الاعتراض: أين الاحاديث التي تقول أن المسيح سيكون مثيل ذا القرنين؟

يقول المؤسس:

ورد في بعض الأحاديث أيضاً أن من علامات المسيح المقبل أنه سيكون ذا القرنين. فأنا ذو القرنين بحسب نص وحي الله تعالى“. (البراهين الخامس، ج21، ص 118)

فأين هذه الأحاديث التي تقول إن من علامات المسيح المقبل أنه سيكون ذا القرنين!!

الرد:

قبل ذكر المصادر يجب أن نفهم بأن المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام لم يقل بأن شخصية ذي القرنين هي نفسها المسيح الموعود أو ستصبح كذلك بل قال عَلَيهِ السَلام بأن ذا القرنين كصفة وإسم فقط أي تمثيل لا غير موجود في بعض الأحاديث -وكل منقول في التاريخ أحاديث سواء نسبت إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أو لآخرين- وقد شرح ذلك المسيح الموعود بنفسه عَلَيهِ السَلام كما سنبيّن إنْ شاءَ الله تعالى. ومع ذلك كله نذكر فيما يلي بعض المصادر من التاريخ التي تربط بين المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام أو الإمام المهدي وبين ذي القرنين، حيث عقيدة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية هي أن المسيح والمهدي شخص واحد لقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم “لا مهدي إلا عيسى“.

المصدر الأول:

جاء في تفسير القرطبي حول ذي القرنين ما يلي:

وبالجملة فإن الله تعالى مكّنه وملّكه ودانت له الملوك، فروي أن جميع ملوك الدنيا كلها أربعة: مؤمنان وكافران؛ فالمؤمنان سُليمان بن داود وإسكندر، والكافران نمرود وبختنصر؛ وسيملكها من هذه الأمة خامسٌ لقوله تعالى: {ليظهره على الدين كله} وهو المهدي وقد قيل: إنما سُمي ذا القرنين لأنه كان كريم الطرفين من أهل بيتٍ شريفٍ من قِبل أبيه وأمّه وقيل: لأنه انقرض في وقته قرنان من الناس وهو حَيٌّ.” (تفسير الجامع لأحكام القُرآن، القرطبي، الآية: وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ)

فالربط بين المهدي وذي القرنين واضحٌ وصريح.

المصدر الثاني من كتب الشيعة:

حدثنا علي بن عبد الله الوراق قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد ابن إسحاق بن سعد الأشعري قال: دخلت على أبي محمد الحسن بن علي عليهما السلام وأنا أريد أن أسأله عن الخلف من بعده، فقال لي مبتدئاً: يا أحمد بن إسحاق إن الله تبارك وتعالى لم يخل الأرض منذ خلق آدم عليه السلام ولا يخليها إلى أن تقوم الساعة من حجة لله على خلقه، به يدفع البلاء عن أهل الأرض، وبه ينزل الغيث، وبه يخرج بركات الأرض. قال: فقلت له: يا ابن رسول الله فمن الامام والخليفة بعدك؟ فنهض عليه السلام مسرعاً فدخل البيت، ثم خرج وعلى عاتقه غلام كأن وجهه القمر ليلة البدر من أبناء الثلاث سنين، فقال: يا أحمد بن إسحاق لولا كرامتك على الله عز وجل وعلى حججه ما عرضت عليك ابني هذا، إنه سمي رسول الله صلى الله عليه وآله وكَنيُّه، الذي يملأ الأرض قِسْطاً وعدلاً كما مُلئتْ جوراً وظلما. يا أحمد بن إسحاق مثله في هذه الأمة مثل الخضر عليه السلام، ومثله مثل ذي القرنين.” (كمال الدين وتمام النعمة، للشيخ الصدوق، ج 1، ص 412. ومن مقدمة المؤلف)

المصدر الثالث:

عن الباقر عليه السلام: أنّ ذا القرنين لم يكن نبيّاً ولكنّه كان عبداً صالحاً احبّ الله فأحبّه ونصح لله فنصحه الله وانّما سمّي ذا القرنين لأنّه دعا قومه فضربوه على قرنه فغاب عنهم حيناً ثمّ عاد إليهم فضرب على قرنه الآخر، وفيكم مثله.” (الصافي في تفسير كلام الله الوافي، الفيض الكاشاني)

أي أن فيكم أيها المسلمون مثل أو مثيل لذي القرنين.

المصدر الرابع:

سمعتُ أبا جعفر عليه السلام يقول: كان عليٌّ محدثاً”، فقالوا: ما صنعتَ شيئا.” إلا سألته من يحدثه، فرجعتُ إليه فقلتُ له: إني حدثتُ أصحابي بما حدثتني فقالوا: ما صنعتَ شيئا.” إلا سألته من يحدثه، فقال لي: يحدثه مَلَكٌ، قلتُ: فتقولُ نبيٌّ؟ فحرّكَ يده هكذا فقال: أو كصاحب سليمان أو كصاحب موسى أو كذي القرنين، أوما بلغكم أنه قال: وفيكم مثله.” (الاختصاص، الشيخ المفيد، ص 287. بحار الأنوار، ج 7، ص 292 م)

وورد أيضاً في الصفحة 342 من كتاب “بصائر الدرجات” لمحمد بن الحسن الصفار دون زيادة “أو كصاحب سليمان”.

إذن وفق هذا الحديث هنالك مثيل في المسلمين لذي القرنين.

وقد أكدَ الإمامُ الحافظُ ابن حجر رحمه الله على إمكانية وجواز إطلاق لقب إنسان متقدم على إنسان آخر متأخر في زمن لاحق إذا وُجِدَ بينهما أي تشابه في الوظيفة والظرف ونحو ذلك، فضرب مثال الإسكندر وقال:

لأن الإسكندر كان قريباً من زمن عيسى عليه السلام، وبين زمن إبراهيم وعيسى أكثر من ألفي سنة، والذي يظهر أن الإسكندر المتأخر لُقِّبَ بذي القرنين تشبيهاً بالمتقدِّم لسِعة مُلكه وغلبته على البلاد الكثيرة، أو لأنه لمّا غلبَ على الفرس وقتلَ مَلكهم انتظم له مُلك المملكتين الواسعتين الروم والفرس فلُقّبَ ذا القرنين لذلك، والحقُّ أن الذي قَصَّ اللهُ نبأه في القرآن هو المتقدّم.” (فتح الباري شرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني 6/382)

وهنا لطيفة يجدر ذكرها وهي أن الإمام ابن حجر ؒ ذَكَرَ في معرض كلامه أعلاه بأن اسم ذي القرنين حسب أصحاب كتب السيرة النبوية ابن اسحق وابن هشام هو “مرزبان بن مردية” ولا يخفى على أحد مدى التشابه الكبير بينه وبين اسم “مرزا بن مرتضى” خصوصاً إذا عُلِمَ أنَّ الفُرس يلفظون حرف الـ [ ض، ظ ] كحرف الـ [ د ]، فتصبح مرتضى؛ مرتدى ! وهذا هو نَص كلام الإمام ابن حجر ؒ:

وأما قول ابن إسحاق الذي حكاه ابن هشام عنه أن اسم ذي القرنين مرزبان بن مردية، بدالٍ مهملة وقيل: بزايٍ، فقََدْ صرح بأنه الإسكندر، ولذلك اشتهر على الألسنة لشهرة السيرة لابن إسحاق.” (فتح الباري شرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني 6/382)

شرح المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام للمقصود بذي القرنين:

فأقول صِدقاً وحقاً بأنني أنا ذو القرنين إِذْ شهدتُ قرنَين من تقويم كل قومٍ بحسب نبوءة القرآن الكريم عن المستقبل. والمحترقون في حر الشمس هم أولئك الذين لم يقبلوني من المسلمين. أما الجالسون على عين حمئة وفي الظلام فهم النصارى الذين لم يرفعوا بصرهم إلى الشمس. وأما القوم الذين أُقيم لهم السدُّ فهم جماعتي. أقولُ صِدقاً وحقاً بأن دينهم وحدهم سوف يُنقَذ من تحرّش العدو. كل أساس ضعيف يأكله الشرك والإلحاد دائماً. ولكن هذه الجماعة ستنال عمراً طويلاً، ولن يغلبهم الشيطان، ولن يسيطر عليهم حزبُه. إنَّ حجتهم أكثر حدّة من السيف وأنفذ من السهام، وسيظلون غالبين على كل دين إلى يوم القيامة. يا أسفاً على هؤلاء السفهاء الذين لم يعرفوني! كم كانت مظلمة تلك العيون التي لم تر نور الصدق والحقّ. لا يمكنهم أن يروني لأن العناد أظلم عيونهم وأعماها، وران على قلوبهم وألقى على أعينهم أغشية. لو واظبوا على البحث بإخلاص وطهّروا قلوبهم من الضغينة، وصاموا نهاراً ونهضوا ليلاً وقاموا للدعاء وبكوا وتضرعوا لكان من المأمول أن يُظهِر الله عليهم مَن أنا. عليهم أن يخافوا الاستغناء عن الله.” (البراهين الأحمدية، الجزء الخامس، ص 90-92 الطبعة الأولى)

ويواصل حضرته ذِكر أوجه الشبه بينه وبين ذي القرنين:

كذلك سماني الله “ذا القرنين” أيضاً، لأن وحي الله المقدس بحقي: “جريُّ الله في حُلل الأنبياء“، الذي يعني رسول الله في حلل الأنبياء جميعاً يقتضي أن توجد فيَّ صفات “ذي القرنين” أيضاً لأنه ثابتٌ من سورة الكهف أن ذا القرنين أيضاً كان يتلقى الوحي. فقد قال الله تعالى عنه: {قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ}. فأنا ذو القرنين لهذه الأمة بحسب وحي الله القائل: “جري الله في حلل الأنبياء“. والنبوءة عني موجودة في القرآن الكريم على سبيل المثال ولكن للمتفرسين فقط. والمعلوم أن ذا القرنين هو مَن يشهد قرنَين. واللافت في أمري أننا لو فحصنا الموضوع من جميع النواحي والتقسيمات التي قسم بها الناسُ المعاصرون القرنَ بحسب الأساليب الخاصة بهم لتبين أنني شهدت القرنَين لكل أمة. إني بالغ الآن من العمر 67 عاماً تقريباً، فالواضح أنني كما شهدتُ قرنينِ هجريينِ كذلك شهدت قرنَين ميلاديين، وأيضاً شهدتُ قرنين من حيث التقويم الهندي الذي يبدأ عامه الجديد من “بِكْرما جِيتْ”. ولقد فحصتُ قدر الإمكان موضوع القرون المحددة منذ زمن سحيق في بلاد الشرق والغرب وَلَمْ أجد قوماً لَمْ أشهد قرنينِ من قرونهم المحدّدة عندهم. ولقد ورَدَ في بعض الأحاديث أيضاً أن من علامات المسيح المقبل أنه سيكون ذا القرنين. فأنا ذو القرنين بحسب نص وحي الله تعالى. وأبيّن فيما يلي ما كُشف عليّ كنبوءة من معاني الآيات القرآنية الواردة في سورة الكهف عن قصة ذي القرنين. وليكن معلوما أنني لا أُنكر المعنى المستنبَط منها من قبل غير أن تلك المعاني تتعلق بالماضي، أما هذا فبالمستقبل. القرآن الكريم ليس كتاب قصص وأساطير، بل كل قصة فيه تتضمن نبوءة. وإن قصة ذي القرنين تضم في طياتها نبوءة عن زمن المسيح الموعود، حيث جاءت فيه الآية الكريمة: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا}. ثم قال تعالى: {إنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا} أيْ سنمكِّنه، أيْ المسيحَ الموعود الذي سيُدعى ذا القرنين أيضاً، في الأرض بحيث لن يقدر أحدٌ على أن يضره شيئا. وسنرزقه عُدّة وعتاداً وأسباباً من كل نوع ونسهِّل عليه مهامه. وليكن معلوماً أن في الأجزاء السابقة من البراهين الأحمدية وحياً بحقي: “ألم نجعل لك سهولة في كل أمر“. أيْ ألمْ نيسِّر لك كافة الأسباب التي كانت ضرورية لتبليغ الْحَقّ ونشره. والمعلوم أنه ﷻ قد هيأ لي لتبليغ الحق ونشره أسباباً ووسائل لَمْ تتوفر في زمن أي نبيٍّ من قبل. فقََدْ فُتحت طرق النقل بين الأقوام كلها، وجُعلت لقطع المسافات سهولة بحيث تُطوى في العصر الراهن في أيامٍ مسافةٌ كانت تُقطع من قبل في سنوات. وقد اكتُشفت وسائل الاتصال بحيث تصل الأخبار من آلاف الفراسخ في دقائق معدودة. ونُشرت في كل قوم كتبٌ كانت خافية ومستورة، وخُلق لكل شيء سببٌ. وبسبب المطابع زالت المشاكل الحائلة في مجال التأليف والطبع لدرجة أنْ اكتُشفت الآن أدوات يمكننا بسببها أن نطبع في غضون عشرة أيام ما كان مستحيلاً طبعه في عشرة أعوام بالكثرة نفسها. وقد اكتُشفت لنشرها أيضاً وسائل محيّرة بحيث يمكن نشر العبارة مثلاً في العالم كله في غضون أربعين يوما فقط بينما لَمْ يكن أحدٌ قادراً على نشرها على نطاق واسع هكذا في الأزمنة الخالية وإن طال به العمر مائة عام.” (البراهين الأحمدية الخامس)

فقََدْ بيِّنَ المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام بنفسه معنى لقب “ذو القرنين” بأنه مجرد وصف للذي يشهد قرنين في حياته حين قال حضرته “والمعلوم أن ذا القرنين هو مَن يشهد قرنَين” كما في النص أعلاه. وهكذا شرحَ الْمَسِيحُ الموعودُ عَلَيهِ السَلام بنفسه أوجه التماثل والشبه بينه وبين ذي القرنين في شهادتهما قرنين زمنيين وتمكينهما من نشر الدعوة وتلقي الوحي وغير ذلك، ثم يشرح حضرته بعدها مباشرة آيات سورة الكهف حول ذي القرنين بتسلسلها في القُرآن الكَرِيم ويثبت علاقتها مع حضرته عَلَيهِ السَلام، ويمكن للقراء الكرام الاطلاع على هذا التفصيل في كتاب البراهين الأحمدية الجزء الخامس.

وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

About الأستاذ فراس علي عبد الواحد

View all posts by الأستاذ فراس علي عبد الواحد