المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود ع العربية ..81

نكتة رفع نائب المفعول المطلق ..

حين ينوب نائب المفعول المطلق عن الدجل المطلق ..

الاعتراض:

زُعم أن المسيح الموعود عليه السلام قد أخطأ في رفعه لنائب المفعول المطلق، وهو كلمة (مرتان) في الفقرة التالية:

  • منها أن الشّهب الثواقب انقضّتْ له مرّتان (الاستفتاء)

حيث من المفروض أن تكون منصوبة بالياء نظرا لكونها مثنى، ونائب المفعول المطلق لا بدّ من نصبه. فإن كان اسما مثنى وجب نصبه بالياء.

الردّ:

لقد سبق وذكرنا تخريجا وتوجيها لمثل هذه العبارة في مواضع أخرى من الردود على المعارضين، وذلك في توجيه كلمة (أميرا) في قول المسيح الموعود عليه السلام: 1 – إن الصدّيق والفاروق كانا أميرا ركبٍ علوا لله قُننًا .. (سر الخلافة، ص 38). وليس من العبث أن نذكّر القراء الأعزاء بهذا التوجيه؛ انطلاقا من قوله تعالى: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (10) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (11) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (12) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى (13)} (الأَعلى 10-13).

فكلمة (مرتان) لهي نائب مفعول مطلق منصوب، ولكن على لغة من يُلزم الاسم المثنى الألف في جميع حالات إعرابه: الرفع، النصب، والجر؛ ويعربه بحركات مقدرة على الألف كإعراب الاسم المقصور؛ كما بيّن ذلك النحو الوافي، فيما يلي:

إعراب المثنى وملحقاته بالحروف هو أشهر المذاهب وأقواها، كما أسلفنا. ويجب الاقتصار عليه فى عصرنا؛ منعًا للفوضى والاضطراب فى الاستعمال الكلامي والكتابي، وأما اللغات الأخرى فلا يسوغ استعمالها اليوم، وإنما تُذْكر للمتخصصين؛ ليسترشدوا بها في فهم بعض النصوص اللغوية الواردة عن العرب بتلك اللغات واللهجات. ومن أشهرها:

1 – إلزام المثنى وملحقاته “غير: كلا وكلتا” الألف فى جميع أحواله، مع إعرابه بحركات مقدرة عليها؛ تقول عندى كتابانِ نافعانِ، اشتريت كتابانِ نافعانِ، قرأت فى كتابانِ نافعانِ، فيكون المثنى مرفوعًا بضمة مقدرة على الألف، ومنصوبًا بفتحة مقدرة عليها، ومجرورًا بكسرة مقدرة كذلك؛ فهو يعرب إعراب المقصور، والنون للتثنية فى كل الحالات. مبنية على الكسر – بغير تنوين- وتحذف عند الإضافة. {النحو الوافي (1/ 124 – 123)}

ووفق هذا التوجيه تكون كلمة “مرتان” نائب مفعول مطلق منصوب بالفتحة المقدرة على الألف، وفقا للّغة التي تجيز ذلك.

أين نجد هذه اللغة ؟ نجدها في القراءات القرآنية مثلا:

قراءة: “إِنَّ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ”، وهي قراءة نافع، وابن عامر، وحمزة، والكِسائيّ، وأبي جعفر، ويعقوب،

ونجدها في الشعر، مثلا :

_  إن أباها وأبا أباها          قد بلغا من المجد غايتاها.

_ نصرانة قد ولدت نصرانا … أعرف مِنْهَا الْجيدَ والعينانا

_ تزَود منا بَين اذناه ضَرْبَة … دَعَتْهُ إِلَى هابي التُّرَاب عقيم

 

ومن الجدير ذكره أن السبب في استعمال هذه اللغة في الفقرة المعترض عليها هو السجع، والذي هو من اهم المسوِّغات للتحدث بلغات العرب القديمة،وفق ما أقره ابن جني. لذا لا بد من ذكر الفقرة كلها ليتضح السجع فيها:

“منها أن الشّهب الثواقب انقضّتْ له مرّتان، وشهد على صدقه القمران، إذا انخسفا في رمضان، وقد أخبر به القرآن، إذ ذكرهما في علامات آخر الزمان، ثم الحديثُ فصّل ما كان مجملاً في الفرقان، وقد أنبأ الله بهما هذا العبد كما هي مسطورة في “البراهين” قبل ظهورها يا فتيان، إنّ في ذلك لآية لمن كانت له عينان. فبيِّنوا توجَروا .. أهذا فعل الله أو تقوُّل الإنسان؟” (الاستفتاء)

ولا يظنّنّ أحد أن المعارضين لا يعلمون هذا التوجيه، بل يعلمونه علم اليقين، ولكنهم أصروا على تخطيء المسيح الموعود عليه السلام فيه؛ بادعائهم أن المسيح الموعود عليه السلام لا يعلم هذا التوجيه الذي ذكرناه، بل ورد الخطأ في هذه الفقرة لعدم علم حضرته عليه السلام بكيفية إعراب نائب المفعول المطلق أصلا، وفق زعمهم.

وهنا نقول: لا يمكن أن يدّعي كل هذا إلا من استمرأ الكذب والدجل وأصبح الدّجل سيرة حياته، فجعل نائب المفعول المطلق هنا في حديثه عنه، نائبا عن دجله وموضِّحا ومبيِّنا إياه، ليبقى وصمة عار على جبينه لا يفلت منها إلى أن يُلقى في نار جهنم خائبا.

والسبب في ذلك أن نائب المفعول المطلق وارد في كتابات المسيح الموعود عليه السلام مئات وآلاف المرات بصيغه الصحيحة، ومن ذلك كلمة “مرتين” التي وجدتها عشر مرات مكررة وفق القاعدة النحوية المعروفة، حيث نُصبت بالياء على اعتبارها مثنى. كما في الفقرات التالية:

  • بينما عمرُ يخطب يوم الجمعة إذا ترك الخُطبة ونادى يا ساريةُ الجبل مرتين أو ثلاثا، (تحفة بغداد)
  • فسمعنا صوتَ منادٍ يُنادي: الجبلَ مرتين، فلحقنا بالجبل (تحفة بغداد)
  • والمؤمن لا يُلدَغ من جُحر واحدٍ مرّتين..( الخطبة الإلهامية)
  • ويجتمع عليه القارعتان والتكفيران والذلّتان، ويذوق اللعنة مرّتين.. (الخطبة الإلهامية)
  • كان الله قد قدَّر من الأزل أن تقع الحرب الشديد مرّتين بين الشيطان والإنسان (الخطبة الإلهامية)
  • واعلموا أن الأرض زُلزلت مرتين زلزالا شديدا: (مواهب الرحمن)
  • ألا يذكرون الحديث: “لا يُلدَغ المؤمن من جُحر واحد مرتين“؟ (تذكرة الشهادتين)
  • وهذا الكسوف والخسوف لم يحدث مرة واحدة بل مرتين (تذكرة الشهادتين)
  • جاء تلميذه الرشيد ميان عبد الرحمن إلى قاديان مرتين أو ثلاث مرات (تذكرة الشهادتين)

فالذي يقرأ نائب المفعول المطلق في كتابات المسيح الموعود عليه السلام عشرات ومئات وآلاف المرات بصيغه وإعرابه الصحيح، ثم يقول بأن حضرته عليه السلام لا يعلم أحكام نائب المفعول المطلق؛ ألا تُراه يتعمّد الكذب والدّجل وكأنه جبلت سريرته على الدجل!؟؟