من أعظم المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود ع العربية .. (8)

وذَكِّر بــ “شبه الجملة” فإنَّ الذّكرى تنفعُ المؤمنين..!

شبه الجملة حين تقع مبتدأ أو اسما للنواسخ في لغة الإمام الشافعي!!!

ملحوظة: هذا المقال عبارة عن ثلاثة فصول، الفصلان الأوّلان إعادة ودمج لما كنّا قد نشرناه في مقالات سابقة عن موضوع “شبه الجملة”، هذا ليتسنى لمن فاته قراءة تلك المقالات الاطلاع على الموضوع ومعرفة خلفيته في هذا المقال أيضا. وأما الفصل الثالث فهو زيادة وإثبات جديد على ما ذكرناه في المقالات السابقة، فمن تسنى له قراءة الموضوع من قبل ويعلم خلفيته، فبإمكانه أن ينتقل مباشرة إلى الفصل الثاني أو الثالث لمتابعة الجديد فيه.


الفصل الأول

تذكير بالبحث السابق عن شبه الجملة

يكاد أن يكون اعتبار “شبه الجملة” خبرا عند ورودها في الجملة الإسمية من أحد المسلمات في اللغة العربية، وعليه فعند دخول النواسخ على الجملة الاسمية المتضمنة لشبه الجملة لا يمكن اعتبار شبه الجملة اسما لهذه النواسخ بل خبرا فقط، وما يلازمها من اسم سواء كان مقدما أو مؤخرا فلا بدّ من اعتباره هو اسما للنواسخ من منطلق اعتباره هو مبتدأ وشبه الجملة خبرا في أصل الجملة الاسمية، وهذه تكاد أيضا تكون من المسلمات في اللغة العربية.

غير أننا قد نشرنا قبل فترة بحثا للدكتور عبد الحميد حمود الشّمري بعنوان “العدول عن المألوف في إعراب شبه الجملة” والذي نقض أو خرج فيه عن هذه المسلمات النحوية، وأكّد بناء على رأي لم يرُج لبعض النحاة، وخاصة رأي لمفسري القرآن الكريم على أن شبه الجملة من الممكن اعتبارها مبتدأ واسما للنواسخ في بعض الأحيان، وهذا يكون أجزل للمعنى وأفصح وأبلغ لغة. ولكن قوة القواعد النحوية وصرامتها في هذا الشأن لم تمكنهم من إشاعة ذلك، بل بقي ما ذهبوا إليه لا يعدو أن يكون آراءً بين طيات مؤلفاتهم.

وقد مثّل البحث بالعديد من الآيات القرآنية التي ذهب فيها بعض المفسرين إلى اعتبار شبه الجملة الواقعة فيها مبتدأ ومنها:  بالخط العريض أشباه الجمل التي يعتبرها بعض اللغويين والمفسرين أنها مبتدأ 

{وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ } (التوبة 101)

{فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ } (البقرة 254)

{وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا } (الجن 12)

{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} (البقرة 9)

{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ } (الأحزاب 24)

{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} (آل عمران 8)

{ تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ } (البقرة 254)

{وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ } (البقرة 79)

{ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا } (البقرة 166)

وأمثلة كثيرة أخرى من القرآن الكريم.

ومثل ذلك في الشعر العربي قـول الشاعر موسى بن جابر الحنفي وهـو من شعراء الجاهلية :

منهم ليوثٌ لا تُرام وبعضـهم مما قمشْتَ وضم حبلُ الحاطبِ

وهاكم أسماء فقهاء اللغة الذين اعتمد عليهم الباحث في إثبات أن شبه الجملة من الممكن أن تأتي مبتدأ، مع ما قالوه أو ما أورده البحث عنهم أو ما استنتجه من أقوالهم في هذا الصدد:

1- تقي الدين السبكي(٧٥٦هـ): إن مبنى كلام العرب على الفائدة (فحيث حصلت كان التركيب صحيحا، وحيث لم تحصل امتنع في كلامهم)  أي إن مدار تركيبِ الكلامِ على الفائدة، فمتى حصلت صح التركيب، لذا فاشتراط أن يكون المبتدأ بأشكالٍ معينة لا يتعداها إلى غيرها لا يسوغ طالما أن الفائدة لا ترتبط بشكل دون آخر، ومن ثَم يكون مجيء المبتدأ في غير أشكاله المعهودة التي ذكرها النحويون مما لا يأباه الاستعمال العربي..

2- ابن جنّي(٣٩٢هـ): ألا ترى أن المبتدأ قد يقع غير اسم محض، وهو قولهم: (تسمع بالْمعيدي خيرمن أن تراه) فـ (تسمع) كما ترى فعل، وتقديره: أن تسمع، فحذفُهم (أن)  ورفعهم (تسمع) يدلُّ على أن المبتدأ قد يمكن أن يكون عندهم غير اسم ، ولَما أمكن أن يكون المبتدأ فعلا كان مجيء المبتدأ شبه الجملة من الجار والمجرور أمرا غير مستغربا عند النحويين، أو بعضهم، فهم قد ألمحـوا إلى مثل هذا في بعض المواضع التي ساغ لهم أن يوجهوها على هذا النحو، ولكن الصناعة النحوية وما قرروه من أن المبتدأ لا يكون إلا مفردا منعهم من التمسك بهذا.

ملحوظة: قول ابن جني هذا لا يقول صراحة بأن شبه الجملة يمكن اعتبارها مبتدأ إلا أنه مما اعتمد عليه الباحث ليخلص إلى هذه النتيجة.

3- السمين الحلبي (٧٥٦هـ): فالسمين الحلبي ألمح إلى جواز مجيء الجار والمجرور مبتدأ، إذ أشار في كلامه على قوله تعالى: ﴿لَه فيها من كُلِّ الثَّمرات﴾ سورة البقرة/٢٦٦ [ إلى أنها جملة من مبتدأ وخبر، فالخبر قوله: (له) و (من كلِّ الثَّمرات) هو المبتدأ، ثم قال: (وذلك لا يستقيم على الظاهر، إذ المبتدأ لا يكون جارا ومجرورا، فلا بد من تأويله) (٢٠)

4– ابن قيم الجوزية(٧٥١هـ): ومثل هذا قولك: في الدار امرأة، فإنَّه كلام مفيد؛ لأنَّه بمنزلة: الدار فيها امرأة، إذ أخبرت عن الدار بحصول المرأة فيها في اللفظ والمعنى، ذلك أنَّك لم تُرد الإخبار عن المرأة بأنَّها في الدار، ولو أردت ذلك لحصلت حقيقة المخبر عنه أولا، ثم أسندت إليه الخبر، وإنَّما كان القصد الإخبار عن الدار بأنَّها مشغولة بامرأة، وأنَّها قد اشتملت على امرأة، فـفي الدارِ ليس خبرا عنها في الحقيقة، وإنَّما هي في الحقيقة خبر عن المعرفة المتقدمة، فهذا حقيقة الكلام . فابن قيم الجوزية في هذا يشير إلى أن الجار والمجرور في مثل هذا التركيب هو المبتدأ، والاسم النكرة بعده إخبار عنه، لأنّه هو (الجزءالمتـم الفائدة)

بحسب تعبير ابن مالك، على الرغم من أنّه كغيره ممن أشاروا إلى ذلك لم يتمكنوا من الثبات على هذا الرأي، بل يعودون في نهاية المطاف إلى ما تقرر في النحو من قواعد….

5- الشريف الجرجاني(٨١٦هـ):فالأولى أن يجعل مضمون الجار والمجرور مبتدأ على معنى: وبعض الناس أو بعض منهم من اتَّصفَ بما ذكر، فيكون مناط الفائـدة تلك الأوصاف، ولا استبعاد في وقوع الظرف بتأويل معناه مبتدأ

6- سلطان محمد الجنابذي (١٣٢٧هـ): “والجار والمجرور مبتدأ إما لقيامه مقام الموصوف المحذوف المقدر، أو لنيابته عنـه لقـوة معنى البعضية فيه، حتى قيل إنّه بنفسه مبتدأ من دون قيام مقام الغير، وتقدير ونيابة..

7- أبو السعود : إلى هذا التوجيه بقوله: (منْه آياتٌ) الظرف خبر، و (آيات) مبتدأ أو بالعكس … الأول أوفق بقواعد الصناعة، والثاني أدخل في جزالة المعنى، إذ المقصود الأصلي انقسام الكتاب إلى القسمين المعهودين لا كونهما من الكتاب..

8- محمد بن علي الشوكاني(١٢٥٠هـ): الموافق لقواعد العربية أن يكون الظرف خبرا مقدما، والأولى بالمعنى أن يكون مبتدأ تقديره: من الكتاب آيات بينات، على نحو ما تقدم من قوله تعالى: ﴿ومن النَّاسِ من يقُولُ﴾ [سورة البقرة / ٨ ،[وإنّما كان الأولى؛ لأن المقصود انقسام الكتاب إلى القسمين المذكورين لا مجرد الإخبار عنهما بأنهما من الكتاب…

وبناء على كل هذا خلص الكاتب في مقاله إلى إمكانية أن تقع شبه الجملة اسما للنواسخ الفعلية (كان وأخواتها) أو الحرفية ( إن وأخواتها)، ومثّل على ذلك بمثال من الحديث الشريف حيث قال:

“….ولَما أمكن في هـذا كلِّه أن تقع (من) التبعيضية ومجرورها مبتدأ، وهـو المسند إليه في الجملة الاسمية، سواء كان ذلك باعتبار مضمون التركيب أم كانت هي نفسها اسما، ومن دون أن يخـلَّ هـذا بالمعنى، بل كان أوفق له، وأثبت في تحصيل الفائدة، كان من الممكن أن يقع اسما للناسخ أيضا، ومثال ذلك قوله صلى الله عليه وسلم :

إِنَّ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُصَوِّرُونَ ” إذ اختلف النحويون في توجيه من أشد النّاسِ، فقد حمله الكسائي على زيادة (من)، و(أشد (اسم (إن (و(المصورون) خبرها، ورُدَّ هذا بأن زيادة من مع اسم (إن (غير معروف، ولأن الكلام مثبت، ولا تزاد (من) في الإثبات، وما دخلت عليه معرفة على الأصح، والمعنى لا يساعد على ذلك؛ لأن المصورين ليسوا أشد عذابا من سائر الناس، في حين ذهب ابن مالك وتابعه في هذا ابن هشام إلى أن اسم (إن (ضمير الشأن المحذوف، والتقدير: إنّه من أشد ،…. أي الشأن، والباقي خبرها.”(أ.ه)

وبعد عرض هذه الآراء الإعرابية يخلص الباحث إلى ما يلي:

….ويمكن التخلص من هذا كلّه _ أي من الإعراب السابق-بالقول: إنَّه لَما كانت (من) بمعنى (بعض)، صار (من أشد (باعتبار المضمون اسما لـ (إن (؛ لأن المعنى: إن بعض أشد …، ويكون (المصورون) خبرا للحرف الناسخ، ولاسيما أن هذا التوجيه لا يحتاج فيه إلى تقدير محذوف، في حين أن الإعراب السابق يفتقر إلى ذلك، (وما لا يفتقر إلى تقدير محذوف أولى مما يفتقر إلى تقدير)، لذا ليس من ضرورة تدعو هنا إلى تقدير اسم (إن (ضمير شأن، إذ متى أمكن حمل الكلام على غير ضمير الشأن، فلا ينبغي أن يُحمل عليه، ومثل هذا يمكن أن يقال في قوله صلى الله عليه وسلم) فيما كتبه إلى خُزاعة: وإن من أكرمِ أهلِ تهامةَ علي وأقربِه رحما أنتم ومن تبِعكم(إ.ه)

إذن، نرى بأن الباحث قد نقض في مقاله أحدى أكبر المسلمات في اللغة العربية وهي وجوب اعتبار شبه الجملة خبرا في كل الأحوال، وأكاد أجزم أن هذا الأمر ومضمون هذا البحث، قلما نجد من اطّلع عليه وعرفه من علماء اللغة أنفسهم عبر التاريخ العربي، وما يؤكد ذلك عدم شيوعه وعدم المعرفة بوجود مثل هذه الآراء النحوية في يومنا هذا، وهذا ما يجعله أحد مظاهر الإعجاز العظيمة في لغة المسيح الموعود عليه السلام، وذلك لأنه رغم ندرة الاطلاع عليه نرى بأن العديد من كتابات المسيح الموعود عليه السلام قد اندرجت تحت هذه القاعدة الشاذة وغير الرائجة في اعتبار شبه الجملة مبتدأ واسما للنواسخ، فاعتبَر عليه السلام الاسم الملازم لشبه الجملة خبرا للنواسخ فرُفع إن كان خبرا للنواسخ الحرفية ونُصب أن كان خبرا للنواسخ الفعلية.


الفصل الثاني

مواضع الإعجاز هذه في كتابات المسيح الموعود عليه السلام

وتتجلى هذه المظاهر الإعجازية بعظمتها في كتابات المسيح الموعود عليه السلام في الفقرات التالية، حيث جاءت فيها شبه الجملة اسما لكان، على أنها في محل رفع، فنُصب الاسم التالي لها –بالخط العريض- على أنه خبر لكان رغم ظنّ البعض وجوب رفعه على أنه الاسم الحقيقي المؤَخَر لكان. وهذه الفقرات هي :

  1. كان في الهند نبياً أسود اللون اسمه كاهنا (ينبوع المعرفة).
  2. بل ما كان لهم في زمان موسى أثراً وتذكرة (سر الخلافة، ص 75).
  3. بل إنه وحيٌ ليس كمثله غيره وإنْ كان بعده وحياً آخر من الرحمان (الهدى والتبصرة، ص 19)
  4. ولا يكون لغيرهم حظا منها (حمامة البشرى، ص 38).
  5. ثم سيصل عبدٌ مُوَحّدٌ إليه في آخر الزمان لإشاعة التوحيد كما وصل بولص لإشاعة الشرك والكفر والخبث، تلبيسًا من عند نفسه، ليكون له مكانا في أعين النصارى.(حمامة البشرى).
  6. تقتضي أن يكون لها محبوبًا يجذبها إلى وجهه بتجلّيات الجمال والنعم والنوال، وأن يكون له مُحِبًّا مواسيًا. (إعجاز المسيح)

كما وتتجلى هذه المظاهر الإعجازية بعظمتها في كتابات المسيح الموعود عليه السلام في الفقرات التالية، حيث جاءت فيها شبه الجملة اسما لإن على أنها في محل نصب فرُفع الاسم التالي لها بالخط العريض- على أنه خبر لإنّ، رغم ظن البعض وجوب نصبه على أنه الاسم الحقيقي المؤخَّر لإن. وهذه الفقرات هي :

  • إن في هذا الاعتقاد مصيبتان عظيمتان قد أزجتا كثيرا من الناس إلى نيران الكفران. (التبليغ)
  • إن تحت هذا النبأ سرٌّ، وفهم السر برٌّ، فاقبلوه بوجه طليق وكونوا مسعدين. يرحم الله عليكم وهو أرحم الراحمين. (التبليغ)
  • فإن لكل زمان سلاح آخر وحرب آخر. (نور الحق).
  • وأن لكل إنسان لسان)) وأذنين، وأنف وعينين. (حمامة البشرى)
  • فحاصل كلامهم أن للخَلق كلهم موت واحد. (حمامة البشرى)
  • ألا تعتقدون أن لجَبْرَئِيل جسم يملأ المشرق والمغرب؟ (حمامة البشرى)
  • وأنت تفهم أن في هذا القول إشارةً إلى أن للنجوم ومواقعها دخل لِتحسُّسِ زمان النبوة ونزول الوحي. (حمامة البشرى)
  • وإن كنت ما سمعت من قبل بيانا واضحا كمثل بياننا هذا .. فلا تعجب من ذلك، فإن لكل موطن رجال. ولكل وقت مقال. (حمامة البشرى)
  • ثم إن بعدهم قوم يشهدون ولا يُستشهدون. (الخطبة الإلهامية)
  • إن في ذلك لسلطان واضح لقوم يتفكرون. (الاستفتاء)
  • فإن لهم شأن كبير. (نجم الهدى).
  • فاعلم أن فيه سر عظيم قد أشار إليه القرآن في مقامات شتى (حمامة البشرى).
  • وإن في أقواله حِكم روحانية تضلّ عندها عقول الفلاسفة. (مكتوب أحمد).
  • مع أن فيه قطاع الطريق وسباع وأفاعي وآفات أخرى. (حمامة البشرى).
  • وإنْ في هذا ثبوت لأولي النهى، وتلك شهادة عظمى. (حقيقة المهدي).
  • وإن لنا نبيّ نرى آيات صدقه في هذا الزمن (الاستفتاء، ص 30).
  • فلا شك أن في ترك الجواب إشعار بأن هذه القصّة باطلة (الاستفتاء، ص 63).
  • إن في كلامك شيء لا دخل فيه للشعراء. (الاستفتاء، ص 112).

الفصل الثالث

شبه الجملة اسم للنواسخ في لغة الإمام الشافعي:

ومما يؤكد صحة ما ذهبنا إليه، وصحة هذا الإعجاز اللغوي هو ورود شبه الجملة اسما للنواسخ على اعتبارها مبتدأ في أصل الجملة الاسمية، هو ورودها هكذا في لغة الإمام الشافعي، الذي يُعتبر حجة في اللغة، وجاء عنه في كتاب أصول النحو ما يلي:

وكما جاز الاحتجاج بلغة هذه القبائل جاز الاحتجاج بأمرين آخرين:

أحدهما: ما روي من نثر العرب ونظمهم بعد أن دوِّنت الدواوين بشرط أن يكون الراوي ثقةً صدوقًا أمينًا عدلًا:

والآخر: كلام الإمام الشافعي -رضي الله عنه- الذي تأخر زمانه عن زمن الاحتجاج. وقد أورد السيوطي كلمة أحمد بن حنبل: “كلام الشافعي في اللغة حجة”، ولم يكن هذا رأي ابن حنبل وحده، بل تعدَّدت أقوال العلماء التي تدل على الاحتجاج بلغة الشافعي، ومنها قول عبد الملك بن هشام: “الشافعي بصير باللغة يؤخذ عنه، ولسانه لغة فاكتبوه”، وقول الوليد بن أبي الجارود: “كان يقال: إن الشافعي لغة وحده يحتج بها”، وقول أبي منصور الأزهري: “والشافعي فصيح حجة في اللغة” ومعنى هذه الأقوال أن ما جاء في مصنفات الإمام الشافعي من عبارات شذَّت عن القواعد العربية المعروفة لا يمكن حملها على الخطأ، وإنما تُجعل عباراته شاهدًا لما استعملت فيه كما تُعدُّ وجهًا من وجوه سعة العربية.

وقد جاء هذا في المواضع التالية ما بين الأقواس المزدوجة من رسالة الشافعي:

  1. فكان مما ألقَى في روعه سنَّتَه
  2. ورواه “عُبادة بن الصامِت” عن النبي، أنَّهُ قال: “ خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللهُ عَلَى خَلْقِهِ، فَمَنْ جَاءَ بِهِنَ لَمْ يُضَيِّعْ مِنْهُنَّ شَيْئًا، اْسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِنَّ: كَانَ لَهُ عِنْدَ اللهِ عَهْدًا أنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ “.
  3. قال: وقد كانت لرسول الله في هذا سُنَنًا ليست نصًّا في القُرَآن، أبان رسولُ الله عَنْ الله معنى ما أراد بها، وتكلَّم المسلمون في أشياءَ مِن فُروعها، لمْ يَسُنَّ رسولُ الله فيها سُنَّة مَنْصوصةً.
  4. ثم كانت لرسول الله فِي بيوعٍ سِوَى هذا سُنَنًا مِنْها
  5. ويمتنع أن يُسمَّى” القياس ” إلا ما كان يحتمل أن يُشَبَّه بما احتمل أن يكون فيه شَبَهاً 

ففي كل هذه المواضع نرى أن الإمام الشافعي قد نصب ما يُخيّل للبعض أنه اسم كان المؤخر، رغم أن الحقيقة هي في أنه لم يَعتبره اسما بل اعتبره خبرا وجب نصبه. وأحد هذه المواضع ما هو إلا حديث شريف وارد عن الرسول صلى الله عليه وسلم.

وقد حاول المحقق أحمد شاكر في الموضع الأول أن يؤول النصب الوارد في الفقرة الأولى وأن يوجهه إلى إعراب معين يندرج تحت القواعد المعروفة لنا، إلا أنه سرعان ما استدرك في الأمر نظرا لما وجده من شواهد أخرى، فخلص إلى النتيجة التالية:

ومن البعيد جدا أن يكون هذا كله خطأ في جميع هذه المواضع على اختلاف سياق الكلام فيها، والأصل دقيق جدا في تصحيحه، إلا ما لا يخلو منه كتاب، والشافعي لغته يحتج بها، والذي يبدو لي أن تكون هنالك لغة غريبة لم تُنقل في كتب العربية من اللغات الشاذة: إما تنصب معمولي “كان” كما نُقلت لنا لغة في نصب معمولي “إن”، وإما تعتبر الظرف اسما لها لا خبرا مقدما على الاسم، ويكون كلام الشافعي في هذه المواضع -في الرسالة -شاهدا على ذلك،كما استشهدوا على أغرب منه بحروف من الشعر والنثر ليس نقلها بأوثق من هذا النقل. والله أعلم.” (إ.ه)

فها هو العلامة أحمد شاكر يقرّ بما ذهبنا إليه بإمكانية ورود ” شبه الجملة” مبتدأ أو اسما للنواسخ وفق لغة غريبة لم تنقل إلينا، وها هو الإمام الشافعي أكبر شاهد على صحة هذه اللغة، وعلى عظمة الإعجاز في كلام المسيح الموعود عليه السلام، وها فقد سقنا حديثا شريفا آخر يشهد على صحة ما نقوله ليكون قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا من الشهادات على صحة ما نقول؛ فهل نحن بحاجة بعد هذا كله إلى متخصص أو عالم في اللغة غير النبي صلى الله عليه وسلم الذي أوتي جوامع الكلم، والإمام الشافعي رحمه الله الذي لغته حجة، وغير أحمد شاكر العلامة لنسأله عن صحة هذا كله!؟

فما “شبه الجملة” إلا دليل من أكبر الدلائل على نبوّة المسيح الموعود عليه السلام، وعلى صدقه وصدق دعواه وصدق آيته بتعلم أربعين ألفا من اللغات العربية في ليلة واحدة، إذ قد ثبت بذلك ان اعتبار شبه الجملة اسما للنواسخ لغة من لغات العرب يشهد عليها أكابر علماء اللغة وأفذاذاها.

ودعوني أختتم هذا المقال بقولي هذا:

يا أيها الأحمديون أبشروا، فإنه لم يُخلق بعدُ ذلك الذي بإمكانه أن ينال من لغة المسيح الموعود، ولم تلده امرأة بعدُ!!!