المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود ع العربية ..58

نكتة رفع إسم إنّ ..3

تصديق ابن مالك على توجيهاتنا وإضافة توجيه آخر

الاعتراض:

قيل بأن المسيح الموعود عليه السلام قد أخطأ برفعه لاسم (إنّ) المذكور بين الأقواس المزدوجة في الفقرات التالية:

  1. وقد علمتم يا معشر الأعزة، أن ((مالِكٌ)) الذي كان أحد من الأئمّة الأجلّة (مكتوب أحمد، ص 9).
  2. فمن العجب أن علماء الإسلام اعترفوا بأن ((اليهودُ الموعودون)) في آخر الزمان ليسوا يهودا في الحقيقة (الخطبة الإلهامية، ص 4).
  3. وأن لكل إنسان ((لسانٌ)) وأذنين، و((أنف)) وعينين (حمامة البشرى، ص 87).
  4. مع أن فيه ((قطاعُ الطريق)) وسباعٌ وأفاعي وآفاتٌ أخرى (حمامة البشرى، ص 5).
  5. ألا تعلمون أن ((هذان)) نقيضان فكيف يجتمعان في وقت واحد أيها الغافلون؟ (التبليغ)
  6. وقد سخّر الشمس والقمر والنجوم للناس، وأشار إلى أن ((كلٌّ)) منها خُلق لمصالح العباد. (حمامة البشرى)
  7. أفأنت تشهد أن ((الدارقطني)) وجميعُ روايات هذا الحديث وناقِلوه في كتبهم وخالِطوه في الأحاديث من أوّل الزمان إلى هذا الأوان كانوا من المفسدين الفاسقين. (نور الحق)

الردّ:

لقد قمنا في المقالين الأوّلين المتعلقين بنكتة رفع اسم إنّ (هنا وهنا) ، بتوجيه هذه اللغة وفق توجيهات مختلفة. إلا أن التوجيه الأساسي لها هو بإضمار ضمير الشأن اسما لإنّ، واعتبار الجمل بعدها في محل رفع خبرها. فتبقى العبارات بين الأقواس المزدوجة مرفوعة على اعبارها مبتدأ.

ولنا لنؤكد كل هذا أن نورد ما أورده ابن مالك في هذا الصدد في كتابه “شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح” مصدقا لما ذهبنا إليه من تخريج؛ في معرض حديثه وتوجيهه للحديث الشريف {قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بُعِثَ نَبِيٌّ إِلَّا أَنْذَرَ أُمَّتَهُ الْأَعْوَرَ الْكَذَّابَ أَلَا إِنَّهُ أَعْوَرُ وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ وَإِنَّ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ كَافِرٌ } (صحيح البخاري, كتاب الفتن) حيث قال:

ومنها قول النبي – صلى الله عليه وسلم – في حديث الدجال (وإن بين عينيه مكتوبٌ كافرٌ. وفي نسخة، مكتوبًا كافرًا…

قلت: إذا رُفع في حديث الدجال “مكتوب” جُعل اسم “إن” محذوفًا، وما بعد ذلك جملة من مبتدأ وخبر في موضع رفع خبرًا ل “إن”.

والاسم المحذوف إما ضمير الشأن، وإما ضمير عائد على الدجال.

ونظيره إن كان المحذوف ضميرَ الشأن قول النبي – صلى الله عليه وسلم – في بعض الروايا (وإنّ لنفسك حق) (صحيح البخاري وفق نسخة من النسخ)، وقوله – صلى الله عليه وسلم – بنقل من يوثق بنقله (إنّ من أشد الناس عذابًا يوم القيامة المصورون) (سنن النسائي وصحيح مسلم).

وقول بعض العرب (إنّ بك زيدٌ مأخوذ). رواه سيبويه عن الخليل

ومنه قول رجل للنبي – صلى الله عليه وسلم – (لعل نزَعَها عِرقٌ) (صحيح البخاري في نسخة من النسخ)، أي: لعلها.

ونظائره في الشعر كثيرة.

وإن كان الضمير ضمير الدجال فنظيره رواية الأخفش: (إن بك مأخوذ أخواك)، والتقدير: إنك بك مأخوذ أخواك ونظيره من الشعر قوله

فليتَ دفعتَ الهمَّ عني ساعةً … فبتنا على ما خيلتْ ناعمَي بالِ

أراد: فليتك، ومثله قول الآخر

فلو كنتَ ضبيًا عرفتَ قرابتي … ولكن زنجى عظيمُ المشافر

أراد: ولكنك زنجي، ويروى: ولكن زنجيًا، على حذف الخبر.” { شواهد التوضيح 205-206}

وأهم ما نستخلصه من أقوال ابن مالك هذه ما يلي:

  • مثلُ هذه اللغة الواردة في كتابات المسيح الموعود عليه السلام واردٌ عن الرسول صلى الله عليه وسلم في أحاديثه الشريفة الصحيحة الواردة في الصحاح والسنن كصحيح البخاري ومسلم وسنن النسائي.
  • من هذه الأحاديث ما يلي: (إنّ بين عينيه مكتوبٌ كافرٌ)، ( إنّ لنفسك حقٌ)، ( إن من أشدّ الناس.. المصورون) وذَكر عن هذا الحديث أنه منقول بنقل الثقاة. والحديث ( لعل نزَعَها عِرْقٌ).
  • وجّه ابن مالك هذه الأقوال كما وجّهنا عبارات المسيح الموعود عليه السلام؛ وذلك بإضمار ضمير الشأن اسما لإن، وبقاء الكلمات بين الأقواس المزدوجة مرفوعة على أنها مبتدأ.
  • أكّد ابن مالك هذا التوجيه بتصديق سيبويه والخليل عليه بنقلهم قول العرب : إن بك زيدٌ مأخوذٌ.
  • أضاف ابن مالك توجيها آخر، بأن يكون الضمير المحذوف اسما لـــ (إنّ) ليس ضميرا للشأن بل عائدا على مذكور من قبل، ومثّل لذلك بنظائر من الشعر العربي وأقوال للأخفش مِثل: إن بك مأخوذٌ أخواك.
  • ونرى أن هذا التوجيه الجديد ينطبق على العبارة الرابعة من عبارات المسيح الموعود عليه السلام وهي: – فحمَله عداوتُك على أن يختار لنفسه طريقا آخر يُخالف طريقك مع أن فيه ((قطاعُ الطريق)) وسباعٌ وأفاعي وآفاتٌ أخرى (حمامة البشرى، ص 5).

ففي هذه الجملة ووفق هذا التوجيه يكون اسم (إنّ) ضميرا محذوفا يعود إلى (طريقا). قطاعُ: مبتدأ مرفوع. فيه: خبر مقدم. والجملة من المبتدأ والخبر في محل رفع خبر (إن).

وبذلك نخلص إلى القول، بأن الطاعن في كلام المسيح الموعود عليه السلام متهما إياه بالخطأ في العبارات المذكورة أعلاه، على اعتبار أنه عليه السلام رفع اسم إنّ، فإنه في الحقيقة يطعن بالنبي صلى الله عليه وسلم، والأئمة: البخاري ومسلم والنسائي، ويطعن بفحول اللغة وجهابذة النحو والصرف مثل: سيبويه والخليل والأخفش وابن مالك.

فاعتبروا يا أولي الألباب!!!!