المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود ع العربية .. 60

نكتة الخطأ في الأفعال الخمسة ..4

نكتة إثبات النون في المضارع المنصوب أو رفع المضارع المنصوب.. 2

الاعتراض:

قال المعارضون بخطأ المسيح الموعود عليه السلام في العبارات التالية :

  1. وإن ((تحسبون)) أنكم على صدق وحق.. فلولا تأتون عليه بنظير من قبل (التبليغ، ص 37).
  2. فالذين يحكّمونه في تنازعاتهم ثم ((لا يَجِدوا)) في أنفسِهم حَرَجًا مما قضى لرفعِ اختلافاتهم… فأولئك هم المؤمنون حقّا (نجم الهدى، ص 60).
  3. ويُحبّون أن يُحمَدوا بما ((لا يعملوا ))(مكتوب أحمد، ص 45).
  4. وكانوا يتيهون في الأرض مُقْتَرين مستَقْرين، ((لعلهم يجدوا)) أثرا مِن قاتلٍ أو يلاقوا بعض المُخبِرين (نجم الهدى، ص 56).
  5. بل أعلّمكم رُقْيتي، ((لكيلا تضطربون)) عند غيبتي (نور الحق).
  6. ولكنهم يتكلمون بأعلى الإشارة ((حتى يتجاوزون)) نظر النظّارة (سر الخلافة، ص 52).
  7. إلى ((أن يصلون)) إلى المبدأ الأول وعلّة العلل (كرامات الصادقين، ص 76).

ويقع الخطأ وفق زعمهم بإثبات النون في مواضع النصب والجزم؛ وحذفِها في مواضع الرفع حيث لا ناصب ولا جازم وارد قبلها. واشترط علينا المعارضون أن يكون ردنا مراعيا لترتيب الفقرات أعلاه؛ وعدم القفز عن العبارات الأربع الأولى؛ ظنّا منهم أنهم إيانا بهذا الشرط عن الردّ بمعجزين!! ولكن أقول: هيهات ثم هيهات!!!!

الردّ:

بعد أن رددنا على الاعتراضات المتعلقة بالفقرات الأربع الأُوَل، في المقالات السابقة من هذه السلسلة (سلسلة نكتة الخطأ في الأفعال الخمسة؛ يُنظر مظاهر الإعجاز 59،46،45)؛ وكنا قد رددنا الاعتراضات المتعلقة بالفقرات 5 و7 في مقال سابق (ينظر مظاهر الإعجاز 16، بعنوان نكتة رفع المضارع المنصوب) سنتطرق في هذا المقال مرة أخرى إلى الفقرات 5، 6، 7 مجتمعة حيث إنها تندرج تحت نفس المبدأ من التوجيه.

ففي هذه الفقرات الثلاث نرى بأن الأفعال المضارعة بقيت مرفوعة وذلك لثبوت النون فيها، وحقّها أن تُنصب بحذف النون، نظرا لوقوعها بعد أدوات النصب (أن) و (كي) و (حتى، التي تنصب الفعل المضارع بأن مضمرة).

وقد قلنا في توجيه العبارة السابعة “أن يَصلون” فإن صحتها تثبت وفق لغة من لغات العرب أُهملت فيها “أنْ المصدية” فلم تنصب الفعل المضارع حملا لها على ” ما المصدرية”. وقد ثبت هذا في لغة بعض القبائل العربية التي أهملت أنْ كما ثبت هذا وفق ظاهرة تقارض الأحكام النحوية بين أن وما المصدريتين، ومثّلنا لذلك بأمثلة من المراجع النحوية والقراءات القرآنية.

وانطلقنا من هذا التوجيه وهذه اللغة التي تُهمَل (أنْ) فيها فلا ينتصب الفعل المضارع بعدها، واعتمدنا عليها لتوجيه الفقرة الخامسة ( لكيلا تضطربون) بتوجيه منطقي عقلي؛ وهو أنّ (كي) عند النحاة إما أنها تنصب بنفسها لشبهها بـــ (أنْ) أو تنصب بــ (أن) مضمرة، وقلنا إنه إذا كان الحال كهذه، و (أنْ) تُهمل في بعض الأحيان، فمن باب أولى أن تُهمل (كي) إما لأن عملها جاء لشبهها ب (أن) أو لأنه جاء لكون (أن) مضمرة بعدها.

وعندما قلنا بهذا التوجيه المنطقي العقلي لم يكن لدينا ما يثبت قولنا، ولم نكن قد اطّلعنا على رأي ابن مالك في الموضوع، والحمد لله كل الحمد أننا في النهاية قد اهتدينا إلى رأي ابن مالك في هذا الصدد والذي هو مطابق تمام التطابق لما قلناه في هذا التوجيه، ونرى أنه يؤكد صحة قولنا هذا وذلك في توجيهه لرفع الفعل المضارع بعد (حتى) التي هي الأخرى تنصب الفعل المضارع بــ (أن) مضمرة حيث قال في كتاب شواهد التوضيح ما يلي:

وقول البراء رضي الله عنه (إذا … رفع رأسه من الركوع قاموا قيامًا حتى يرونه قد سجد) (صحيح البخاري).

وقول ابن عباس رضي الله عنهما (إني خشيت أن أُخرجَكم فتمشون في الطين) ( سنن أبي داوود) (صحيح البخاري بلفظ أحرجكم)

وقول سعد (لقد اصطلحَ أهلُ هذه البَحْرة على أن يتوجُوه فيعصبونه) ( صحيح البخاري) و (مسند أحمد)

……

وفي “قاموا قيامًا حتى يرونه قد سجد” إشكال؛ لأن “حتى” فيه بمعنى “إلى أن”، والفعل مستقبل بالنسبة إلى القيام، فحقه أن يكون بلا نون، لاستحقاقه النصب.

لكنه جاء على لغة من يرفع الفعل بعد “أن” حملًا على “ما” اختها، كقراءة مجاهد {لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} بضم الميم. وكقول الشاعر:

يا صاحبيَّ فدت نفسي نفوسَكما … وحيثما كنتما لقيتما رَشَدا

إنْ تحملا حاجةَ لي خف محملها … تستوجبا منة عندي بها ويَدا

أنْ تقرآن على أسماء ويحكما … مني السلام وأن لا تُشعرا أحدا

وكقول الآخر:

أبى علماء الناس أن يخبروننى … بناطقة خرساء مسواكها حجر

((وإذا جاز ترك إعمالها ظاهرةً، فترك إعمالها مضمرة أولى بالجواز.))

وقوله “خشيت أن أخرجكم فتمشون” على تقدير: فأنتم تمشون.

ويجوز أن يكون معطوفا على “أن أخرجكم” وترك نصبه على اللغة التى ذكرتُها.

فيكون الجمع ببن اللغتين في كلام واحد بمنزلة قولك: ما زيد قائمًا ولا [27و] عمرو منطلق، فتجمع ، في كلام واحد بين اللغة الحجازية واللغة التميمية.

وقد اجتمع الإهمال والإعمال في الببت المبدوء ب “أن تقرآن”.

والكلام على “فيعصبونه” كالكلام على “فتمشون”.

وفي حديث الغار (فإذا وجدتهما راقدين قمت على رؤوسهما … حتى يستيقظان متى استيقظا) وهو مثل “حتى يرونه قد سجد“. (إ.هـ) {شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح 235-237}

إذن، نرى بأن ابن مالك يقرّ باللغة التي تهمِل (أنْ) حملا لها على (ما) المصدرية. وكذلك بناء على هذه اللغة يوجه رفع الفعل المضارع بعد (حتى) في الروايات الحديثية ( حتى يرونه) و (حتى يستيقظان) بقوله إنها جاءت على نفس اللغة التي تُهمل (أنْ) عندما تكون ظاهرة؛ فمن باب أولى أن تُهمل أيضا عندما تأتي مضمرة بعد الأحرف التي تنصب الفعل المضارع بأن مضمرة مثل (حتى). حيث قال: (وإذا جاز ترك إعمالها ظاهرةً، فترك إعمالها مضمرة أولى بالجواز).

وهذا المبدأ مثلما نراه ينطبق على (حتى) التي تنصب الفعل المضارع بأن مضمرة، فلا بدّ أن ينطبق أيضا على (كي)؛ لأن (كي) عند بعض النحاة مثل الخليل والأخفش أيضا تنصب الفعل المضارع بأن مضمرة.

فبناء على منهج الخليل والأخفش وقول ابن مالك في إهمال (أن) المضمرة يصح أن تُهمل (أن) المضمرة بعد (كي) أيضا، فلا ينتصب الفعل المضارع بعدها بل يبقى مرفوعا.

ويؤكد منهج الأخفش والخليل في نصب (كي) بأن مضمرة، ما جاء به السيوطي في الهمع حيث قال:

كي

(ص) كي إِن كَانَت الموصولة فالنصب بهَا عِنْد الْجُمْهُور أَو الجارة فبأن مضمرة …وَأنكر الكوفية كَونهَا جَارة وَقوم كَونهَا ناصبة …. (ش) الثَّالِث من نواصب الْمُضَارع كي وَمذهب سِيبَوَيْهٍ والأكثرين أَنَّهَا حرف مُشْتَرك فَتَارَة تكون حرف جر بِمَعْنى اللَّام فتفهم الْعلَّة وَتارَة تكون حرفا تنصب الْمُضَارع بعده وَاخْتلف هَؤُلَاءِ فمذهب سِيبَوَيْهٍ أَنَّهَا تنصب بِنَفسِهَا وَمذهب الْخَلِيل والأخفش أَن (أَن) مضمرة بعْدهَا وَذهب الْكُوفِيُّونَ إِلَى أَنَّهَا مُخْتَصَّة بِالْفِعْلِ فَلَا تكون جَارة فِي الِاسْم وَقيل إِنَّهَا مُخْتَصَّة بِالِاسْمِ فَلَا تكون ناصبة للْفِعْل….وَيدل أَيْضا على أَنَّهَا جَارة دُخُولهَا على (مَا) المصدرية” (إ.هـ) { همع الهوامع في شرح جمع الجوامع (2/ 368)}

النتيجة:

بناء على كل هذا نخلص إلى النتائج التالية:

  • يجوز إهمال أن الناصبة الظاهرة في الكلام على لغة من لغات العرب حملا لها على (ما ) المصدرية.
  • الحرف (كي) وفق مذهب الخليل والأخفش ينصب الفعل المضارع بأن مضمرة، مثله كمثل باقي الأحرف التي تنصب بأن مضمرة ومن بينها (حتى).
  • وفق ابن مالك إذا جاز إهمال (أن) الظاهرة فمن باب أولى أن يجوز إهمال (أن)ْ المضمرة.
  • لذا فالفعل المضارع يجوز أن يبقى مرفوعا بعد أن الناصبة أو بعد الأحرف التي تنصب الفعل المضارع بأن مضمرة بناء على لغت إهمال أن ظاهرة أو مضمرة.
  • يجوز ويصح رفع المضارع بعد أن وكي وحتى.
  • يثبت من كل هذا صحة الفقرات 5،6،7 المذكورة أعلاه في كلام المسيح الموعود عليه السلام، حيث بقي الفعل المضارع فيها مرفوعا بثبوت النون على لغة من يهمل أن ظاهرة أو مضمرة.

وبهذا نكون قد أثبتنا صحة جميع العبارات المعترض عليها في كلام المسيح الموعود عليه السلام المتعلقة بالأفعال الخمسة.

فاعتبروا يا أولي الأبصار!!!