المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود ع العربية ..73

نكتة اشتقاق اسم الفاعل واسم المفعول من الفعل اللازم من دون صلة للتعدية

أسلوب التضمين في الأسماء كما هو في الأفعال

الاعتراض:

يقول الاعتراض ما مفهومه: اسم الفاعل واسم المفعول لا يُشتَقّ من الفعل اللازم إلا ومعه صلة لتعديته إلى المفعول، فحين نقول: أنا من الذين أحسن الله إليهم، فلا يصحّ القول:أنا من المحسَنين؛ بل لا بدّ من القول أنا من المحسَن إليهم. كما لا يصح القول:الله محسنُنا بل الله محسنٌ إلينا.

إلا أن المسيح الموعود عليه السلام يخطئ حتى في هذا، فيشتق اسم الفاعل واسم المفعول من الفعل اللازم دون أداة للتعدية كحرف الجر مثلا. وقد وقع هذا الخطأ في الفقرات التالية، فيما أشير إليه بين الأقواس المزدوجة.

  1. 1: والله إنهم كانوا من ((المغفورين)) (سر الخلافة، ص 15). الصحيح: المغفور لهم.
  2. 2: وإنهم من ((المغفورين)) (إعجاز المسيح، ص 13). الصحيح: المغفور لهم.
  3. 3: أولئك هم الصالحون حقًّا وأولئك من ((المغفورين)) (الهدى والتبصرة، ص 74). الصحيح: المغفور لهم.
  4. 4: فأقامني برحمة خاصة في أيام إقلال وخصاصة، ليجعل المسلمين من ((المنعَمين)) (إتمام الحجة، ص 70). الصحيح: المنعم عليهم.
  5. 5: وما توفيقي إلا بالله الذي أنطقني من روحه، هو ربي و((محسني)) ومعلمي (التبليغ، ص 158). الصحيح: هو ربي والمحسن إليّ ومعلمي.
  6. 6: فما كنتُ أن آبى مِن أمر ربّي، أو أفتري عليه مِن تلقاء نفسي. هو ((محسني ومنعمي)) (دافع الوساوس، ص 13). الصحيح: المحسن إليّ والمنعم عليّ.
  7. 7: أيا ((محسني)) أُثني عليك (كرامات الصادقين، ص 11). الصحيح: أيا محسنا إليّ.
  8. 8: أَحْسِنْ إليّ يا ((مُحسني))، ولا أعلم غيرك من المحسنين (نور الحق، ص 129). الصحيح: يا محسنا إليّ.

فوفق زعم المعارضين فإن اشتقاق اسم المفعول من الأفعال (غفر) و(أحسن) و(أنعم) لا يصح إلا بتعدية الفعل بأحد حروف الجر، لتكون الصيَغ الصحيحة كما يلي: المغفور له/ المنعم عليهم / والمحسن إليّ/ والمنعم عليّ. وذلك لأن هذه الأفعال لازمة في الأصل وتتعدى بحروف الجر.

الردّ:

التوجيه الأول: على التضمين في الأسماء كما في الأفعال

كما نرى من الاعتراض فإن الحديث بالذات عن اشتقاق اسم المفعول من ثلاثة أفعال وهي: الفعل (غفر) والفعل (أنعم) والفعل (أحسن)، والتي تتعدى بأحرف الجر (اللام) و (على) و ( إلى)، فنقول (غفر الله له) و (أنعم عليه) و ( أحسن إليه). إلا أننا نرى بأن المسيح الموعود عليه السلام، قد عاملها معاملة الفعل المتعدي للمفعول، فاشتق منها اسما للمفعول مباشرة دون أداة التعدية أي دون حرف الجرّ.

إذن، فأساس هذا الاشتقاق يعود إلى تعدية هذه الأفعال مباشرة دون حرف جرّ، وهو ما قد فصّلنا الحديث عنه في المقالات السابقة بأنه أسلوب التضمين في الأفعال، والذي يعني إشراب فعل معنى فعل آخر ومعاملته كمثله، وهو أحد أساليب تعدية الفعل اللازم وإلزام المتعدي. فيكون الفعل وفق هذا الأسلوب متضمنا لمعنى الفعلين معا في آن واحد. ( للشرح والتفصيل ينظر: المظاهر الإعجازية 26 والمظاهر الإعجازية 72)

ونحن لسنا بحاجة أن نعيد الكرة والشرح والتفصيل عن أسلوب التضمين، سوى أن نذكّر بأن هذا الأسلوب ليس مقصورا على الأفعال، بل هنالك من النحاة من يُجريه على الأسماء والحروف أيضا، وهذا هو الرأي المشهور. لذلك فإن التعريف الأساسي للتضمين هو إشراب لفظ معنى لفظ آخر وليس بالذات إشراب فعل معنى فعل آخر.

وهنا أقول: إذا كان التضمين يسري على الأفعال بتضمين الفعل اللازم معنى المتعدي، وكذلك يسري على الأسماء أيضا، فهذا يؤكد صحة إجرائه وانطباقه على الأسماء المشتقة من الأفعال التي أجريت مجرى التضمين، كاسم الفاعل واسم المفعول.

ووفق هذا فإن الجمل أعلاه يثبت صحتها من منطلقين: الأول: من منطلق تضمين الأسماء معنى أسماء أخرى. والثاني: تضمين الأفعال معنى أفعال أخرى، على اعتبار أن هذه الأفعال هي الأصل لاشتقاق أسماء الفاعل وأسماء المفعول المذكورة أعلاه.

وبذلك يكون المسيح الموعود عليه السلام قد ضمّن الأفعال أو أسماء الفاعل وأسماء المفعول المذكورة في الفقرات أعلاه معان أخرى كما يلي:

  • ضمّن الفعل (غفر) معنى الفعل (رحم) أو الفعل (حفظ)؛ وبذلك يكون قد ضمّن اسم المفعول “مَغفورِين” معنى أسماء المفعول ” مرحومين” أو ” محفوظين”.
  • ضمّن الفعل (أنعم) معنى الفعل (أكرم) أو (نَعّم) أو (أعزّ)، وبذلك يكون قد ضمّن اسم المفعول ” مُنعَمين” معنى أسماء المفعول (مُكرَمين) و (مُنعَّمين) أو (مُعزَّزين)؛ وضمّن اسم الفاعل (مُنعِمي) معنى أسماء الفاعل (مُكرِمي) و (مُنعِّمي) و (مُعِزّني) .
  • ضمّن الفعل (أحسن) معنى الفعل (أكرم) أو (نعّم)؛ وبذلك يكون قد ضمن اسم الفاعل (مُحسِني) معنى أسماء الفاعل مكرِمي و(منعِّمي).

لتكون معاني الجمل أعلاه كما يلي:

  1. والله إنهم كانوا من ((المغفورين)) (سر الخلافة، ص 15). أي من المحفوظين والمرحومين.
  2. وإنهم من ((المغفورين)) (إعجاز المسيح، ص 13). أي من المحفوظين والمرحومين.
  3. أولئك هم الصالحون حقًّا وأولئك من ((المغفورين)) (الهدى والتبصرة، ص 74). أي من المحفوظين والمرحومين.
  4. فأقامني برحمة خاصة في أيام إقلال وخصاصة، ليجعل المسلمين من ((المنعَمين)) (إتمام الحجة، ص 70). أي من المكرَمين والمعزَّزين والمنعَّمين.
  5. وما توفيقي إلا بالله الذي أنطقني من روحه، هو ربي و((محسني)) ومعلمي (التبليغ، ص 158). أي مكرِمي ومنعِّمي.
  6. فما كنتُ أن آبى مِن أمر ربّي، أو أفتري عليه مِن تلقاء نفسي. هو ((محسني ومنعمي)) (دافع الوساوس، ص 13). أي مكرِمي ومنعِّمي ومعِزّني.
  7. أيا ((محسني)) أُثني عليك (كرامات الصادقين، ص 11). الصحيح:أي مكرِمي ومعِزني.
  8. أَحْسِنْ إليّ يا ((مُحسني))، ولا أعلم غيرك من المحسنين (نور الحق، ص 129). الصحيح: أي مكرِمي ومعِزني.

ومثلما نرى، فإن لتضمين هذه الكلمات قد اقترحنا أكثر من معنى الذي من الممكن أن يكون مضمَّنا في الفعل أو الكلمة الأصلية؛ وفي الحقيقة فإن هذا مجرد تقدير فيما يمكن أن يكون المعنى المضمَّن، إلا أن هذا لا يمنع تقدير معان وأفعال أخرى؛ إذ نحن لسنا ملزمين ولا يمكننا أن نشقّ عن ذهن المسيح الموعود عليه السلام، لمعرفة أي من هذه المعاني كان يقصد تضمينها في هذه الكلمات التي استعملها.

كل هذا على اعتبار أن هذه الأفعال (غفر) و (أحسن) و (أنعم) أُخذت على معانيها العادية، ووفق استعمالاتها الرائجة بتعديتها بحرف الجر كما أسلفنا.

إلا أنه وبالبحث الدقيق نرى بأن لهذه الأفعال معان أخرى يجوز حسبها تعديتها بنفسها دون حرف جر، وهو التوجيه الثاني الذي بناء عليه ممكن أن تثبت صحة الفقرات أعلاه، وفق التفصيل التالي:

التوجيه الثاني: جواز تعدية هذه الأفعال مباشرة

جواز تعدية هذه الأفعال بنفسها دون أي أداة أو صلة، أي دون حرف جر؛ حيث جاء في لسان العرب ما يلي:

الفعل غفر

وأَصل الغَفْرِ التَّغْطِيَةُ وَالسَّتْرُ. غَفَرَ اللَّهُ ذُنُوبَهُ أَي سَتَرَهَا؛….

وَقَدْ غَفَرَه يَغْفِرُه غَفراً: سَتَرَهُ. وَكُلُّ شَيْءٍ سَتَرْتَهُ، فَقَدْ غَفَرْته…

والغُفْرةُ: مَا يغطَّى بِهِ الشَّيْءُ. وغَفَرَ الأَمْرَ بِغُفْرته وغَفيرتِه: أَصلحه بِمَا يَنْبَغِي أَن يَصْلَح بِهِ. يُقَالُ: اغْفِروا هَذَا الأَمرَ بِغُفْرتِه وغَفيرتِه أَي أَصْلحوه بِمَا يَنْبَغِي أَن يُصْلَح…” (لسان العرب)

إذن، فإن أصل معنى الغفر هو الستر. ومن هذا المنطلق يحق للفعل (غفر) أن يتعدى بنفسه وأن يُشتق منه اسم مفعول حين يكون معناه (ستر)، فيصحّ حينها القول: مغفورين، بمعنى مستورين، دون اللجوء إلى التضمين في الكلام. ولا عجب أن يكون هذا هو قصد المسيح الموعود عليه السلام، إذ نرى أن السياق يدعم هذا المعنى، فليس القصد فقط غفران الذنوب بل ستر من يتحدث عنهم.

وجاء في لسان العرب عن الفعل أنعم ما يلي:

وأَمَّا أَنْعَمَ اللهُ بِكَ عَيْناً فَالْبَاءُ فِيهِ زَائِدَةٌ لأَن الْهَمْزَةَ كَافِيَةٌ فِي التَّعْدِيَةِ، تَقُولُ: نَعِمَ زيدٌ عَيْنًا وأَنْعَمَه اللهُ عَيْنًا، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ مِنَ أَنْعَمَ إِذَا دَخَلَ فِي النَّعيم فيُعدَّى بِالْبَاءِ، … وَنَزَلُوا مَنْزِلًا يَنْعِمُهم ويَنْعَمُهم بِمَعْنًى وَاحِدٍ؛ عَنْ ثَعْلَبٍ، أَيْ يُقِرُّ أَعْيُنَهم ويَحْمَدونه، وَزَادَ اللِّحْيَانِيُّ: ويَنْعُمُهم عَيْنًا، وَزَادَ الأَزهري: ويُنْعمُهم، وَقَالَ أَربع لُغَاتٍ.” (لسان العرب)

فوفق هذا يصح أن يتعدى الفعل (أنعم) مباشرة لنقول أنعمه الله بمعنى (أقرّ عينه)، ليصح وفق هذا اشتقاق اسم فاعل واسم مفعول منه مباشرة؛ فيصح القولُ: من المنعَمين أي من الذين أقرّ الله عينهم. كذلك يصح القول: الله مُنعِمي، أي الله هو الذي يُقرُّ عيني.

أما عن الفعل أحسن فقد جاء:

“فَلَمَّا كَثُرَ وَعُرِفَ أَضمروا الْقَوْلَ وَاكْتَفَوْا بِالْفِعْلِ مِثْلُ أَحْسَنَ وأَسْرَعَ وأَبْطَأَ، وإِنما هُوَ أَحْسَنَ الشيءَ وأَسرعَ العملَ {لسان العرب (2/ 544)}

“وَهُوَ يُحْسِنُ الشيءَ أَي يَعْمَله..” { لسان العرب (13/ 117)}

وبناء على هذا يصح أن يتعدى الفعل أحسن بنفسه ويصح الاشتقاق منه اسم فاعل دون حرف جرّ؛ وذلك وفق المعنى: أحسن الشيء أي عمله وجعله حسنا. فيصح القول: أيا محسني، أي يا من عملني وخلقني وجعلني حسنا.

ونرى بأن كل هذه المعاني تدعمها السياقات المختلفة التي جاءت فيها العبارات المعترض عليها في كلام المسيح الموعود عليه السلام.

وبذلك يثبت من منظار، ثان صحة كل هذه الفقرات التي اعتُرض عليها من اشتقاق اسم الفاعل والمفعول فيها من الأفعال اللازمة.