المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود ع العربية ..46

نكتة الخطأ في الأفعال الخمسة ..2

نكتة الخطأ في رفع المضارع المجزوم من الأفعال الخمسة


الاعتراض:

قيل بأن المسيح الموعود عليه السلام قد أخطأ في الفقرة التالية

وإن تحسبون أنكم على صدق وحق.. فلولا تأتون عليه بنظير من قبل (التبليغ)

وموضع الخطأ يكمن في رفع الفعل (تحسبون) بإثبات النون فيه لأنه من الأفعال الخمسة، وحقه أن يكون مجزوما بحذف النون، نظرا لورود (إنْ) الشرطية الجازمة قبله. فيجب أن تكون الصيغة (وإن تحسبوا) .

الردّ:

لا خطأ في كل هذا البتة! بل هي لغة عربية صحيحة وفصيحة وإن كانت قليلة الاستعمال. ووفق هذه اللغة تُحمل فيها (إنْ) الشرطية على أنها حرف مهمل غير جازم، فيبقى الفعل المضارع بعدها مرفوعا.

وعن هذه اللغة جاء في النحو الوافي، عند الحديث عن أنواع (إنْ) ما يلي:

ب- “إن” أنواع كثيرة، منها:

1- “إن، الزائدة”. وتسمى: “الوصلية”؛ أي: الزائدة لوصل الكلام بعضه ببعض، … كقول الشاعر يصف وجه غادة:

ما إن رأيت ولا سمعت بمثله … درا يعود من الحياء عقيقا

2- ومنها: “إن، المخففة من الثقيلة”، و”إن” النافية الناسخة، وقد سبقنا في النواسخ ج1، ومعهما “إن” النافية التي لا تعمل.

3- ومنها: “إنْ، الشرطية التي لا تجزم”. وهذه أضعف الأنواع، وأقلها دورانا في فصيح الكلام. ومن الواجب إغفال أكثر حالاتها؛ وعدم استعمالها إلا في بعض الصور.” {النحو الوافي (4/434 – 433) }

إذن، فيقرّ النحو الوافي أن (إنْ) الشرطية قد تقع في فصيح الكلام -ولو بقلة- دون أن تجزم، ورغم كونها بهذه الصورة قليلة في فصيح الكلام إلا أنها تبقى في عداد الفصيح منه.

وبهذا نرى بأن قواعد النحو نفسها تشهد على أن (إنْ) الشرطية ممكنأان لا تجزم الفعل بعدها بل يبقى مرفوعا.

وبالإضافة إلى هذه الشهادة فهنالك شهادة أخرى تندرج تحت ظاهرة التقارض في النحو والذي يعني:” تبادل الأحكام بين كلمتين بحيث تعطي كل كلمة الحكم الذي يختص بها إلى الكلمة الأخرى، سواء كانت هذه الكلمة اسما أم فعلا أم حرفا. {ظاهرة التقارض في النحو العربي (58/235 – 234) للدكتور أحمد محمد عبد الله}

ووفق هذا المبدأ نرى بأن (إنْ) الشرطية قد تتقارض الحكم النحوي مع أداة الشرط (لو) والتي هي أداة شرط غير جازمة، فتصبح وفق هذا التقارض (إنْ) الشرطية غير جازمة و(لو) جازمة.

وعن هذا التقارض بين (إنْ) الشرطية و(لو) جاء:

إنْ – لو

أ- (إنْ) بكسر الهمزة وتسكين النون المخففة: تأتي في الأساليب على وجوه عدة منها:

الأول: أن تكون نافية وتدخل حينئذ على الجملة الاسمية نحو قوله تعالى: {إن الكافرين إلا في غرور} (الملك: 20) وقوله تعالى: {إن أمهاتهم إلا اللائى ولدنهم} (المجادلة: 2} .

الثاني: أن تكون مخففة من الثقيلة فتدخل على الجملتين الاسمية والفعلية نحو قوله تعالى: {وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا} (الزخرف:35) ، وقوله تعالى: {وإن كل لما جميع لدنيا محضرون} (يس: 32) ، وقوله تعالى: {وإن كانت لكبيرة} (البقرة: 143) .

الثالث: أن تكون شرطية فتجزم فعلين: الأول يسمى فعل الشرط، والثاني جواب الشرط نحو قوله تعالى: {وإن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف} (الأنفال: 39) وقوله تعالى: {وإن تعودوا نعد} (الأنفال: 19) .

ويعد هذا الوجه أشهر استعمالاتها غير أنها قد تأتي في الأسلوب مفيدة معنى الشرط وهي غير جازمة مقترضة هذا الحكم من (لو) التي تفيد معنى الشرط وهي غير جازمة، ومثال (إنْ) غير الجازمة ما روي في الحديث: “فإلا تراه فإنه يراك” .

ب- أما (لو) فهي تأتي في الأسلوب حرف شرط في المستقبل إلا أنها لا تجزم، هذا هو المشهور في استعمالها …غير أن بعض العلماء ذكر أن (لو) قد تقترض من (إنْ) الشرطية حكم الجزم فتجزم الفعل المضارع، وقد أجاز ذلك جماعة في الشعر دون غيره منهم ابن الشجري …..

وعلى الرغم من ذلك فإنه يصح تقارضهما، أي إنْ ولو، لأنّ إنْ قد تحمل على لوْ فتهمل ولا تجزم، كقراءة ابن طلحة {فإما تَرَيْن} (مريم: 26) ، بياء المخاطبة الساكنة ونون الرفع المفتوحة، وحملت كلاهما على الأخرى لأنهما يفيدان الشرط، ويتفقان في ثنائية اللفظ، لذا قال ابن مالك:

وجوز الجزم بها في الشعر … ذو حُجّة ضعَّفها من يدري

وقال ابن مالك: يحمل معنى التردد لذا وقع له كلامان في هذه المسألة:

أحدهما: يقتضي المنع مطلقا في النثر والشعر، والثاني: ظاهره موافقة ابن الشجري فيما ذهب إليه. { ظاهرة التقارض في النحو العربي( 239-241)}

وبناء على ما جاء أعلاه نخلص إلى ما يلي:

(إنْ) الشرطية قد تقترض حكم (لو) في الكلام فلا تكون جازمة ويبقى الفعل بعدها مرفوعا.

هذه اللغة واردة في القراءات القرآنية، كقراءة ابن طلحة للآية: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي} (مريم 27) بياء المخاطبة الساكنة ونون الرفع المفتوحة، على صيغة {فإما تَرَيْن} (مريم: 27).

هذه اللغة واردة في كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم، أبلغ البلغاء وأفصح الفصحاء ومن أوتي جوامع الكلم. وذلك في الحديث الشريف: {قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْإِحْسَانُ قَالَ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنَّكَ إِنْ لَا تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ} (صحيح مسلم, كتاب الإيمان) والوارد أيضا في سنن ابن ماجة:{فَإِنَّكَ إِنْ لَا تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ } (سنن ابن ماجه, كتاب المقدمة)

وبورود هذه اللغة في القراءات القرآنية وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم فهذا يجعلها من فصيح الكلام الذي لا يمكن الطعن فيه.

من يطعن في هذه اللغة فإنه يطعن في الوحي القرآني الذي نزل على سبعة حروف ويطعن في والقراءات القرآنية والنبي محمد صلى الله عليه وسلم وفصاحته وبلاغته، ويطعن في الحديث الشريف ومحدِّثيه ورواته وجامعِيه وناقليه أمثال الإمام مسلم وابن ماجة. ولا يمكن أن يطعن في لغة هؤلاء إلا جاهل سفه نفسه!!

ثبت من كل هذا صحة كلام المسيح الموعود عليه السلام في قوله (إن تحسبون) في رفعه للفعل المضارع تحسبون بثبوت النون فيه لأنه من الأفعال الخمسة، وذلك على إهمال إن الشرطية وعدم إعمالها في الجزم مقترضة هذا الحكم من حرف الشرط غير الجازم (لو).

وثبت من كل هذا أن هذه اللغة واحدة من أربعين ألفا من اللغات العربية التي عُلمها المسيح الموعود عليه السلام من الرب العلام. وإنها واحدة من تجليات معجزة المسيح الموعود عليه السلام هذه في الفصاحة والبلاغة.