المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود ع العربية .. 71

نكتة الخطأ في الظرف المبني على فتح الجزأين

تنوين النصب على لغة ربيعة كما في كتب الحديث والروايات ولغة الشافعي

الاعتراض:

قيل بأن المسيح الموعود عليه السلام قد أخطأ في الجملة التالية:

وتتعهدها صباح ومساء زُمَرُ المعتقدين (مكتوب أحمد، ص 26).

وقيل بأن موضع الخطأ يكمن في كلمات الظرف (صباح ومساء)، والتي حُركت في الطبعات الجديدة لكتاب مكتوب أحمد بالفتحة ( صباحَ ومساءَ) على اعتبارها ظرف مبني على فتح الجزأين.

إلا أن هذا لا يصح وفق المعترضين، وذلك لأنه إذا كان ظرفا مبنيا على فتح الجزأين وجب سقوط الواو ليكون (صباحَ مساءَ)؛ وإلا فوجب اعتباره ظرفا ليس مبنيا على فتح الجزأين، بل بعطف جزئه الثاني على الأول، مما يحتم أن تظهر أجزاءه بتنوين النصب (صباحًا ومساءً).

وعلى “كلتي الحالتين” فالخطأ واقع في هذا التعبير لا محال، إما بوجود الواو بين جزأي الظرف المبني على فتح الجزأين أو بسقوط تنوين الفتح مع الألف في كلمة (صباحًا).

الرد:

المقدمة:

إن أحد توجيهات هذا التعبير هو بأخذه على أنه ليس مبنيا على فتح الجزأين، وذلك لتوسط الواو بين جزأيه وعطف أحدهما على الآخر، ليكون التعبير ( صباحًا ومساءً)؛ إلا أن تنوين النصب فيه جاء على لغة ربيعة، والتي لا تَكتب الألف في تنوين النصب عندها، فيكون التعبير وفقها كما يلي: “صباحً ومساءً” بسقوط ألف التنوين.

البحث والشواهد:

لقد أكّد هذا التوجيه ابن مالك في كتابه ” شواهد التوضيح ” في توجيهه لقول عائشة رضي الله عنها حيث قالت عن المحصب: {إِنَّمَا كَانَ مَنْزِلٌ يَنْزِلُهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } (صحيح البخاري, كتاب الحج). حيث تحدث ابن مالك عن توجيه كلمة “منزل” الواردة بالحديث بصيغة الرفع وحقها وفق القواعد الرائجة أن تكون منصوبة بالتنوين على اعتبارها خبرا لكان؛ فقال ما يلي:

أن يكون “منزل” منصوبًا في اللفظ، إلا أنه كتب بلا ألف على لغة ربيعة ، فإنهم يقفون على المنصوب المنوّن بالسكون وحذف التنوين بلا بدل، كما يفعل أكثر العرب في الوقف على المرفوع والمجرور.

وإنما كُتب المنوّن المنصوب بالألف، لأن تنوينه يُبدل في الوقف ألفًا، فروعي جانب الوقف كما روعي في “أنا”، فكُتب بألف لثبوتها وقفًا، ولم يبالوا بحذفها وصلًا، وكما روعي في “:مُسلمة” ونحوه، فكتب بالهاء لثبوتها وقفًا، ولم يبالوا بثبوتها في الوصل تاء. وكما روعي في “به” و”له” ونحوهما، فكتبا بلا ياء ولاواو كلما يوقف عليهما. ولو روعي فيهما جانب الوصل لكتبا بياء وواو.

فمن لم يقف على المنوّن المنصوب بألف استغنى عنها في الخط؛ لأنها على لغته ساقطة وصلًا ووقفًا. { شَوَاهِد التَّوضيح وَالتَّصحيح لمشكلات الجامع الصَّحيح 88-89}

وكذلك، فقد ذهب ابن مالك إلى نفس هذا التوجيه في توجيهه لقول أحد الصحابة حين سُئل: كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم؟ فأجاب الصحابي: “أربع”. فقال ابن مالك عن كلمة ” أربع” الواردة بلا ألف على أنها مرفوعة وحقها النصب ” أربعا”؛ قال ما يلي:

ويجوز أن يكون كُتب على لغة ربيعة، وهو في اللفظ منصوب كما تقدم في ثالث من أوجه “إنما كان منزل” ” {شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح (ص: 91)}

وقد ذكرنا هذا التوجيه بالتفصيل والشرح عند ردنا على الأخطاء المزعومة في رفع خبر كان ( مظاهر الإعجاز 51)  فمن الممكن الرجوع إليه.

ومما يؤكد صحة ما نقوله في هذا التوجيه هو أن هذا التعبير (صباح مساء) ليس محرّكا في النسخ الأصلية، بل جيئ بالتحريك من قبل الناشر في الطبعات الجديدة؛ فيجوز والحال هذه أن يكون التوجيه بتنوين النصب على لغة ربيعة دون كتابة الألف، لتكون الفقرة أعلاه كما يلي: وتتعهدها صباحً ومساءً زُمَرُ المعتقدين (مكتوب أحمد، ص 26).

ومما يؤكد صحة هذه اللغة من تنوين النصب على لغة ربيعة، هو ورودها في لغة الإمام الشافعي في ستة عشر موضعا من رسالته؛ نوردها هنا:

  • فإذْ كان مَن مع رسول الله ((ناسً))، غيرَ مَن جمَعَ لهم من الناس، وكان المخبرون لهم ((ناسً)) غيرَ مَن جمُع لهم.. {الرسالة للشافعي (1/ 59)}
  • قال “الشافعي”: وهو”معاوية بن الحكم”، وكذلك رواه غيرُ مالك، وأظن ((مالكً)) لم يحْفَظ اسمَه. {الرسالة للشافعي (1/ 76)}
  • وَجَلَدَ ابْنَهُ مِائَةً وَغَرَّبَهُ عَامًا، وَأَمَرَ ((أَنِيسً)) الأَسْلَمِيَّ” أَنْ يَأْتِيَ امْرَأَةَ الآخَرِ،.. {الرسالة للشافعي (1/ 250)}
  • قلت لابن عباس: إن ((نوفً)) البَكَاليَّ يزعم أن موسى صاحبَ الخضر.. {الرسالة للشافعي (1/ 442)}
  • وجدنا ((سعيدً)) بالمدينة يقول.. {الرسالة للشافعي (1/ 453)}
  • ويثبت كلَّ واحد من هذا ((خبرً)) عن عمر. {الرسالة للشافعي (1/ 454)}
  • – ووجدنا عطاءً، ((وطاوسً))،((ومجاهدً))، وابن أبي مليكة، وعكرمة بن خالد، وعبيد الله بن أبي يزيد، وعبد الله بن باباه، وابن أبي عمارٍ، ومحدثي المكيين، ووجدنا وهب بن مُنَبِّهٍ هكذا، ((ومكحولً )) بالشأم،.. {الرسالة للشافعي (1/ 456)}
  • – فقد أجزتَ الصلاة وأنت تعلم أحدَهما ((مخطئً))، وقد يمكن أن يكونا معاً مخطئين. {الرسالة للشافعي (1/ 489)}
  • – كما يكون متبعَ البيت بالعِيان، ((وطالبً)) قصْدَه بالاستدلال بالأعلام مجتهداً. {الرسالة للشافعي (1/ 508)}
  • – وزعمتَ أن في العبد تحريرَ رقبةٍ كهي في الحر ((وثمنً))، وأن الثمن كالدية؟ {الرسالة للشافعي (1/ 541)}
  • – فتكلُّمُ المُولي بالإيلى ليس هو ((طلاقً))، {الرسالة للشافعي (1/ 584)}
  • – ولا ((مفروضً )) لهم في كتاب الله فرضٌ منصوص. {الرسالة للشافعي (1/ 590)}
  • – أو ُتجعلَ للأخ خمسةَ أسداس، وللجد ((سدسً)). الرسالة للشافعي (1/ 595)

وعن هذه المواضع قال أحمد شاكر محقق الرسالة ما يلي:

والرسم بغير الألف جائز وقد ثبت في أصول صحيحة عتيقة من كتب الحديث وغيرها، بخطوط علماء أعلام ،ففي نسختين صحيحتين من المحلى لابن حزم حديث” كانوا يخرجون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعً من تمر أو صاعً من شعير”، ورسمت كلمة (صاع) بدون “ألف” أنظر المحلى (6: 122) وقد صححت ذلك على المخطوطتين منه ورأيتهما.

وفي صحيح البخاري المطبوع ببولاق طبقا للنسخة اليونينية، التي صححها الحافظ اليونيني والعلامة ابن مالك صاحب الألفية (ج 3 ص 3) في حديث ابن عمر ( كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: “أربع” في رواية أبي ذر بالنصب، وعلى العين فتحتان.

وفي هامش النسخة نقلا عن اليونينية: “على رواية أبي ذر رسم بعين واحدة، على لغة ربيعة من الوقف على المنصوب بصورة المرفوع والمجرور”.

وفي البخاري أيضا (ج 3 ص 33):” سمعت ثابتً البناني” وبهامشه ” هكذا في اليونينية بصورة المرفوع وعليه فتحتان”؛ وانظر شرح ابن يعيش على المفصل (ج 9 ص 69-70)” ( إ.هـ) {الرسالة للشافعي (1/ 59) تحقيق أحمد شاكر}

الخلاصة والنتيحة:

يثبت من كل ما أوردناه أعلاه ما يلي:

– كتابة تنوين النصب على لغة ربيعة يأتي بدون رسم الألف

  • هذه الكتابة جائزة وصحيحة ولا خطأ فيها البتة.
  • هذا التنوين وارد في كتب الحديث، والروايات، والشروح والفقه ، كصحيح البخاري والمحلى لابن حزم، وشواهد التوضيح لابن مالك، ورسالة الإمام الشافعي.
  • يشهد على صحة هذه اللغة جهابذة العلم والدين والفقه والنحو واللغة مثل: البخاري، الحافظ اليونيني، الإمام الشافعي الحجة في اللغة، ابن حزم، ابن مالك العلامة، أحمد شاكر محقق رسالة الشافعي.
  • يثبت بذلك أن لا خطأ وارد في عبارة المسيح الموعود عليه السلام: “وتتعهدها صباح ومساء زُمَرُ المعتقدين”. حيث يجوز حملها على هذه اللغة بتنوين النصب دون رسم الألف فيها: “صباحً ومساءً”
  • وبذلك يكون لهذه اللغة “تنوين النصب على لغة ربيعة دون كتابة الألف” مظهرا جديدا في لغة المسيح الموعود عليه السلام، زيادة على ما ذكرناه من مواضع فيما يتعلق ” برفع خبر كان” في المظاهر الإعجازية 51
  • وكل هذه لهي مظاهر الإعجاز اللغوي الذي يتجلى لنا يوما بعد يوم في لغة المسيح الموعود عليه السلام.