المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود العربية ..85
نكتة نصب نائب الفاعل 2
الاعتراض:
عرض المعارضون هذا الاعتراض مشتملا على فقرتين من كلام المسيح الموعود عليه السلام، كمثال على خطأ حضرته عليه السلام في نصب نائب الفاعل رغم أن حقه أن يرتفع. فقالوا متحدّين:
“1- “من الواجبات أن تُكتَب عليهم خدماتٌ تناسبُ قومَ كل أحد وحرفةَ كل أحد. فليُعطَ للنجّار فاسًا، وللطارق النفّاشِ مِنْسجا جِرفاسا، وللحجّام مِشْراطا” (نور الحقّ، ص 30). الصحيح: فليُعطَ للنجّار فاس، وللطارق النفّاشِ مِنْسج جِرفاس، وللحجّام مِشْراط.
وقد حاول الناشر التحريف في الفعل الذي لم يُسَمَّ فاعله: “فليعطَ”، فجعله: “فلُيعطِ”!! مع أنّه معطوف على الفعل “تُكتَب” الذي لم يُسَمَّ فاعله، عدا عن أنّ الفاعل غير مذكور، فتحريفهم يأتي بإشكال آخر، وهو اجتماع فعل مبني للمعلوم وفاعل مجهول!!
2- مثال آخر: فيُجعَلُ رجل مهديا ويُلقَى الروح عليه، ويُنوَّر قلبه وعينيه. (سر الخلافة، ص 63). الصحيح: وعيناه.. فالعينان معطوفة على نائب الفاعل، ولأنه نصبها فلا بدّ أن يكون قد نصب نائب الفاعل.
الردّ:
كنا قد رددنا على الجزء الأول من هذا الاعتراض والتحدي والمتعلق بالفقرة الأولى، وعلى تحامل المعترضين على الناشر؛ وذلك بتوجيهها على ” إنابة الجار والمجرور غير المختص وغير المفيد مناب الفاعل” وفق المذهب الكوفي. (يُنظر: مظاهر الإعجاز 37).
ولكن يبدو أنه بعد أن بكّتنا المعارضين المتحدّين بمقالنا الأول المتعلق بالفقرة الأولى، وحطمنا تحدّيهم الذي تهاوى دفعة واحدة، أخذوا يبحثون عن مثال آخر محاولين نقض ما نقول، فجاءوا لنا بالفقرة الثانية ظنا منهم أنهم إيانا عن الردّ بمعجزين. ولكن أقول: هيهات ثم هيهات!!!
وإليكم الردّ على ما ورد في الفقرة الثانية.
نعرض الفقرة كما جاءت في النسخة الأخيرة المنشورة من كتاب “سر الخلافة”.
“ فيقتضي هذا الحال أن يهدي رجلا الربُّ الفعّال، وتتضرع الظلمة في الحضرة لينزل نورٌ لتنوير المحجّة، فتنزل الملائكة والروح في هذه الليلة الحالكة بإذن رب ذي القدرة الكاملة، فيُجعَلُ رجل مهديا ويُلقَى الروح عليه، ويُنوَّر قلبه وعينيه، ويُعطَى له السؤدد والمكرمة موهبة، ويُجعَل له التقوى حلية، ويُدخَل في عباد الله المنصورين.” (سر الخلافة )
وبناء على تحريك هذه الفقرة في النسخة الجديدة الأخيرة لكتاب سر الخلافة، والتي جاءت بها الأفعال (يجعل/ يلقى/ينور/ يعطى/ يدخل) مبنية للمجهول ومتطلبة نائب فاعل مرفوع بعدها؛ أدلى المعارضون باعتراضهم وتحدّيهم، بالقول إن المسيح الموعود قد نصب نائب الفاعل ( قلبه) بدليل الكلمة المعطوفة عليه نصبا وهي (عينيه) وذلك في الفقرة: ويُنوَّر قلبه وعينيه.
إن الفخ الذي وقع فيه المعارضون هو ظنهم أن اجتهاد الناشر في تحريكه للفقرة أعلاه صحيحا، فقد اعتبر الناشر وفق اجتهاده الذي يثاب عليه بأجر، اعتبر الأفعال المذكورة أعلاه مبنية للمجهول ومتطلبة لنائب فاعل مرفوع. والسبب في اجتهاده هذا هو ورود كلمة (رجل) مرفوعة في الفقرة “فيُجعَلُ رجل مهديا”، والسبب الثاني لهذا الخطا الاجتهادي هو عدم ورود النقطتين تحت الياء في الأفعال (يلقى ويعطى) فظنها أنها الألف المقصورة، وظن أن (رجل) مرفوعة على أنها نائب فاعل؛ فجعل الناشر كل الأفعال المذكورة مبنية للمجهول (يُجعَل/ يُلقَى/يُنوَّر/ يُعطَى/ يُدخَل)
غير أننا بالرجوع إلى النسخة الأصلية لكتاب سر الخلافة نستطيع أن نلحظ بسهولة السبب في خطأ الناشر بهذا التحريك الإعرابي، فأولا لا بدّ من التأكيد أن الفقرة في النسخة الأصلية ليست محركة بهذا التحريك الذي ذهب إليه الناشر، فلم تُجعل الأفعال فيها مبنية للمجهول، كما أنه لا بدّ من التأكيد على أن الكثير -إذا ليس أغلب- أحرف الياء في نهاية الكلمات من هذا الكتاب، لم توضع تحتها نقطتين؛ فمثلا: كلمة (المهدي) كُتبت ( المهدى) وكلمة ي(ُري) جاءت (يرى)، وكلمة “في” جاءت “فى”؛ وذلك في الفقرات التالية:”إلا ويُري بعدها قمراء،” و “ففكر في هذا النظام” و “فإن اسم المهدي يدل”. ولذا، فقد اعتبر الناشر الياء الواردة في الأفعال المذكورة ألفا مقصورة على أنها أفعال مبنية للمجهول معتمدا على كلمة (رجل) التي اعتبرها مرفوعة معتبرا إياها نائب فاعل.
والحقيقة هي أن كل هذه الأفعال لهي مبنية للمعلوم وليس للمجهول وحق الفقرة أن تكتب وتحرك على النحو التالي:
“فيَجعَلُ ( الله) رجل مهديا ويُلقِي الروح عليه، ويُنوِّر قلبَه وعينيه، ويُعطِي له السؤددَ والمكرمةَ موهبةً، ويَجعَلُ له التقوى حليةً، ويَدخَل/يُدخَل في عباد الله المنصورين.” (سر الخلافة )
فقد أصاب المعترضون في قولهم إن كلمة (قلبه) منصوبة بدليل كلمة (عينيه) المعطوفة عليه بالنصب؛ ولكنهم جهلوا أنها ليست نائب فاعل حقه الرفع، بل هي مفعول به منصوب حقه النصب. كما أن باقي الأفعال الواردة (سوى الفعل يدخل) مبنية للمعلوم أيضا فاعلها مستتر تقديره لفظ الجلالة (الله) يعود إلى “ربٍّ ذي القدرة الكاملة” والكلمات الواردة بعدها فهي منصوبة كلها على اعتبار أنها مفعول به.
ولا بدّ أن يطير المعارضون بقولنا هذا معتبرينه خطأ بدليل وقوع كلمة (رجل) مرفوعة بعد الفعل (يَجعل)؛ الأمر الذي يحتم أن تكون رجل نائب فاعل والفعل مبني للمجهول وفق ظنهم؛ وتكون كل الأفعال الواردة معطوفة عليه بالبناء للمجهول أيضا.
وهنا نردّ ونقول:
أن كلمة (رجل) لهي منصوبة أيضا على اعتبارها مفعول به منصوب للفعل (يجعل)، ولكن تنوين النصب فيها ليس مكتوبا بالألف وذلك وفق كتابة تنوين النصب على لغة ربيعة، فهي في الحقيقة (رجلً)؛ وهذا النوع من تنوين النصب وارد بكثرة في النصوص القديمة لا سيما صحيح البخاري بتوثيق وشهادة كبير النحاة ابن مالك، وذلك في قول عائشة رضي الله عنها: (إِنَّمَا كَانَ مَنْزِلً يَنْزِلُهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } (صحيح البخاري, كتاب الحج}
وفي صحيح البخاري المطبوع ببولاق طبقا للنسخة اليونينية، التي صححها الحافظ اليونيني والعلامة ابن مالك صاحب الألفية (ج 3 ص 3) في حديث ابن عمر ( كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: “أربعً” في رواية أبي ذر بالنصب، وعلى العين فتحتان.
وفي البخاري أيضا (ج 3 ص 33):” سمعت ثابتً البناني” وبهامشه ” هكذا في اليونينية بصورة المرفوع وعليه فتحتان”؛
ومما يؤكد صحة هذه اللغة من تنوين النصب على لغة ربيعة، هو ورودها في لغة الإمام الشافعي في ستة عشر موضعا من رسالته؛ نورد منها ما يلي:
- فإذْ كان مَن مع رسول الله ((ناسً))، غيرَ مَن جمَعَ لهم من الناس، وكان المخبرون لهم ((ناسً)) غيرَ مَن جمُع لهم.. {الرسالة للشافعي (1/ 59)}
- قال “الشافعي”: وهو”معاوية بن الحكم”، وكذلك رواه غيرُ مالك، وأظن ((مالكً)) لم يحْفَظ اسمَه. {الرسالة للشافعي (1/ 76)}
وقد أوردنا كل هذه الشواهد مع شواهد أخرى في عدة مقالات وتخريجات مختلفة أحدها المقال التالي: المظاهر الإعجازية 71) فمن الممكن الرجوع إليه للوقوف على الشرح المفصل والشواهد على ” تنوين النصب على لغة ربيعة”.
ووفق كل هذا لا بد من أن تُحرك الفقرة كما يلي:
“فيَجعَلُ ( الله) رجلً مهديًا ويُلقِي الروح عليه، ويُنوِّر قلبَه وعينيه، ويُعطِي له السؤددَ والمكرمةَ موهبةً، ويَجعَلُ له التقوى حليةً، ويَدخَل/ويُدخَل في عباد الله المنصورين.” (سر الخلافة)
أما الفعل الأخير (يدخل) فمن الممكن أن يُبنى للمعلوم أو المجهول خاصة أن الضمير المستتر فيه على كلا الحالتين لا يعود إلى فاعل الأفعال السابقة، الذي هو لفظ الجلالة (الله) بل إلى الرجل المهدي؛ ولا إشكال في ذلك.
نعرض لكم صورة للنسخة الأصلية التي تثبت ان الفقرة لم تحرك فيها وأن حرف الياء في أغلب المواضع غير منقّط في آحر الكلمة.