج 39 لابن عساكر عن عثمان رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أن رَسُول الله ﷺ قال :

«سيقتل أمير ويفتري مفتري»“. أهـ

فهذا الوجه جائز بل ثابت كما في الأدلة اللغوية التي سقناها المدعمة بأمثلة من الحديث الشريف والقراءات القرآنية واللغات العربية المختلفة وكلام أهل اللغة كالشافعي وغيره. وقد كان المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام يعلم ذلك جيداً مستخدماً إياه في مواضع أخرى من كلامه وكتبه. ولنأخذ مثالاً من بين أمثلة لا تحصى على ذلك حيث يقول المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام:

لقد كان في إيليا وقصةِ نـزولِه نظيرٌ شافٍ للطالبين. فاقْرَؤوا الإنجيلَ وتَدبَّروا في آياته بنظرٍ عميقٍ أمينٍ. إذ قالت اليهودُ: يا عيسى.. كيف تزعُـم أنك أنت المسيحُ.. وقد وجَب أن يأتيَ إيليا قبلَه كما ورد في صُحُفِ النبيّين؟ قال: قد جاءكم إيليا فلم تَعرِفوه، وأشارَ إلى يحيى وقال: هذا هو إيليا إن كنتم موقِنين. قالوا: إنك أنت مفتَرٍ.. أَتَنحِتُ معنىً منكَرًا؟ ما سمِعنا بهذا في آبائنا الأولين. قال: يا قوم.. ما افْترَيتُ على الله، لكنكم لا تفقَهون أسرارَ كُتُبِ المرسَلين.” (مرآة كمالات الإسلام، الخزائن الروحانية ج5 ص379- 381)

ولهذا رد المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام على شبهة الأخطاء النحوية بأن الأخطاء هذه لو وجدت أيضاً على فرض ذلك لما كان لها أدنى أهمية إن وردت على النحو الصحيح والمعروف في كتب ومقالات وقصائد المؤلف الأخرى، يقول عَلَيهِ السَلام:

إن معظم العائبين المستعجلين، وبالأخص الشيخ محمد حسين البطالوي، الذين لا يتصفحون كُتبنا العربية إلا بحثاً عن الأخطاء فيها، يعُدّون -بسبب ظلمة التعصب فيهم- سهوَ الناسخ أيضاً ضمن قائمة الأغلاط. ولكن الحق أنه لا يمكن أن يُعزى إلينا من الأغلاط الصرفية والنحوية إلا ما لم يرِد صحيحهُ في موضع آخر من كتبنا. أما إذا وردت كلمة أو تعبير ما في مكان ما خطأً على طريق الصدفة بينما تكون تلك الكلمة نفسها قد وردت في عشرات الأماكن الأخرى بصورتها الصحيحة.. فلا مناص لهم -لو كان فيهم شيء من الإيمان والإنصاف- إلا أن يعزوا ذلك الخطأ إلى سهو الناسخ بدلاً من أن يعتبروه غلطاً منا. ولو أنهم أخذوا بعين الاعتبار العجلةَ التي ألّفنا فيها هذه الكتب لاعترفوا باقترافهم ظلماً عظيماً، ولعدُّوها تأليفاتٍ خارقةً للعادة. الحق إن القرآن الكريم وحده منـزَّهٌ من السهو والخطأ، وأما البشر فلم يسلم كلام أحد منهم من هذا العيب، حتى إن السيد البطالوي نفسه يعترف بأن الناس استخرجوا أغلاطاً حتى من شعر امرئ القيس وكلام الحريري. فهل يمكن لهذا الذي عثر صدفةً على خطأٍ للحريري أو امرئ القيس أن يُعَدّ بمكانتهما؟” (نقلاً عن الطبعة المعروفة بـ”الخزائن الروحانية” مجلد ٧ المقدمة ص ٧-٢٢ عام ١٩٥٩م مع شيء من التصرف لدى الترجمة)

فكلام المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام صحيح تمام الصحة وهو دليل على صدق حضرته عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام عندما قال بأنه تعلم اللغات العربية أي أن ذلك في غاية العمق والقوة بما لا يخطر ببال قاريء بسيط كمعترضنا الكريم.

أما عن موضوع الثلاثين خطأ فقد أثبتنا في مناسبات عديدة أنها لم تكن أخطاء بل هي عبارات قوية وثابتة في اللغة، وأن قول المعترض بأنها أخطاء ليس إلا توهم وسوء تقدير منه بمن كتب مئات الأبيات الشعرية الراقية التي تجعل من هذا الاتهام دليلاً على سذاجة وقلة تدبّر. وبه نطوي هذا المنشور

تاريخ مدينة دمشق

وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

 

About الأستاذ فراس علي عبد الواحد

View all posts by الأستاذ فراس علي عبد الواحد