# المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود ع العربية ..77

نكتة الخلط بين أم التعيينية و أو التخييرية ..2

ورود (أو) في الاستفهام لطلب التعيين في الأحاديث والروايات، وجواز الإجابة عنها بالتعيين

الاعتراض :

يقول الاعتراض ما معناه: إن المسيح الموعود عليه السلام يخطئ في استعماله لأحرف العطف (أم) و (أو)، وذللك لأن كل واحد منها له معانيه واستعمالاته الخاصة، بحيث لا يجوز استعمال أحدها مكان الآخر.

فالحرف (أَمْ) يفيد: إما طلب التعيين، أو التسوية.

ومثال التعيين كقولنا: أزَيد في البيت أم عمرو؟

السائل هنا يعرف أنّ أحدهما في البيت وأنّ الثاني ليس في البيت، ويسألك أن تحدّد الذي في البيت مِن بينهما. وهذا السؤال يطابق قولنا: أيهما في البيت، زيد أم عمرو؟ والجواب بذكر أحدهما، وليس بنعم/ لا.

ومثال التسوية: قول الله عز وجل {سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ} (الأعراف 194)، فبعد “سواء” يجب أن يكون “أم”، وليس “أو”.

“أما الحرف أو فيفيد أكثر من معنى، منها التخيير.

ومثال ذلك: هل عندك زيد أو عمرو؟ والمعنى: أأحدهما عندك، أم لا؟ والجواب بنعم أو لا.

السائل لا يعرف إنْ كان عندك أحدهما، أو كلاهما، أو ليس عندك أيّ منهما، فهو لا يعرف شيئا، ويريد أن يعرف. فالجواب يمكن أن يكون: نعم، أو لا. فإذا كان “نعم”، فالمعنى: أنّ عندي زيدا أو عَمرا، أو كليهما. أما “لا” فتعني: ليس عندي زيد ولا عمرو.

باختصار: “إذا قيل: أزيدٌ عندك أو عمرو، فالمعنى أأحدهما عندك أم لا”. (مغني اللبيب، ج1 ص 15)

وإذا قيل: أزيدٌ عندك أم عمرو؟ فالمعنى: أيُّهما عندك؟

وقد عدّد المعارضون بناء على هذا ما يقارب الأربعين خطأ من كلام المسيح الموعود عليه السلام، والتي وردت فيها (أو) بدلا من (أم) خطأ – وفق زعمهم-؛ انطلاقا من كون هذه المواضع كلها مواضع تعيين توجب استعمال الحرف (أم) فيها فقط وليس (أو). ومن أمثلة ما أورده المعارضون لهذه الأخطاء المزعزمة في كلام المسيح الموعود عليه السلام الفقرات التالية:

  • وما بقي لكم حس ولا حركة ولا أنتم تتنفسون؟ أأنتم نائمون أو ميتون؟ (التبليغ، ص 28).
  • أَأَنتم نَعَمٌ أو أناس عاقلون؟ (الخطبة الإلهامية، ص 47).
  • أنسيتم ما تقرأون في القرآن أو رضيتم بتكذيب كلام ربكم الأعلى؟ (الخطبة الإلهامية، ص 30).

وغيرها من المواضع التي سنعرضها لاحقا بتفصيل الحديث عنها.

الردّ:

المقدمة:

لا بد من التنويه أولا إلى أن الحرف (أو) له العديد من المعاني، كالتخيير والإباحة والشك والإبهام والتفصيل والإضراب والجمع كواو العطف. وما يحدّد هذه المعاني لـ (أو) هو السياق والقرائن؛ فهي خاضعة خضوعا تاما للسياق الذي جاءت فيه.

وبالفعل فإن الرائج والمعروف عن الاستفهام بـ (أم) أنها تأتي للتعيين، فعند السؤال: أزيد قام أم عمرو؟ فإن السائل يوقن ويقرّ بأن أحدهما قد قام، ولكن يطلب تعيين من الذي قام منهما، ومعنى سؤاله: أيهما قام؟ فيجاب بـ ” زيد” أو ” عمرو”.

وعند الاستفهام بـ (أو) كسؤالنا، أزيد قام أو عمرو؟ فإن السائل لا يوقن ولا يجزم بأن القيام قد حصل، وأن أحدهما قد قام بالفعل، بل معنى سؤاله هل قام أحد منهما؟، أو أحَدَث قيام أحدهما؟ فيجاب عليه ب “نعم” أو “لا” .

ولكن هل اقتصر السؤال بـ (أو) على هذا المعنى؟ وهل اقتصر الجواب عليها بـ (نعم) أو (لا) فقط؟ ألا يجوز الجواب بالتعيين أيضا عند الاستفهام بها؟ ألم يرد في لغة العرب استفهام للتعيين بحرف العطف (أو)؟

هذا ما سوف نبينه في البحث التالي.

 

البحث والتفصيل:

جواز الإجابة بالتعيين إذا كان السؤال مشتملا على (أو).

جاء في مغني اللبيب لابن هشام ما يلي:

إِذا عطفت بعد الْهمزَة بِأَو .. وَإِن كَانَت همزَة الِاسْتِفْهَام جَازَ قِيَاسا وَكَانَ الْجَواب بنعم أَو بِلَا وَذَلِكَ أَنه إِذا قيل أَزِيد عنْدك أَو عَمْرو فَالْمَعْنى أأحدهما عنْدك أم لَا فَإِن أجبْت بِالتَّعْيِينِ صَحَّ لِأَنَّهُ جَوَاب وَزِيَادَة” {مغني اللبيب عن كتب الأعاريب (ص: 63)}

وجاء في شرج جمل الزجاجي لابن عصفور الإشبيلي ما يلي:

” فإن كان السؤال ب (أو) كان الجواب (نعم) أو “لا”. وذلك أنك إذا قلت:” أقام زيدٌ أو عَمرو”؟ فمعناه: أقام أحدهما؟ فجوابه بما يجاب به “أقام أحدهما”؟ فتقول:”نعم” أو “لا”.

وقد يجوز الجواب بأحد الشيئين، فتقول: (زيد) أو (عمرو)، لأن فيه الجواب وزيادة فكأنك قلت: “نعم، والقائم زيد”

وإن كان السؤال بــ “أم” فالجواب بأحد الشيئين. وذلك أنك إذا قلت: “أقام زيد أم عمرو”؟ فمعناه: أيهما قام. فيجاب بما يجاب به “أيهما قام”؟” (إ.هـ) { شرح جمل الزجاجي (3/81)}

يتبين من هذين النصين ما يلي:

  • لا خلاف في جواز العطف ب (أو) بعد الاستفهام خاصة بعد همزة الاستفهام، وهو ليس موضع خلاف مع المعارضين أيضا.
  • نرى أن السؤال بأم يفيد معنى ” أي” ويتطلب تعيين أحد الأمور المسؤول عنها. وعندها فإن السائل يكون متيقنا وجازما بوقوع أحد الأمور التي يسأل عنها، غير أنه يطلب معرفة أيّا منها الذي وقع.

وأما السؤال بـ (أو) فمعناه هل وقع أو حدث، أحد أو بعض ما يُسأل عنه؟؛  فجوابه يكون بـ “نعم” أو “لا”. وعندها فإن السائل لا يكون متيقنا من وقوع أحد هذه الأمور ولا يجزم بحتمية وقوع أو حدوث أي منها، ويطلب معرفة ذلك. فيكون الجواب بـ نعم أو لا.

وكل هذا يقرّ به المعارضون أيضا كما يتبين من اعتراضهم المذكور أعلاه.

  • إلا أننا نرى بأن المعارضين قد اجتزأوا النص الوارد عن ابن هشام في المغني، والذي يجيز الإجابة بالتعيين، أي تعيين أحد الأمور التي يُسأل عنها عندما يشتمل السؤال على ” أو” التي تتطلب الإجابة بنعم أو لا.

وقد أكدّ هذا الجواز ابن عصفور في شرحه لجمل الزجاجي، وفسر جواز الإجابة بالتعيين بعد السؤال بـ (أو)؛ بأن التعيين بحد ذاته يشتمل الإجابة بـ (نعم)، فهو إجابة بـ (نعم) وزيادة عليه بالتعيين لاحد الأمور المسؤول عنها.

  • وهنا نقول إذا كان الجواب بالتعيين جائزا للإجابة عن السؤال المشتمِل على (أو)، وإذا  كان الجواب المطلوب هو ما يقرر ويحدد أداة وصيغة الاستفهام المستعملة من قبل السائل، فلماذا لا يجوز الاستفهام عن التعيين بالحرف أو؟ خاصة وأنه قد ورد في بعض الروايات والأحاديث استعمال الحرف أو لهدف التعيين كما سوف نبينه لاحقا.

فعلى سبيل المثال إذا أردنا معرفة كيفية ذهاب شخص إلى العمل أكان بالسيارة أو مشيا، سألنا بأداة الاستفهام “كيف”، وإذا أردنا بأي وقت سألنا “متى”. فإذا أردنا تعيين أحد الشيئين في الوقت الذي فيه السائل يعلم يقينا حدوث أحد الأمرين وينتظر من المسؤول أن يقر بحدوث أحدها ب “نعم” ويقوم بتعيينه في نفس الوقت فتحتّم جواز استعمال صيغة الاستفهام المشتملة على (أو) لطلب هذا الإقرار بالإيجاب مع التعيين.

 

  • ورود الحرف (أو) في الاستفهام لهدف التعيين في بعض الروايات الحديثية:

يقول النحو الوافي ما يلي:

” ورد “قليلًا في المسموع وقوع” أو بعد “هل” -ولقلته لا يقاس عليه- ومنه ماجاء في صحيح مسلم “ج12 ص106 كتاب: الجهاد” وهو حديث يتضمن ما دار من كلام بين هرقل وأبي سفيان، جاء فيه ما نصه عن المسلمين: “هل يزيدون أو ينقصون … “. {النحو الوافي (3/ 609)}

وقد أورد صحيح مسلم هذه الرواية كما يلي: {هَلْ يَزِيدُونَ أَوْ يَنْقُصُونَ فَزَعَمْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ} (صحيح مسلم, كتاب الجهاد والسير)

وقد تناقلت هذه الرواية عشرات المصادر الدينية كصحيح البخاري ومسلم وشروحهما ومختصراتهما وغيرها؛ بنفس هذه الصيغة بورود (أو) فيها رغم أنها بروايات أخرى جاءت بـ (أم) بدلا من (أو) ؛ نذكر بعض هذه المصادر وما جاء فيها:

  • وَسَأَلْتُكَ: هَلْ يَزِيدُونَ أَوْ يَنْقُصُونَ، فَزَعَمْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ، {صحيح البخاري (4/ 46)}
  • ىهل يزيدونَ أو يَنْقُصونَ؛ فزَعَمْتَ أنَهُم يزيدونَ، {مختصر صحيح الإمام البخاري (2/ 302)}
  • وَسَأَلْتُكَ: هَلْ يَزِيدُونَ أَوْ يَنْقُصُونَ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ، وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ (يَنُمُّ) {المختصر النصيح في تهذيب الكتاب الجامع الصحيح (1/ 168)}
  • هَلْ يَزِيدُونَ أَوْ يَنْقُصُونَ؟ , فَزَعَمْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ { الجامع الصحيح للسنن والمسانيد (15/ 37)}
  • وَسَأَلْتُكَ: هَلْ يَزِيدُونَ أَوْ يَنْقُصُونَ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ. { المسند الموضوعي الجامع للكتب العشرة (20/ 147)}
  • وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَزِيدُونَ أَوْ (4) يَنْقُصُونَ فَزَعَمْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ { مختصر صحيح مسلم للمنذري ت الألباني (2/ 297)}
  • “قَالَ الْكرْمَانِي قد ذكر البُخَارِيّ حَدِيث هِرقل فِي كِتَابه فِي عشرَة مَوَاضِع قلت ذكره فِي أَرْبَعَة عشر موضعا الأول .. الثاني.. الثالث.. الرابع.. الْخَامِس فِي الشَّهَادَات عَن إِبْرَاهِيم بن حَمْزَة عَن إِبْرَاهِيم بن سعد عَن صَالح عَن الزُّهْرِيّ مُخْتَصرا سَأَلتك هَل يزِيدُونَ أَو ينقصُونَ”{ عمدة القاري شرح صحيح البخاري (1/ 84)}
  • وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَزِيدُونَ أَوْ يَنْقُصُونَ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ. { شرح القسطلاني = إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري (5/ 111)}
  • وسأله (أتباعه هل يزيدون أو ينقصون؟ فقال: يزيدون. فقال: وكذلك أتباع الرسل) {شرح الطحاوية للراجحي (ص: 62)}
  • وسلم فقال لأبي سفيان: «هل يزيدون أو ينقصون؟ قال: بل يزيدون. مجلة البيان (174/ 38)

 

ولا يغيبن عن البال أن (أو) في هذه الرواية قد جاءت لطلب التعيين، إن كان المسلمون يزيدون أو ينقصون؛ فكان الجواب بالتعيين أنهم “يزيدون”؛ ولم يأت الجواب بنعم أو لا؛ مما يجعلها لغة جائزة وإن لم تكن مشهورة.

كما لا يغيبن عن البال أن هذه الروايات واردة عن الصحابة الكرام، على لسان أبي سفيان ناقلا ومترجما لما قاله هرقل، فإذا كانت هذه اللغة واردة عن الصحابة وأهل قريش وتناقلتها كتب الحديث والمحدوثون والرواة وجامعو الحديث مثل البخاري ومسلم، وكذلك تناقلها شراح الحديث ومفسروه دون أن يخطّئها أحد منهم ودون أن يقدح فيها أي منهم، فكل هذا يؤكد جواز هذه اللغة وفصاحتها رغم عدم رواجها.

كما أنني لا أرى سببا لمنع النحو الوافي دخول (أو) على (هل) إلا أن يكون الموضع للتعيين؛ لأن في غيره جائز كما تشير لذلك أقوال النحاة مثل سيبويه والسيرافي والنصالتالي:

” و”أَوْ” تقوم مقامَ “أَمْ” مع هل وذلك لأنكَ لم تذكر الألف وأو لا تعادلُ الألفَ وذلك قولُهم: هَلْ عندكَ شعيرٌ أو برٌّ أو تَمرٌ؟ وهل تأتينا أو تحدثنا؟ لا يجوز أن تدخلَ “أَمْ” في “هَلْ” إلا على كلامين وكذلك سائر حروف الاستفهام وتقول: ما أدري هَل تأتينا أو تحدثنا؟ يكون في التسوية كما هو في الاستفهام [الأصول في النحو” (2/ 214)]

 

ويتأكد من كل هذا جواز استعمال (أو) بعد (هل) في الاستفهام طلبا للتعيين.

وهذا بحد دوره يجيز استعمال (أو) بعد همزة الاستفهام طلبا للتعيين، نظرا للتشابه بين (هل) والهمزة -في هذه الحالة- حيث جاء في النحو الوافي ما يلي:

” قال الصبان في باب العطف عند آخر الكلام على همزة التسوية وما يتصل بها ما نصه: “قد تكون “هل” بمعنى “الهمزة” فيعطف “بأمْ” بعدها؛ كحديث: “هل تزوجت بكرًا أم ثيبًا”؟ ” ا. هـ كلام الصبان.  {النحو الوافي (3/ 590)}

ونحن إذ نقول بأن المسيح الموعود عليه السلام قد علمه الله أربعين ألفا من اللغات العربية، فلا يقتصر هذا التعليم فقط على اللغات الرائجة. لذا فإن قول النحو الوافي بأن هذه اللغة واردة في القليل ليس بحجة علينا. كما أن قوله “لا يقاس عليه” ليس بحجة علينا أيضا، وذلك لعدة أسباب:

أولا: أن القياس لهو حكم إنساني وليس شرعي

ثانيا: إن مسائل القياس، وما يقاس عليه وما لا يقاس عليه، مختلَف فيها بين النحاة في الكثير من الأحيان؛ ولطالما احتدم النقاش فيها بين مدرستي الكوفة والبصرة.

ثالثا: نحن إذ نقر بما أقره المسيح الموعود عليه السلام، أنه تعلم هذه اللغات من الله تعالى، فإن الوحي الإلهي والتعليم الإلهي ليس مقيدا بما يقرّه ويحكم عليه بعض العلماء بأنه قياسي أو لا.

فإن ما يهمنا في كل هذا، أن طلب التعيين بـ (أو) لهي لغة واردة عن العرب كما أثبتناه، ولعلها من اللغات التي تنطبق عليها فلسفة المسيح الموعود عليه السلام بالنسبة لقواعد الصرف والنحو، بأن هذه القواعد ليست كاملة ومكتملة وليست معصومة عن الخطأ؛ حيث يقول :

“إن علم الصرف والنحو يجب أن يكون تابعا لأساليب كلام أصحاب اللغة دائما. وإن شهادة أهل اللغة المضادةَ تُبطل قواعد النحو والصرف المصطنعة في لمح البصر. … بل الحق أن قواعد الصرف والنحو اطِّرادٌ بعد الوقوع. ليس مذهبي أن هؤلاء الناس معصومون من الخطأ تماما في اختراعهم القواعد، وأن نظرهم وصل إلى أساليب كلام الله الدقيقة والعميقة لدرجة أُغلق بعدها باب البحث والتحرِّي كليا.

…ولم يدّع أحد من علماء النحو إلى اليوم أنهم قد أوصلوا قواعد الصرف والنحو كمالها، ويستحيل أن يطرأ أمر جديد أو العثور على نقص في تحقيقهم.

… إن خواص علم اللغة كبحر لا شاطئ له. من المؤسف أنه فُتّ في عضد واضعي قواعد الصرف والنحو سريعا ولم يؤدوا حق البحث والتحقيق كما كان واجبا. ولم يعزموا- ولم يقدروا- على تدوين قواعد تامة وكاملة بنظرة عميقة ودقيقة واضعين في الاعتبار ألفاظ القرآن الكريم واسعة المفاهيم، بل تركوا هذا العمل ناقصا غير مكتمل.

….لا ندري إلى أيّ مدى كان الزمن الذي دوِّنت فيه القواعد قد تغيّر مقارنة مع زمن النبي – صلى الله عليه وسلم – وإلى أيّ مدى كانت أساليب الكلام وتعابيره قد تغيرت. إن علماء الصرف والنحو يقولون أيضا بأن جزءا كبيرا من الألفاظ التي تخالف القياس وتخالف الترتيب أيضا موجود على الرغم من تدوين القواعد. ولا يزال عدد مثل هذه الألفاظ التي لا تخضع إلى الآن لأية قاعدة غير معلوم.(إ.هـ){مناظرة دلهي (الخزائن الروحانية مجلد 4) }

ولعل ما يؤكد أقوال المسيح الموعود عليه السلام هذه هو التضارب الحاصل بين النحاة بالذات في هذا الموضوع الذي نحن بصدد الحديثة عنه، إذ اختلفوا في جواز الاستفهام بأم بعد هل لطلب التعيين، فبينما يمنع ذلك سيبويه والسيرافي  كما جاء في كتاب سيبويه وشرحه:

“وأما قوله: هل عندك شعير أو بر أو تمر؟ فإن ” هل ” لا تقع بعدها ” أم ” على مذهب: أيهما؟ كما تقع بعد الألف بمعنى: أيهما؟  {شرح كتاب سيبويه (3/ 421)}

فعند سيبويه والسيرافي إذا وقعت (أم) بعد (هل) فهي أم المنقطعة وليست للتعيين.

إلا أننا نرى بأن الصبان يجيز ورود أم التعيينية بعد (هل)، مستدلا بحديث صحيح من صحيح البخاري، على لسان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حيث جاء:

” وقد تكون هل بمعنى الهمزة فيعطف بأم بعدها كحديث: هل تزوجت بكرا أم ثيبا؟ {حاشية الصبان على شرح الأشمونى لألفية ابن مالك (3/ 152)}

ورواية الحديث في البخاري كما يلي:

{ قَالَ وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِي حِينَ اسْتَأْذَنْتُهُ هَلْ تَزَوَّجْتَ بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا فَقُلْتُ تَزَوَّجْتُ ثَيِّبًا} (صحيح البخاري, كتاب الجهاد والسير)

فهل نصدّق سيبويه والسيرافي أم الصبان يا ترى؟ وبقول أيهما نأخذ؟ وهل لنا أن نترك ما جاء به سيد الخلق ومن أوتي جوامع الكلم لنأخذ بما يقوله سيبويه والسيرافي، في الوقت الذي به عندنا من النحاة من يستشهد بقول النبي صلى الله عليه وسلم ليدحض قول سيبويه!؟

ولعل كل هذا ما يوجب على علماء اللغة اليوم إعادة النظر في إمكانية العطف بـ (أو) في الاستفهام الذي مطلبه التعيين، خاصة لكون الإجابة بالتعيين على هذا الاستفهام جائزة بشهادة كبار النحاة، وثانيا لورود هذه اللغة وهذا الأسلوب عن العرب وأهل اللغة وفصحائها كالصحابة والمحدثين والرواة وجامعي الحديث والروايات.

 

الخلاصة والنتيجة:

يتضح من البحث أعلاه ما يلي:

 

  • أن استعمال (أم) و (أو) في السؤال متوقف على نية الكاتب والسائل، وما يضمره في داخله وما يجول في ذهنه وقت توجيه السؤال؛ أكان جازما ومتيقنا من حدوث أحد الأشياء التي يسأل عنها ويريد التعيين فقط، أم لم يكن يجزم بحدوث أي منها ويطلب فقط أن يعرف إذا كان أحد هذه الأمور قد وقع أم لا، طالبا  الجواب بـ نعم أو لا.
  • إمكانية الإجابة بالتعيين إذا كان السؤال مشتملا على (أو) بدلا من (أم).
  • ورد في لغة العرب الاستفهام بـ (أو) طلبا للتعيين كما ورد في رواية الحوار الذي جرى بين أبي سفيان وهرقل حيث سأله هرقل عن المسلمين: هل يزيدون أو ينقصون. وتناقل هذه الصيغة أئمة الحديث من المحدثين والرواة وجامعي الحديث، كمسلم والبخاري، علما أنها واردة على لسان الصحابة من قريش ممن يشهد لهم على فصاحتهم وصحة لغتهم.
  • مما يجعل الاستفهام بـ (أو) طلبا للتعيين واردا وجائزا وصحيحا، وإن لم يكن المشهور عن العرب.
  • وبما أن الأمر متعلق بنية السائل وما يضمره في ذهنه، فنحن في الحقيقة لا يمكننا الجزم بشكل قطعي والكشف عن نية المسيح الموعود عليه السلام في الفقرات المعترض عليها، أكان يطلب التعيين فقط أم الإقرار بالإيجاب أو السلب عن وقوع أحد الأمور التي يستوضحها. ولذا فلا يمكننا إلا أن نضع احتمالات لها.
  • والاحتمال الأول أنه بالفعل كان يطلب التعيين في هذه الأسئلة، وجاء بالاستفهام وفق هذه اللغة التي أكّدنا ورودها عن العرب رغم عدم رواجها؛ وهي طلب التعيين باستعمال حرف العطف (أو) بعد أداة الاستفهام (الهمزة) و (هل). كما جاء في رواية مسلم والبخاري: هل يزيدون أو ينقصون؟.
  • فمن هذا المنطلق، ووفق هذه اللغة، وأخذا بعين الاعتبار فلسفة المسيح الموعود عليه السلام في قواعد النحو والصرف التي فصّلناها إعلاه؛ تثبت صحة كل الفقرات التي اعترض عليها المعارضون في هذا الصدد من باب أول.

أما الباب الثاني والاحتمال الثاني فسوف نفصّله في المقال التالي.