#المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود ع العربية..79

(ملحوظة: من يشق عليه قراءة المقال كله بإمكانه بعد المقدمة الانتقال مباشرة إلى النتيجة والتلخيص)

نكتة الخلط بين أم التعيينية وأو التشكيكية..4

لا نيّة في طلب التعيين بل حكمة أخلاقية ولفتة بلاغية لا تتحقق إلا بالعطف بـ (أو). .

الاعتراض:

يقول الاعتراض إن المسيح الموعود عليه السلام يخطئ في استعماله لأحرف العطف (أم) و (أو)، ويخلط بينهما في الاستفهام الذي مطلبه التعيين.

فـ (أم) يُؤتى بها في الاستفهام بمعنى (أيهما؟)، والجواب عليها بتعيين أحد الأشياء المسؤول عنها. بينما (أو) يُؤتى بها في الاستفهام بمعنى: “أأحد هذه الأمور وقع وحصل” والجواب عليها بــ: (نعم أو لا).

إلا أن المسيح الموعود عليه السلام، ورغم هذه القاعدة، يستعمل (أو) لطلب التعيين في الكثير من المواضع بدلا من (أم).

وقد عدّد المعارضون بناء على هذا ما يقارب الأربعين خطأ مزعزما من كلام المسيح الموعود عليه السلام، استعملت فيها (أو) بدلا من (أم) لهدف التعيين. كمثل الفقرة التالية: وما بقي لكم حس ولا حركة ولا أنتم تتنفسون؟ أأنتم نائمون أو ميتون؟ (التبليغ، ص 28).

الرد:

المقدمة :

لقد أثبتنا في المقال السابق، أن العطف بـ (أم) أو بـ (أو) في مثل هذه الجمل من الاستفهام منوط باختيار الكاتب أو السائل ومتعلق بنيته، فإن جزم بوقوع أحد الأمور المذكورة بعد همزة الاستفهام/ (هل) عطف بـ (أم) طالبا التعيين بمعنى أيها/ أيهما؟ وإن لم يجزم بوقوع ما بعد الهمزة بل شكّ في وقوعها، عطف بـ (أو) على معنى أحَدَثَ/ أيحدُث شيئ من هذه/هذين؟ والمسألة في المحصلة تعود إلى اختيار السائل، ولا يقيدها سوى أن يكون الاستفهام قابل للخروج عن معنى (أيها/ أيهما؟)، فإن لم يحتمل الخروج عن هذا المعنى لم يجز العطف بـ (أو)، بل تَحتم العطف بـ (أم).

وبناء على ذلك فقد أثبتنا جواز العطف بـ (أو) في كل استفهام جاز فيه الاقتصار على أحد الأمور الواردة بعد أداة الاستفهام. فحينها يكون معنى الاستفهام : أحدث شيء من هذه؟ ولا نيّة ولا جزم عندها للسائل بوقوع أحد هذه الأمور. فيكون السؤال والاستفهام كأنه استفهامان أو أكثر عن كل واحد من هذه الأمور، دُمجت في سؤال واحد، يُرجى منه الإجابة بـ: نعم أو لا.

فجواز العطف بـ (أو) بعد الاستفهام يقتضي ان يتحقق فيه الأمور التالية:

1- جواز الاقتصار على أحد الأمور المذكورة بعد الهمزة . 2- أن يكون السؤال بمعنى أحَدَث/ أيحدث شيء من هذه الأمور؟.3-  وحينها لا يقرّ السائل بوقوع أحد الأمور الواردة بعد الهمزة أو (هل).

وكمثال على هذا، إذا سأل السائل : ألقيتَ زيدا أو عمرا؟ 1- يجوز الوقف والاقتصار على أحد ما بعد الهمزة كأن تقول: ألقيتَ زيدا؟ أو ألقيت عمرا؟ 2-  لم يدّع ولم يقرّ السائل بوقوع لقاء أي من زيد أو عمر.3- المعنى على :ألقيتَ أحدهما؟ فإن تحققت هذه الأمور في الجمل التي عُطف فيها بـ (أو) كان هذا العطف صحيحا ومفتاحه الأول هو، إمكانية الوقف والاقتصار على أحد ما بعد الهمزة.

وبالرجوع إلى فقرات المسيح الموعود عليه السلام والتي ورد فيها العطف بـ ( أو) بعد الاستفهام أو الإخبار الذي بصيغة الاستفهام، نرى أنها كلها تنطبق عليها هذه المعايير التي تجيز العطف بـ (أو)، ففي كلها يجوز الاقتصار على أحد الأمور المذكورة بعد أداة الاستفهام الهمزة و (هل) ، ومن هنا يثبت أن فيها كلها لم يكن قصد المسيح الموعود عليه السلام طلب التعيين، لأن المعنى فيها لا يقتصر على معنى : أيهما/ أيها؟ وإنما لم يجزم ولم يقرّ المسيح الموعود بوقوع أحد الأمور الواردة بعد الهمزة أو (هل)، بل جاء السؤال شاكّا بوقوعها كلها على معنى: أحدث شيء من هذين أو هذه؟ ليكون الجواب فيها بنعم أو لا.

وفي الحقيقة ونظرا لإمكانية الاقتصار على أحد الأمور التي بعد أداة الاستفهام، فتكون هذه الفقرات وكأنها سؤالان دُمجا في سوال واحد؛ ففي قول المسيح الموعود عليه السلام: أأنتم نائمون أو ميتون؟

من الممكن اقتصار السؤال والوقف على أيٍّ مما سُئل عنه كما يلي: أأنتم نائمون؟ فيكون جوابه بـ: نعم أو لا . أأنتم ميتون؟ فيُجاب عنه بنعم أو لا. ويكون السؤال أأنتم نائمون أو ميتون؟ دَمجا للسؤالين في سؤال واحد، يُطلب فيه الإجابة بـ: نعم أو لا. حيث إن نيّة السائل ليست التعيين، بل الاستخبار إن كان حدث أحد هذه الأمور، فيسأل عن حدوث كل واحد منها في سؤال واحد.

أما الآن فسوف نثبت تحقق هذه المعايير والقواعد على كل الفقرات التي اعتُرض عليها من كلام المسيح الموعود عليه السلام في هذا الصدد، بإثبات انطباقها على عيّنة من هذه الجمل.

التفصيل:

انطباق هذه القواعد والأمثلة على فقرات المسيح الموعد عليه السلام:

نذكر فيما يلي الفقرات المعترض عليها لإثبات أنه تنطبق عليها القواعد التالية:

  • إمكانية الوقف واقتصار الاستفهام على أحد الأمور المستفهَم عنها بعد الهمزة، أو (هل). لإثبات إمكانية أن يكون السؤال غير مقتصَر على معنى أيها/ أيهما؟
  • إمكانية أن يكون معنى السؤال: أَحَدَث شيء من هذين/هذه؟ وكون الجواب عليها بـ (نعم أو لا)
  • أن تكون نيّة المسيح الموعود عليه السلام من السؤال هي الشك وعدم الجزم والإقرار بوقوع أو حدوث أيٍّ من الأمور الواردة بعد أداة الاستفهام؟

فإذا انطبقت هذه القواعد خاصة بانطباق القاعدة الأولى منها، على فقرات المسيح الموعود عليه السلام؛ فيثبت صحة كل هذه الفقرات وصحة العطف بـ (أو) فيها.

 

الفقرات:

  • وما بقي لكم حس ولا حركة ولا أنتم تتنفسون؟ أأنتم نائمون أو ميتون؟ (التبليغ، ص 28).
  • أأنتم نائمون؟ أأنتم ميتون؟ يجوز الاقتصار على أحدهما؛ والسؤال عبارة عن سؤالين.ولا اقتصار على معنى: أيها/أيهما؟
  • أحَدَث شيء من هذين أنكم نائمون أو ميتون؟ الجواب:نعم أو لا. أو بالتعيين لما فيه جواب وزيادة.
  • لا يقرّ المسيح الموعود عليه السلام بحدوث النوم أو الموت، بل يشك في حدوثهما، ويسأل عن إمكانية حدوثهما.

 

  • أفشَقَّ عليكم أن يجيء مسيحكم منكم، أو أردتم أن تكذّبوا وعد المولى؟ (الخطبة الإلهامية، ص 36).
  • أفشق عليكم..؟ أأردتم أن تكذبوا..؟ يجوز الاقتصار على أحدهما؛ والسؤال عبارة عن سؤالين.ولا اقتصار على معنى: أيها/أيهما؟
  • أحَدَث شيء من هذين أن شق عليكم مجئء مسيحكم منكم، أو أن أردتم أن تكذبوا وعد المولى؟ والجواب:نعم أو لا. أو بالتعيين لما فيه جواب وزيادة.
  • لا يقرّ المسيح الموعود عليه السلام بحدوث أي من هذين الأمرين، بل يشك في حدوثهما، ويسأل عن إمكانية حدوثهما.

 

  • ولله دقائق في أسراره، واستعارات في أخباره، أأنتم تحيطونها أو تنكرون كالمستعجبين؟ (مكتوب أحمد، ص 9).
  • أأنتم تحيطونها؟ أأنتم تنكرون كالمستعجبين؟ يجوز الاقتصار على أحدهما؛ والسؤال عبارة عن سؤالين.ولا اقتصار على معنى: أيها/أيهما؟
  • أحَدَث شيء من هذين الأمرين؟ والجواب:نعم أو لا. أو بالتعيين لما فيه جواب وزيادة.
  • لا يقرّ المسيح الموعود عليه السلام بحدوث أي من هذين الأمرين، بل يشك في حدوثهما، ويسأل عن إمكانية حدوثهما.
  • أأنت أسبَقُ منهم، أو أنت من المجنونين؟ (نور الحق، ص 89).
  • أأنت أسبق منهم؟ أأنت من المجنونين؟ يجوز الاقتصار على أحدهما؛ والسؤال عبارة عن سؤالين.ولا اقتصار على معنى: أيها/أيهما؟
  • أحَدَث شيء من هذين الأمرين؟ والجواب:نعم أو لا. أو بالتعيين لما فيه جواب وزيادة.
  • لا يقرّ المسيح الموعود عليه السلام بحدوث أي من هذين الأمرين، بل يشك في حدوثهما، ويسأل عن إمكانية حدوثهما.
  • فما تقول في تلك المسائل وفي قائلها؟ أأنت تقرّ بغوائلها، أو أنت تجوّز العمل عليها والتمسك بها ولا تحسبها من خيالات المتبدِّعين؟ (إتمام الحجة، ص 58).
  • أأنت تقر بغوائلها؟ أأنت تجوز العمل عليها ..؟ يجوز الاقتصار على أحدهما؛ والسؤال عبارة عن سؤالين.ولا اقتصار على معنى: أيها/أيهما؟
  • أحَدَث شيء من هذين الأمرين؟ والجواب:نعم أو لا. أو بالتعيين لما فيه جواب وزيادة.
  • لا يقرّ المسيح الموعود عليه السلام بحدوث أي من هذين الأمرين، بل يشك في حدوثهما، ويسأل عن إمكانية حدوثهما.

 

  • والآن انظروا! أنحن نُعرِض عن القبول أو كنتم معرضين؟ (مكتوب أحمد، ص 43).
  • أنحن نعرض عن القبول؟ أكنتم معرضين؟ يجوز الاقتصار على أحدهما؛ والسؤال عبارة عن سؤالين.ولا اقتصار على معنى: أيها/أيهما؟
  • أيحدث شيء من هذين الأمرين، أن نعرض نحن، أو أن تعرضوا أنتم؟ والجواب:نعم أو لا. أو بالتعيين لما فيه جواب وزيادة.
  • لا يقرّ ولا يجزم المسيح الموعود عليه السلام بحدوث أيٍّ من هذين الأمرين مسبقا، بل يبقيها موضع الشك ليتضح أمرها بعد الإثبات الذي سيسوقه فيما بعد، ويسأل عن إمكانية حدوث كل واحد منها. وكأنه يقول لمعارضيه: دعكم من كل هذا، ولن أجزم ولن أقر مسبقا إذا كنا نحن نعرض عن الحق أو أنتم تعرضون؛ ولكن خذوا هذا الإثبات وانظروا إن كنا نعرض نحن عن الحق أو إذا كنتم تعرضون عنه أنتم.

كل الفقرات التالية ينطبق علها نفس الكلام ونفس المبدأ:

  • أنسيتم ما جاء الناموس به أو كنتم قوما غافلين؟ (مكتوب أحمد، ص 29).
  • أنسيتم ما تقرأون في القرآن أو رضيتم بتكذيب كلام ربكم الأعلى؟ (الخطبة الإلهامية، ص 30).
  • ولا يُظهِر على غيبه أحدا إلا الذي طهّره بيد القدرة، أأنتم تحيطون أسراره أو تجادلونه معترضين؟ (مكتوب أحمد، ص 8).
  • أأنتم تجادلونه على ما فعل أو تقومون محاربين؟ (مكتوب أحمد، ص 22).
  • أأنتم تطفئون نور حضرة الكبرياء، أو تدوسون الصادقين؟ (حجة الله، ص 87).
  • أأنتم تهدّون ما شاد، أو تمنعون ما أراد؟ (حجة الله، ص 91).
  • أأنت تنام أو كنتَ من المعرضين؟ (سر الخلافة، ص 84).
  • فقلتُ: يا هذا قد آلَوا مِن قبل خواصُّ أئمّتك، وأكابر ملّتك، أأنت أفضل منهم أو تحسبهم من الفاسقين؟ (مكتوب أحمد، ص 73).
  • أهُمْ يموتون مِن غير أن يحضرهم قابض الأرواح أو تطيش سهام مناياهم؟ (حمامة البشرى، ص 147).

 

  • أفذلك مقام الشك أو كنت من المجنونين؟ (نور الحق، ص 149).

 

  • ما لكم تدوسون قول الله تحت الأقدام؟ ألا تموتون أو تُترَكون سُدًى؟ (الخطبة الإلهامية، ص 34).
  • ألم تأتك أخبارها أو أنت من الغافلين؟ (تحفة بغداد، ص 23).
  • أظننتم أن الله أخلفَ وعده أو كنتم قومًا غافلين؟ (سر الخلافة، ص 105).
  • أنسيتم أَخْذَ الله وضغطةَ القبر، أو لكم براءة في الزبر، أو أُذِنَ لكم من الله رب العالمين؟ (سر الخلافة، ص 110).

 

  • أفأنت أعلم منهم أو أنت من المجانين. (إتمام الحجة، ص 67).
  • وتوبوا مِن ذكر محاسن الإنجيل ولطائف آدابه. أهو يشابه الفرقانَ في بيان النكات، أو يتحاذى في الدرجات (نور الحق، ص 124).
  • ألا تقرأون القرآن أو به تكفرون (الهدى والتبصرة، ص 63).
  • ألا تقرأون سورة “النور”، أو على القلوب أقفالها، أو إلى الله لا تُرَدّون؟ تكفرون (الهدى والتبصرة، ص 63).
  • يا حسرة عليهم! ألا يتدبّرون القرآن، أو هم قوم عمون؟ (الهدى والتبصرة، ص 64).
  • ألا تنظرون إلى الزمان، أو على القلوب أقفال من الطغيان؟ (الهدى والتبصرة، ص 127)
  • أتريدون أن يظهر مَينُنا أو مينُكم؟ (مكتوب أحمد، ص 61).

المعنى أتريدون أن يظهر أحد هذين، ميننا أو مينكم؟ والجواب ممكن أن يكون نعم أو لا.

  • أفأنت أعمى أو أخُ الشيطان
  • أَأَنتم نَعَمٌ أو أناس عاقلون؟ (الخطبة الإلهامية، ص 47).
  • أأنتم نعم؟ الجواب: نعم أو لا. أأنتم أناس عاقلون؟ والجواب :نعم أو لا. يجوز الاقتصار على أحدهما؛ والسؤال عبارة عن سؤالين.ولا اقتصار على معنى: أيها/أيهما؟
  • أحَدَث شيء من هذين الأمرين؟ والجواب:نعم أو لا. أو بالتعيين لما فيه جواب وزيادة.
  • لا يقرّ المسيح الموعود عليه السلام بحدوث أي من هذين الأمرين، بل يبقيهما في موضع الشك من حيث الحدوث، ويسأل عن إمكانية حدوث أحدهما. فهو يشك في كون المعارضين من النعم، كما يشك في كونهم من العاقلين؛ ويسأل إن كان شيء من هذه واقع، ليكون الجواب إما: نعم، نحن نعم إن أقرّ المعارضون بجهلهم؛ أو : نعم، نحن عاقلون إن لم يقرّوا.
  • هذه العبارة شبيهة بمثال سيبويه: “ما أدري أقام أو قعد”. أو بمثال آخر ذكرناه :لا أدري أأقام أو أذّن.(أنظر الشرح الخاص بهذه العبارات في المقال السابق، المظاهر الإعجازية 78) . فنظرا لما صدر من المعارضين من تصرف في رد نعمة الله تعالى وهو تصرف كتصرف الأنعام ويبدون في تصرفهم هذا كالأنعام وهم ليسوا أنعاما في الحقيقة، وابتعدوا بذلك عن كونهم من العاقلين،؛ فكأن حضرته عليه السلام يقول لا أحسبهم أناسا عاقلين ولا أدعي أنهم كذلك في تلك الحال، ونظرا لأنهم ليسوا أنعاما في الحقيقة رغم تصرفهم كالأنعام، فنزّلَ الوصفين منزلة ما لم يكن ولم يحدث بالفعل ولا يُعتدّ به فصاروا بمنزلة من لا عَقْل يُحسب لهم ولم يستبن من تصرفهم كالأنعام أنهم أنعاما بالفعل فتساءل: أشيء من هذين أنتم؟ إذ بتصرفكم لم يعد يُعرف إذا كنتم نعم أو أناس عاقلون، واختلط أمركم ببعضه.

 

  • أأنت إنسان أو من العجماوات؟ (مواهب الرحمن، ص 90).

الشرح كسابقتها. حيث ينزّل حضرته عليه السلام الوصفين بمنزلة ما لم يكن وما لا يعتدّ به، وكأن أمرَ العدو اختلط ببعضه فلا يُعرف إن هو إنسان حقيقة أو من العجماوات.

  • ما ندري أين نكون غدا، أفي الأحياء أو في الذين يُشغَبون ثم يُقتلون (التبليغ، ص 83).
  • ما ندري أنكون في الأحياء؟ والجواب نعم أو لا. ما ندري أنكون في الذين يشغبون ثم يقتلون؟ والجواب نعم أو لا. فيجوز الاقتصار على أحدهما؛ والسؤال عبارة عن سؤالين.ولا اقتصار على معنى: أيها/أيهما؟
  • أحَدَث شيء من هذين الأمرين؟ والجواب:نعم أو لا. أو بالتعيين لما فيه جواب وزيادة.
  • لا يقرّ المسيح الموعود عليه السلام بحدوث أي من هذين الأمرين، بل يشك في حدوثهما، ويسأل عن إمكانية حدوثهما.

وهذا شبيه بقول سيبويه “لا أدري أقام او قعد”. وأكدّ النحو الوافي تجويز سيبويه للعطف  بـ (أو) بعد لا أدري ولا أعلم وما شابهها. حيث فيها يُنزّل الفعل منزلة ما لم يحدث، ويبقى موضع الشك من الحدوث، فيُعطف في مثل هذا الاستفهام بـ (أو).

والمعنى: ,وفق هذا التوجيه: إن أمرنا اختلط ببعضه فلم يعد يُعرف منه إن نكون من الأحياء أو من الذين يُقتلون، فنزّل الفعلين منزلة ما لم يحدث وتساءل عن إمكانية حدوثهما، أيحدث شيئ من هذين غدا؟.

 

  • يا خبير أخبِرْني في أمر أحمد بن غُلام مرتضى القادياني، أهو مردودٌ عندك أو مقبول؟ أهو ملعون عندك أو مقرون؟ (تحفة بغداد، ص 18).

والمعنى: أنا لا أدعي شيئا من هذا، لا أدعي ولا أعرف إن وقع وحدث شيء من هذا بأنه مردود أو مقبول أو ملعون أو مقرون، فأخبرني يا رب هل حدث شيء من هذا. والجواب يكون بنعم او لا على كل واحد منهما .

ولعل في هذه لفتة أخرى، بأن استخارة كهذه لا بد أن تكون متجردة من حكم أوّلي، وأن المقبِل على الله تعالى لاستخارة كهذه، لا بد أن يتجرد من أي حكم مسبق. فلا يقر مسبقا بأن أحد هذه الأشياء حاصل. بل يطلب المعرفة من الله تعالى عن حقيقة هذه الأمور أهي صحيحة أم لا.

 

  • وأرقب ما تجيبون، أتولون الدبر أو تكونون من المناضلين. (كرامات الصادقين، ص 2).

هذا استفهام في موضع الإخبار، بمعنى: لا أدري وليت شعري أتولون الدبر أو تكونون من المناضلين؛ فيريد  المسيح الموعود عليه السلام أن يعرف  إن يحدث شيء من هذين. فهو لا يدعي مسبقا حدوث أحد الأمرين، لربما لالتزام الحياد منه، أو أنه ينزل الفعل منزلة ما  لن يحدث. وأثبتنا بأن سيبويه يجيز العطف بـ (أو) في هذه الحالة. ومثيلها الفقرة التالية:

 

  • وينظر الله أتحبونه أو تحبون أشياء أخرى.(نور الحق، ص 16)
  • انظر إلى هذه الآية الموصوفة، أتُثني على الصدّيق أو تجعله مورد اللوم والمعتبة؟ (سر الخلافة، ص 30)

المعنى: أنظر أيحدث شيء من هذين في الآية المذكورة دون جزم مسبق بوقوع أحدهما؟

  • وإنّي والله من عنده، وهو لي قائم، فما رأيك أيها العزيز .. أتقبل أو تأبى؟ (مواهب الرحمن، ص 7)
  • المعنى: أتقبل؟ أتابى؟ يجوز الاقتصار على أحدهما؛ والسؤال عبارة عن سؤالين.ولا اقتصار على معنى: أيها/أيهما؟
  • أيحدث شيء من هذين الأمرين؟ والجواب:نعم أو لا. أو بالتعيين لما فيه جواب وزيادة.
  • لا يقرّ المسيح الموعود عليه السلام بحدوث أي من هذين الأمرين، ربما لالتزام الحياد وعدم الحكم المسبق على المخاطب) بل يشك في حدوثهما، ويسأل عن إمكانية حدوثهما.
  • فهل أنتم تقبلونني أو تردّون من أتاكم من الحضرة؟ (حقيقة المهدي، ص 174). (كسابقتها)

النتيجة والتلخيص

 

 اللفتة البلاغية والحكمة الأخلاقية من العطف بـ (أو) بدلا من (أم)

 

من كل ما تقدم نرى أن كل هذه الفقرات المعترَض عليها من كلام المسيح الموعود عليه السلام، تنطبق عليها القواعد التي تجيز العطف بـ (أو) بدلا من (أم)، لأنه من الممكن الاقتصار على أحد الأمرين المذكورين بعد أداة الاستفهام، ولا لزوم ولا اقتصار للمعنى فيها على معنى أيها/ أيهما. وفيها كلها كان الاستفهام بمعنى :أحدث أو أيحدث شيء من هذه أو هذين؟ إذ لم يجزم المسيح الموعود عليه السلام ولم يقر بوقوع أحد هذه الأمور مسبقا. أو أنه رغم معرفته بوقوعها إلا أنه نزّلها منزلة ما لم يقع كما وضّحنا ذلك. وهو في الحقيقة لا يطلب التتعيين في كل هذه الفقرات لحكة أخلاقية أو لفتة بلاغية.

أما الحكمة والسبب في عدم جزم حضرته عليه السلام مسبقا بوقوع أحد الأمور المستفهم عنها فقد يعود إلى عدة أمور، مثلا:

  • اتخاذه الحياد المسبق في نقاشه وجداله مع الأعداء
  • يطلب من المعارضين الالتزام بالحياد المسبق سواء في الحكم على الأمر الذي يستفتيهم فيه مثل استخارة الله وقبول أو عدم قبول دعواه.
  • عدم رغبته في الطعن بأعدائه عندما يوبخهم، فمثلا عندما يقول للعدوّ: أفأنت أعمى أو أخُ الشيطان، فإنه يقول أنا لا أدعي أنك أعمى أو أخ الشيطان، ولكن أسألك هل حدث شيء من هذا لك؟. ولو جاء العطف بـ (أم) لكان في الحقيقة طعن في العدو، بمعنى أن المسيح الموعود عليه السلام، يقرّ مسبقا بأنّ العدو هو واحد من هذين، أي إما أعمى وإما أخُ الشيطان، وهذا بحد ذاته طعن، لذا لم يكن من المناسب العطف بـ (أم) وجيئ بدلا منه بالعطف بـ (أو).
  • عدم رغبته عليه السلام، في الحكم المسبق على الأعداء، في عدم قبولهم الإيمان به وعدم الإنصياع لأوامر الله تعالى، والتي كان يذكّرهم بها.
  • فكل هذه الأمور لا يمكن تحققها إذا تمّ العطف بـ (أم) لأن فيه جزم وإقرار مسبق من قبل السائل بواحد من الأمور التي يسأل عنها.
  • هذا عدا عن أن العطف بـ (أو) يجيز إلى جانب الإجابة بنعم أو لا، إمكانية التعيين إن أراد المجيب أن يعين الإجابة.
  • بقي أن ننوه إلى أن الاستفهام في العديد من هذه الفقرات، من الممكن أن يُحمل على التقرير والتوبيخ وهو أسلوب بلاغي، يخرج فيه الاستفهام عن مقتضى الظاهر، ليؤدي معان أخرى، مثل التوبيخ والإنذار والتحذير والتنبيه، أو التقرير والذي هو إلزام المخاطب بأن يقرّ بالشيء المعروف عنده مسبقة. كما في الآية الكريمة: { قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (73) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ } (الشعراء 73-74).
  • على أي حال، فإن النتيجة الحتمية من كل هذا البحث، أنه لا خطأ ولا خلط واقع في كل هذه الفقرات، بل لغة عربية فصيحة بليغة يعجز عن فهمها قصيري النظر وجهلاء اللغة.
  • وكل هذا تجلّ آخر للإعجاز في لغة المسيح الموعود عليه السلام العربية، وآية أخرى من آيات صدقه عليه السلام.