المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود ع العربية ..27

نكتة إعتراف المسيح الموعود عليه السلام بأخطائه في الفعل اللازم والمتعدّي

حقيقة الخطأ في إلهام:”إني مهين لمن أراد إهانتك”، وردّ المسيح الموعود عليه..


لقد أسهبنا في المقال السابق في تفصيل حقيقة الفقرات التي ورد فيها التضمين في كلام المسيح الموعود عليه السلام، والتي ظنّها المعارضون أنها أخطاء في تعدية الأفعال ولزومها.

وفي هذا المقال سوف نورد فقرة مشابهة لهذه الفقرات، كتبها أحد خصوم المسيح الموعود عليه السلام وهو إلهي بخش، والذي ادعى أن الله تعالى ألهمه بحق المسيح الموعود عليه السلام بالإلهام التالي:”إني مهين لمن أراد إهانتك”. وقد بيّن المسيح الموعود عليه السلام، أن هنالك خطأ نحويا وقع في هذه الفقرة، بدخول اللام على الاسم الموصول (مَن). ونظرا لأن هذه الفقرة شبيهة بفقرات المسيح الموعود التي تحتوي على التضمين، تلقفها المعارضون واتخذوها دليلا على أخطاء المسيح الموعود عليه السلام في كل تلك الفقرات التي عرضناها في المقال السابق. وكأن المسيح الموعود عليه السلام يعترف ويقرّ بأخطائه هو.

الاعتراض:

ويتلخص اعتراض المعترضين بما يلي:

أن أسلوب إلهي بخش في إلهامه هذا شبيه بأسلوب المسيح الموعود عندما أخطأ في معاملته الأفعال المتعدية كأفعال لازمة. وهنا فقد أخطا إلهي بخش نفس الخطأ بأن عدى الفعل (أهان) – أو ما بمعناه من اسم الفاعل مهين- بحرف الجر (اللام) رغم كونه فعلا متعديا بنفسه، وهذا ما فعله المسيح الموعود عليه السلام في الكثير من الفقرات التي عرضناها في المقال السابق.

فإذا كان المسيح الموعود عليه السلام يخطّئ إلهي بخش في هذا الأسلوب، فهو إذًا يعترف بأخطائه كلها المشابهة لها، وبهذا يُدان المسيح الموعود عليه السلام من فمه والعياذ بالله.

ومن بين ما قاله المعارضون إن المسيح الموعود لم يشخّص الخطأ في إلهام إلهي بخش جيدا، إذ قد اقتصره على دخول اللام على الاسم (من)، رغم أن الخطأ الأساس وفق المعارضين يقع في معاملة الفعل (أهان) كمعاملة الفعل اللازم رغم كونه متعديا بنفسه.

ومن بين ما قاله المعارضون ما يلي: نستنتج من قول الميرزا أنّ قواعد النحو العربي مُلزمة، وليس الأمر فوضى كما يوهِم الأحمديون، وكأنّ هذه اللغة لا ضابط لها ولا قاعدة تحكمها، وأنّ أخطاء الميرزا لها قداسة.

وقد يعترض المعترضون علينا بأننا أذا سلّمنا وفق المقال السابق، أن كل الفقرات التي ورد فيها هذا الأسلوب عند المسيح الموعود هي من قبيل التضمين، فكيف للمسيح الموعود أن ينكر التضمين في إلهام إلهي بخش هنا!؟

الردّ:

نقول إن الدافع لكل هذه الاعتراضات التي يسوقها المعارضون هو جهلهم الفاضح بمسألة التضمين التي فصلناها في المقال السابق، وجهلهم بوجوده أصلا، فما بالكم لو خضنا في دقائقه وأحكامه.

لا أحد يقول أن اللغة لا ضابط لها، إنما نقوله أن هذه الضوابط غير مقتصرة على مستوى المدارس ولا مستوى الجامعات. فقواعد اللغة واسعة ومتشعبة ومن لا يسري على قاعدة معينة بإمكانه أن يتبع قاعدة أخرى.

ثم إن الضوابط المتبعة اليوم لم تأت كلها لتقول بأن غيرها من الضوابط غير صحيحة وغير فصيحة، بل الكثير من الضوابط والقيود جاءت لتسهيل وتيسير اللغة على أبنائها وعلى من يبغي تعلمها من غير العرب. فكان لا بدّ من تأطيرها في إطار متعارف عليه يحذو حذوه الجميع منعا للبلبلة.

أما بالنسبة لإلهام إلهي بخش: إني مهين لمن أراد إهانتك. فنقول إن المسيح الموعود عليه السلام أحسن وأصاب تشخيص الخطأ فيه، فلم يقُل إن الخطأ الوارد فيه هو لزوم الفعل المتعدي (أهان) كنوع من التضمين، ولم يقل إن التضمين ليس بطريق صحيح ولا قاعدة صحيحة. فلو أراد إلهي بخش أن يتبع التضمين هنا فقط، ولو أحسن القيام به لما اعرتض عليه المسيح الموعود عليه السلام. لأنه هو عليه السلام يتبع بنفسه هذا الأسلوب البليغ قي كتابة اللغة العربية. فلم يكن البتة، خطأ إلهي بخش في لزوم الفعل المتعدي (أهان) كما ظن المعارضون. بل الخطأ يكمن في طريقة استعماله لهذا الأسلوب الذي أبدع فيه المسيح الموعود نفسه.

والذي يريد أن يتبع قاعدة معينة لا بد أن يحيط بكل دقائقها حتى لا يقع في الخطأ. أما إلهي بخش فإن لم تكن العجمة هي سبب الخطأ عنده بالفعل، وإن كان هدفه التضمين فعلا، فإنه لم يحسن القيام به في هذا المقام، لأن أحد شروط التضمين هو عدم وقوع اللّبس في العبارة التي يُستعمل بها، بأن لا توحي بالمعنى العكسي المطلوب.

وهذا بالذات ما وقع فيه إلهي بخش، وهذا بالذات ما شخّصه المسيح الموعود عليه السلام، بأن التضمين لم يصلُح في هذه العبارة، لأنها قد وقع اللبس فيها وأوحت بالمعنى العكسي الذي أراده إلهي بخش، فكان قصد إلهي بخش أن الله سيهين سيدنا أحمد عليه السلام، إلا أن معنى إلهامه أن الله سيهينه هو فلم يصلح التضمين فيها، وهذا ما جهله المعارضون أيضا، لأنهم لم يسمعوا بحياتهم بهذا الأسلوب البليغ من التضمين ولم يعرفوا دقائقه.

ولذا نورد لكم ما قاله المسيح الموعود في هذا الصدد:

“ثم هناك إلهام آخر لإلهي بخش سجّله في الصفحة 79 من كتابه “عصا موسى” في حقي ونصه: “إني مهين لمن أراد إهانتك”. وفي هذه الجملة عيبٌ من حيث قواعد النحو إذ أُدخِل “ل” على “مَن”. إلا أن “إلهي بخش” استنتج منها بحقي أني سأُهان مقابله وسيستبين صدقه. والحق أن الله تعالى كان قد ألهمني قبل فترة من الزمن ما نصه: “إني مهينٌ من أراد إهانتك”، وكان “إلهي بخش” قد سمعه مني مرارا. وقد أرى الله تعالى عاقبة كل من بارزني. فلا يوجد في إلهام “إلهي بخش” من عنده إلا “ل” الذي يفيد الانتفاع، ولكنه في غير محله في الإلهام ويتنافى مع ما أراد الملهَم. ففي هذه الحالة كان معنى إلهامه أني سأهينك يا “إلهي بخش” تأييدا للذي يريد إهانتك. وإذا استُنتِج منه أن الله سيهينني أنا إن أردتُ إهانته -كما أراد “إلهي بخش”- فقد ثبت بطلان هذا المعنى بالبداهة لأني أنشر منذ سنين طويلة أن “إلهي بخش” كاذب في اعتبار نفسه موسى وفي تكذيبه إيايَ، لذا فسيُهينه الله تعالى، وقد نشرتُ إلهامي هذا منذ فترة لا بأس بها. فالواضح في هذه الحالة أن الله تعالى أهانه بإماتته بالطاعون في حياتي وخاب وخسر في كل ما ادّعى. ومن ناحية ثانية أكرمني الله إذ أدخل مئات الآلاف من الناس في جماعتي. {حقيقة الوحي (الخزائن الروحانيو مجلد 22)}

فخلاصة الكلام أن المسيح الموعود عليه السلام لم يخطّئ اتّباع الأسلوب العام للتضمين في إلهام إلهي بخش، وإنما خطّأ ما وقع في هذا الإلهام بالذات على أن التضمين لا يصلح فيها بسبب وقوع اللبس وإفادة المعنى العكسي. فلا يمكن بناء على تخطيئه هذا القول بأن عباراته عليه السلام المشابهة، والتي اتبع فيها أسلوب التضمين هي الأخرى غير صحيحة، وذلك لأنه لم يقع اللبس فيها ولم تفد المعنى العكسي المراد.

وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على عظمة المسيح الموعود عليه السلام، وعظمة علمه وإلمامه بدقائق هذه اللغة وامتلاكه لناصيتها، بفضل تعلمه أربعين ألفا من اللغات العربية في ليلة واحدة من الله تعالى.