المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود ع العربية ..28

نكتة العجمة في الخلط بين حروف الجرّ …

( ملحوظة: من يشق عليه قراءة المقال كله بإمكانه أن ينتقل بعد المقدمة إلى النتيجة مباشرة.)

المقدمة:

الاعتراض:

أورد المعترضون العديد من الفقرات من كتابات المسيح الموعود عليه السلام وإلهاماته، وادعوا أن فيها خلطا بين حروف الجرّ؛ فبدلا من أن يستعمل المسيح الموعود عليه السلام حرف جر معين يناسب الفعل الذي معه ذكر بدلا منه حرف جرّ آخر لا يصلح من حيث النحو والمعنى. وعزَوا هذه الأخطاء وهذا الخلط مرة أخرى وفق أوهامهم وجهلهم إلى العجمة وتأثر المسيح الموعود عليه السلام بالأفعال من اللغة الأردية المشابهة لتلك المستعملة بالعربية؛ ليكون الخطأ ناتج عن ترجمة حرفية من اللغة الأردية ولضغط اللغة الأردية والعجمة على المسيح الموعود عليه السلام.

الردّ:

نقول إن هذا الاعتراض يثبت مدى الجهل الذي يغرق به المعترضون. فإن ما يظنونه خطأ أو خلطا في حروف الجر في كل الفقرات التي عرضوها، ليس هو يخلط ولا خطأ ولا يدَ للعجمة فيه البيتة. بل إن كل هذه الفقرات لهي لغة عربية فصيحة وبليغة تندرج تحت قواعد لغوية غاية في الفصاحة والبلاغة، الأول منها هو مبدأ لغوي يُعرف بـ “نيابة حروف الجر عن بعضها البعض”، والثاني هو التضمين الذي فصّلنا الحديث عنه في المقال السابق.

البحث والتفصيل:

فأما نيابة حروف الجر مكان بعضها، فهو مبدأ أكثر ما يُعزى إلى الكوفيين، إلا أن هنالك من المحققين الذين رفضوا قَصره على الكوفيين بل عزوه أيضا إلى كبار البصريين مثل سيبويه والمبرّد.

والرأي الغالب، هو أن البصريين لا يقولون بنيابة حروف الجر عن بعضها، بل يقولون إن لكل حرف جر معنى حقيقي واحد لا يخرج عنه، وإذا خرج عنه فلا بد من حمله على المجاز أو التضمين. وأما الكوفيون فيُجيزون نيابة أحرف الجرّ مناب بعضها بعضا، ويقولون إن حرف الجرّ الواحد بإمكانه أن يحتمل أكثر من معنى حقيقيّ واحد دون الحاجة للمجاز والتضمين في فهمه.

وقد لخص هذين المذهبين النحو الوافي بما يلي:

مذهب البصريين:

الأول: أنه ليس لحرف الجر إلا معنى واحد أصلي يؤديه على سبيل الحقيقية لا المجاز؛ … فإن أدى الحرف معنى آخر غير المعنى الواحد الأصلي الخاص به وجب القول: بأنه يؤدي المعنى الآخر الجديد إما تأدية “مجازية” “أي: من طريق المجاز، لا الحقيقية”، وإما تأدية، “تضمينية” “أي: بتضمن الفعل، أو: العامل الذي يتعلق به حرف الجر الأصلي ومجروره، معنى فعل أو عامل آخر يتعدى بهذا الحرف”، فحرف الجر مقصور على تأدية معنى حقيقي واحد يختص به، ولا يؤدي غيره إلا من طريق “المجاز” في هذا الحرف، أو من طريق “التضمين” في العامل الذي يتعلق به الجار الأصلي مع مجروره. ( إ.هـ){النحو الوافي (2/ 537- 538) }

وعن مذهب الكوفيين:

“والمذهب الثاني: أن قصر حرف الجر على معنى حقيقي واحد، تعسّفٌ وتحكمٌ لا مسوّغ له، فما الحرف إلا كلمة، كسائر الكلمات الاسمية والفعلية، وهذه الكلمات الاسمية والفعلية تؤدي الواحدة منها عدة معان حقيقية، لا مجازية، ولا يتوقف العقل في فهم دلالتها الحقيقية فهمًا سريعًا، فما الداعي لإخراج الحرف من أمر يدخل فيه غيره من الكلمات الأخرى، ولإبعاده عما يجري على نظائره من باقي الأقسام؟”

إنه نظيرها؛ فإذا اشتهر معناه اللغوي الحقيقي، وشاعت دلالته، بحيث يفهمها السامع بغير غموض، كان المعنى حقيقيًا لا مجازيًا، وكانت هذه الدلالة أصيلة لا علاقة لها بالمجاز، ولا بالتضمين ولا بغيرهما، فالأساس الذي يعتمد عليه هذا المذهب في الحكم على معنى الحرف بالحقيقية هو شهرة المعنى اللغوي الأصلي المراد وشيوعه،

بحيث يتبادر ويتضح سريعًا عند السامع؛ لأن هذه المبادرة علامة الحقيقة، وإن من يسمع قول القائل: “كانت في الصحراء، ونفد ما معي من الماء، وكدت أموت من الظمأ، حتى صادفت بئرًا شربت من مائها العذب ما حفظ حياتي التي تعرضت للخطر من يومين. . .”، سيدرك سريعًا معنى الحرف: “من” وقد تكرر في هذا الكلام بمعان لغوية مختلفة: أولها: بيان الجنس، وثانيها: السببية، وثالثها: البعضية، ورابعها: الابتداء. . . و. . .

كذلك من يسمع قول القائل: “إني بصير في الغناء: يستهويني، ويملك مشاعري إذا كان لحنه شجيًا، وعبارته رصينة؛ كالأبيات التي مطلعها:

رب ورقاء هتوف في الضحا … ذات شجو صدحت في فنن

فإن المعاني اللغوية المقصودة من الحرف: “في” ستبتدر إلى ذهنه، فالأول: للإلصاق، والثاني: للظرفية، والثالث: للاستعلاء، وكل واحد من المعاني السالفة يقفز إلى الذهن سريعًا بمجرد سماع حرف الجر خلال جملته، وهذا علامة الحقيقة، كما سبق.

فإذا كان المعنى المراد هو من الشيوع، والوضوح وسرعة الورود على الخاطر بالصورة التي ذكرناها، ففيم المجاز أو التضمين أو غيرهما؟ إن المجاز أو التضمين أو نحوهما يقبلان، بل يتحتمان حين لا يبتدر المغني المراد إلى الذهن، ولا يسارع الذهن إلى التقاطه؛ بسبب عدم شيوعه شيوعًا يجعله واضحًا جليًا، وبسبب عدم اشتهاره شهرة تكفي لكشف دلالته في يسر وجلاء، أما إذا شاع واشتهر وتكشف للذهن سريعًا، فإن هذا يكون علامة الحقيقية كما قلنا فلا داعي للعدول عنها، ولا عن قبولها براحة واطمئنان.

“وهذا رأي نفيس أشار بالأخذ به والاقتصار عليه كثير من المحققين. ( إ.هـ) {(النحو الوافي (2/ 541-540)}

فقد وصف العديد من النحاة مذهب الكوفيين هذا بأنه أقلّ تعسفا، منهم:ابن هشام و غيره ممن ذكرهم النحو الوافي كما يلي:

كصاحبَي: المغني، والتصريح، وكالصبان، والخضري في باب: “حروف الجر” ..

فقد وصفوا المذهب الثاني وهو المذهب “الكوفي” بأنه أقل تكلفًا وتعسفًا. ويشاركهم فيه صاحب “الهمع… {النحو الوافي (2/ 541)}

وهذا ما خلص إليه النحو الوافي أيضا بقوله:

لا شك أن المذهب الثاني نفيس كما سبق؛ فمن الأنسب الاكتفاء به؛ لأنه عملي سهل، بغير إساءة لغوية، وبعيد من الالتجاء إلى المجاز، والتأويل، ونحوهما من غير داع؛ فلا غرابة في أن يؤدي الحرف الواحد عدة معان مختلفة، وكلها حقيقي كما قلنا، ولا غرابة أيضًا في اشتراك عدد من الحروف في تأدية معنى واحد؛ لأن هذا كثير في اللغة، ويسمى: المشترك اللفظي.” ( إ.هـ) {النحو الوافي (2/ 542)}

وطبعا فإن المذهب الكوفي لا يقول بالإنابة دون قيد أو شرط كما يؤكده الدكتور أحمد مطر حيث قال عن منهج الفراء في هذا الصدد – والفراء عمدة الكوفيين-:

غير أن الفراء في إجازته النيابة يشترط عدم اللبس في المعنى فيقول: «وقد تضع العرب الحرف في غير موضعه، إذا كان المعنى معروفاً». { حروف الجر بین النیابة والتضمین/ مجلة: التراث العربي ، العدد 112 لسنة 2008، ص 243}

وأما ابن جني وهو على مذهب البصريين، فقد أجاز الإنابة ولكن ليس على إطلاقها أيضا، بل في موضع دون موضع، حيث أفرد بابا خاصا في كتابه الخصائص أسماه ” باب في استعمال الحروف بعضها مكان بعض” ما يلي:

ولسنا ندفع أن يكون ذلك كما قالوا ( أي إنابة أحرف الجر مكان بعضها), لكنا نقول: إنه يكون بمعناه في موضع دون موضع على حسب الأحوال الداعية إليه، والمسوغة له، فأما في كل موضع وعلى كل حال فلا، ألا ترى أنك إن أخذت بظاهر هذا القول غفلًا هكذا، لا مقيّدًا لزمك عليه أن تقول: سرت إلى زيد، وأنت تريد: معه، وأن تقول: زيد في الفرس، وأنت تريد: عليه، وزيد في عمرو، وأنت تريد: عليه في العداوة، وأن تقول: رويت الحديث بزيد, وأنت تريد: عنه، ونحو ذلك مما يطول ويتفاحش. ولكن سنضع في ذلك رسمًا يعمل عليه, ويؤمن التزام الشناعة لمكانه.

اعلم أن الفعل إذا كان بمعنى فعل آخر، وكان أحدهما يتعدَّى بحرف والآخر بآخر، فإن العرب قد تتسع فتوقع أحد الحرفين موقع صاحبه إيذانًا بأن هذا الفعل في معنى ذلك الآخر، فلذلك جيء معه بالحرف المعتاد مع ما هو في معناه. وذلك كقول الله -عز اسمه: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} وأنت لا تقول: رفثت إلى المرأة، وإنما تقول: رفثت بها أو معها، لكنه لما كان الرفث هنا في معنى الإفضاء, وكنت تعدي أفضيت ب”إلى” كقولك: أفضيت إلى المرأة, جئت ب”إلى” مع الرفث إيذانًا وإشعارًا أنه بمعناه, …

إذا رضيت عليّ بنو قشير … لعمر الله أعجبني رضاها

أراد: عنِّى. ووجهه: أنها إذا رضيت عنه أحبته وأقبلت عليه, فلذلك استعمل “على” بمعنى “عن”, وكان أبو علي يستحسن قول الكسائي في هذا؛ لأنه قال: لما كان “رضيت” ضد “سخطت” عدّى رضيت بعلى حملًا للشيء على نقيضه؛ كما يحمل على نظيره. وقد سلك سيبويه هذه الطريق في المصادر كثيرًا, فقال: قالوا كذا كما قالوا كذا, وأحدهما ضد الآخر….” ( إ.هـ){الخصائص (308-313 / 2)

فيتضح من كلام ابن جني، أن النيابة قد يؤخَذ بها ولكن ليس على الإطلاق، ثم يعود ويقيّدها بتضمين فعل معنى فعل آخر، فتتسع معاني حروف الجر الملاصقة لها وتنوب مناب بعضها وفق هذا التضمين. وهذا يشمل حمل الفعل على معنى فعل مشابه ومناسب له في المعنى فيعَدى بنفس حرف الجر؛ كما يشمل أحيانا تعدية الفعل بحرف جر يتعدى به الفعل المضاد له بالمعنى.

وبناء عليه فقد أفرد الدكتور علي عبد الله حسين العنبكي، في كتابه ” الحمل على المعنى في العربية”، بابا خاصا عند حديثه عن التضمين تحت عنوان:”تضمين ما يتعدى بحرف جر معنى ما يتعدى بحرف جر آخر”؛ وقال تحته ما يلي:

أكثر ما يأتي التضمين من هذا الباب، وهو أن يتوسع في الفعل فيتعدى بحرف جر ليس من المألوف تعديته به؛وذلك أن الفعل تضمن معنى فعل يتعدى بذلك الحرف فجيء معه بالحرف المعتاد مع ما هو بمعناه” ( إ.هـ)

ثم ذكر في هذا الباب الأمثلة التالية، مضيفا:

من ذلك قوله تعالى { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ } (البقرة 188)، عَدّى الرفث بـ(إلى)، ولا يقال : رفثت إلى المرأة وإنما يقال: رفثت بها أو معها، ولكن لما كان الرفث هنا في معنى الإفضاء جاء بالحرف (إلى) إيذانا وإشعارا بأنه بمعناه. .. وقوله تعالى {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} (الشورى 26) وذلك أنه ضمَّن التوبة معنى العفو والصفح.

وقوله تعالى: { فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ} (هود 64)، أدخل (من) لما كان المعنى: من يمنعني من الله أو من عذاب الله، .. وقوله تعالى: { وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ } (النساء 3)حمله على معنى : لا تضيفوا أموالهم في الأكل إلى أموالكم” ( إ.هـ)


النتيجة:

ومن كل ما تقدم نرى بأن ما اعتُبر خطأ وخلطا لأحرف الجر في كلام المسيح الموعود عليه السلام ممكن أخذه على تخريجين أساسيين:

الأول: وفق المذهب الكوفي على نيابة أحرف الجر مناب بعضها لتقارب المعنى. على اعتبار أن أحرف الجر نفسها تؤدي معاني حقيقية مختلفة.

والثاني: وفق المذهب البصري الذي يأخذ بالتضمين في هذه الحالات على الغالب. وقد فصّلنا مسألة التضمين في المقال السابق. كما أنه من الممكن اللجوء إلى التأويل وفق المذهب البصري.

تخريج الفقرات:

وأما الآن فسوف نقوم بذكر كل هذه الفقرات، مع ذكر ما قاله المعترضون فيها ونردّ على أقوالهم بناء على هذا المسلك من النيابة والتضمين. وفي مسألة النيابة سنثبت صحة معنى ووقوع حرف الجر في مكانه وأنه يؤدي المعنى المطلوب.

  1. وأرفعك من قدرتي“. (التذكرة)
  2. لا تستعن من غيري“. (التذكرة)

الاعتراض: الصحيح- (أرفعك بقدرتي). و (لا تستعن بغيري) .

التخريج الأول: جاء في كتاب الجنى الداني في حروف المعاني، عن معاني حرف الجر (من) أنها تأتي بمعنى وبموافقة (الباء)، ومثّل لها ببعض الأمثلة المشابهة للفقرتين أعلاه.كما يلي:

(المعنى)الحادي عشر: موافقة الباء، نحو ” ينظرون من طرف خفي “. قال الأخفش: قال يونس: أي: بطرف خفي. كما تقول العرب: ضربته من السيف، أي: بالسيف. وهذا قول كوفيّ. ويحتمل أن تكون لابتداء الغاية.” ( إ.هـ) { الجنى الداني في حروف المعاني (ص: 314)}.

التخريج الثاني: بتضمين الفعل أرفعك معنى الفعل “أمنحك” و”أعطيك”، وهذه الأفعال تتعدى بالحرف (من) فعدَّى أرفعك بـ (من)، ليوحي أن الرفعة ستكون مصحوبة بمنح القوة والقدرة.

وأما الفعل (تستعن) فقد ضُمّن معنى الفعل (تطلب) والذي يتعدى بـ (من) أيضا، فعدَّى تستعن به، وجاء الفعل حاملا المعنيين معا: الاستعانة والطلب.

  • 3- ويحمدك الله عن عرشه.” (التذكرة )

الاعتراض: الصحيح- من عرشه؛ أو على عرشه بمعنى وهو على عرشه

التخريج الأول: أقرّ المعارضون بأن الصحيح هو القول “على عرشه”، والجنى الداني يقرّ بأن أحد معاني (عن) وفق الكوفيين هو الاستعلاء أي بمعنى (على)، لأن (على) معناها الأصلي هو الاستعلاء، فبطل الاعتراض من أصله. حيث جاء في معاني الحرف “عن” ما يلي:

( المعنى) الثالث ( لـ عن): الاستعلاء. كقول الشاعر:

لاه ابن عمك، لا أفضلت في حسب … عنى، ولا أنت دياني، فتخزوني

أي: علي. قال ابن مالك: ومنه بخل عنه والأصل عليه. قال: لأن الذي يسأل فيبخل يحمل السائل ثقل الخيبة، مضافاً إلى ثقل الحاجة. ففي بخل معنى ثقل، فكان جديراً بأن يشاركه في التعدية ب على.” (إ.هـ) {الجنى الداني في حروف المعاني (ص: 246)}

التخريج الثاني: بتضمين الفعل يحمدك معنى الفعل (ينزل) الذي يتعدى بالحرف (عن)، وليوحي بأن هذا الحمد متلازم لتجلي الله ونزوله من السماء أو عن العرش مجازا ، كما جاء في نبوءة الإبن الموعود ( كأن الله نزل من السماء).

وهذا النزول عن العرش قد شرحه عليه السلام في مواضع عديدة كقوله:

ولا حاجة إلى أن نذكّرك ما ثبت من نزول الله تعالى من العرش في الثلث الآخر من الليل فإنك تعرفه، ومع ذلك ما أظن أن تحمل ذلك النزول على النزول الجسماني وتعتقد أن الله تعالى إذا ما نزل إلى السماء الدنيا فبقِي العرش خاليا من وجوده.” {حمامة البشرى}

وفي قوله:

بل نزولهم ( الملائكة) وصعودهم بصبغ نزول الله وصعوده من العرش إلى السماء الدنيا، لأن الله أدخل وجودهم في الإيمانيات ( التبليغ).

فيكون معنى قوله عليه السلام متضمنا للحمد والنزول والتجلي معا، أي: يحمدك وينزل إليك عن عرشه متجليا لنصرتك.

  • 4- ولا يرضى بعباده أن يسبّوا المؤمنين المسلمين. (سر الخلافة )

الاعتراض: الصحيح – لعباده .

التخريج الأول: الفعل يرضى ممكن أن يتعدى بأحرف مختلفة مثل: “الباء” و” على” و” من” و”عن” فنقول رضي به وعليه ومنه وعنه. لذا فلا خطأ في القول يرضى بعباده. وما يؤكد ذلك ما جاء عن معاني حرف الجر (الباء) بأنه يوافق معاني الأحرف الأخرى التي يتعدى بها الفعل يرضى، وهي (من) و(عن) و(على). حيث جاء في معاني الباء ما يلي:

( المعنى) التاسع: المجاوزة: وعبر بعضهم عن هذا بموافقة عن. وذلك كثير بعد السؤال. نحو ” فاسأل به خبيراً “، و ” سأل سائل بعذاب واقع “. وقال علقمة:

فإن تسألوني، بالنساء، فإنني … خبير، بأدواء النساء، طبيب

وقليل بعد غيره، نحو ” ويوم تشقق السماء بالغمام ” أي: وعن أيمانهم. كذا قال الأخفش.

( المعنى) العاشر: الاستعلاء: وعبر بعضهم عنه بموافقة (على). وذكروا لذلك أمثلة منها قوله تعالى ” ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار ” أي: على قنطار، كما قال ” هل آمنكم عليه “. ومنها ” وإذا مروا بهم ” أي: عليهم، كما قال ” وإنكم لتمرون عليهم “. ومنه قول الشاعر:

أرب يبول الثعلبان برأسه … لقد هان من بالت، عليه، الثعالب

(المعنى)الحادي عشر: التبعيض: وعبّر بعضُهم عن هذا بموافقة (مِن)، يعني التبعيضية، وفي هذا المعنى خلاف، وممن ذكره الأصمعي، والفارسي في التذكرة. ونقل عن الكوفيين، وقال به القتبي وابن مالك. واستدلوا على ذلك بقوله تعالى ” يشرب بها عباد الله ” أي: منها.” (إ.هـ){الجنى الداني في حروف المعاني (ص: 43-42)}

وبذلك يكون معنى قول المسيح الموعود عليه السلام ( يرضى بعباده) أي: يرضى عنهم أو منهم أو عليهم. فسقط الاعتراض من نواح عدة.

التخريج الثاني: تضمين الفعل يرضى معنى الفعل يريد الذي يتعدى بحرف (الباء) كما في قوله تعالى: {وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (11)} (الجن 11). وذلك ليوحي أن الله لا يرضى ولا يريد بعباده أن يسبوا المسلمين المؤمنين، فحَوَى المعنيين.

كما من الممكن التأويل في هذا الموضع، ليكون المعنى تأويلا:لا يرضى بوضع أو بحالة عباده أن يسبوا..”

  • 5- إنهم يتركون القرآن وبيّناته، بل قلوبهم في غمرة من هذا ويقولون بإخوانهم إنّا نتبع أخبار رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، وليسوا بمتّبعين، بل يتركون أقوالا ثابتة من رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، ويبدّلون الخبيث بالطيب، ويكتمون الحق وكانوا عارفين. (حمامة البشرى )

الاعتراض: الصحيح- يقولون لإخوانهم.

التخريج الأول: إن هذه (الباء) التي تعدّى بها الفعل (يقولون) لها معان غير التي يظنها المعارضون. فقد أراد المسيح الموعود أن يذهب في ذلك إلى أبعد مما يوحي إليه التعبير ( يقولون لإخوانهم) ، وذلك إن من معاني (الباء) هو أيضا المصاحبة بمعنى (مع)، وكذلك الظرفية بمعنى (في). ويؤكد ذلك الجنى الداني يعرضه بعض المعاني الأخرى للباء وفق المذهب الكوفي، كما يلي:

“( المعنى) الخامس: المصاحبة: ولها علامتان: إحداهما أن يحسن في موضعها مع. والأخرى أن يغني عنها وعن مصحوبها الحال، كقوله تعالى ” قد جاءكم الرسول بالحق ” أي: مع الحق، أو محقاً. و ” يا نوح اهبط بسلام ” أي: مع سلام، أو مسلماً عليك. ولصلاحية وقوع الحال موقعها، سماها كثير من النحويين باء الحال.

السادس: الظرفية: وعلامتها أن يحسن في موضعها في. نحو ” ولقد نصركم الله ببدر “، ” وإنكم لتمرون عليهم مصبحين، وبالليل “. وهي كثيرة في الكلام.” {الجنى الداني في حروف المعاني (ص: 40)}

وكل هذا ينطبق على قول المسيح الموعود عليه السلام (يقولون بإخوانهم) أي مع إخوانهم أو في إخوانهم؛ بمعنى أنهم يقولون مجتمعين في زمرة إخوانهم أو مع إخوانهم، وكلها معان يؤديها حرف الجر الباء.فلا خطأ ولا عجمة إذن. وهذا مشابه لقول الله عز وجل : { وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ } (المجادلة 9) بدلا من القول :يقولون لأنفسهم.

التخريج الثاني: تضمين الفعل يقولون معنى الفعل يستهزئون الذي يتعدى بحرف الباء فعدّى (يقولون) به أيضا، ليوحي أن قولهم هذا وتصرفهم هذا هو نوع من الاستهزاء بإخوانهم، لأنهم من ناحية يهجرون كلام الله ومن ناحية أخرى يروّجون بين إخوانهم أنهم يؤمنون بكتاب الله ورسوله؛ كما يدل على ذلك السياق.

  • 6- وكانت الأرض أمحلتْ وخلَتْ راحتُها مِن بخل المُزْنة. (إعجاز المسيح)

الاعتراض: الصحيح- “لبخل المزنة”؛ فاللام تعليلية أما “مِن” فلا تستعمل للتعليل.

التخريج الأول: الجنى الداني ينسف قول المعارضين فـ (من) تستعمل للتعليل أيضا، حيث جاء في معاني (من) وبشواهد قرآنية ما يلي:

“( المعنى) الرابع: التعليل، نحو ” يجعلون أصابعهم في آذانهم، من الصواعق “، ” من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل “، ” لما يهبط من خشية الله “. الجنى الداني في حروف المعاني (ص: 310)

فسقط الاعتراض دفعة واحدة.

  • 7- فإذا كان الدجال محيطًا على الأرض كلها، فأنى يكون من الصليب وملوكه أثر معه .. ألا تعقلون؟ (التبليغ)

الاعتراض: الصحيح- محيطا بالأرض، وليس عليها.

التخريج الأول: يقرّ الجنى الداني أنه وفق المذهب الكوفي فإن الحرف (على) يأتي بمعنى الباء أيضا ويوافقه. فيبطل الاعتراض من أصله. حيث جاء في معاني الحرف على والذي معناه الأصلي الاستعلاء والفوقية ما يلي:

( المعنى) السابع ( لـ على): موافقة الباء، كقوله تعالى ” حقيق على ألا أقول “، أي بألا أقول. وقرأ أبي بأن، فكانت قراءته تفسيراً لقراءة الجماعة. وقالت العرب: اركب على اسم الله، أي: باسم الله. {الجنى الداني في حروف المعاني (ص: 478)}

التخريج الثاني: بتضمين الفعل (أحاط) معنى الفعل استولى وسيطر، والتي تتعدى بالحرف (على) فعدّى (محيطا) به، ليوحي أن الإحاطة يلازمها السيطرة على الأرض والاستيلاء عليها وليست مجرد إحاطة.

فثبت من كل هذا، أن لا خطأ وسهو ولا عجمة قطّ، في كلام المسيح الموعود عليه السلام، بل نكات أدبية ولغات عربية جعلها الله تعالى فتنة للذين في قلوبهم مرض.

وثبت أن كلها لغات عربية فصيحة بليغة تندرج تحت أسلوب التضمين الذي يزخر به القرآن الكريم والذي يعد أسلوب البلغاء والعارفين بدقائق اللغة. وكذلك فهي تندرج تحت مبدأ “نيابة أحرف الجر مناب بعضها بعضا “كمذهب يُعزى للمدرسة الكوفية ورجّحه الكثير من النحاة غير الكوفيين، أمثال ابن هشام على أنه مبدأ أقل تعسفا من غيره، وقد رأينا الشواهد القرآنية عليه.

وبذلك نكون قد أثبتنا أن لا تأثير للعجمة في كل هذا، بل ما هو إلا كلام الوحي الإلهي الذي علّم المسيح الموعود عليه السلام كل هذه اللغات العربية كجزء من أربعين ألفا تعلمها في ليلة واحدة، مصداقا لهذه المعجزة. ولذا نقول تلخيصا:

إنها قمة البلاغة العربية والقرآنية وليست اللغة الأردية

إنها كلام الوحي الإلهي وليس تأثير العجمة

إنها نيابة أحرف الجر مناب بعضها بعضا وليس الخلط بينها

إنها التضمين في معاني الأفعال وليست ترجمة حرفية من اللغة الأردية.

وبذلك قوضنا دعائم نظرية “العجمة عند الميرزا” من أساسها. فاعتبروا يا أولي الألباب!!