المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود ع العربية ..105

فضيحة الخطأ في الفصل بين المتضايفين (المضاف والمضاف إليه)

على حذف المضاف إليه لدلالة غيره عليه أو عطف المضاف على المضاف

الاعتراض:

نقل المعارضون نصّا من كتاب شرح التصريح على التوضيح، مفاده منع البصريين الفصل بين المتضايفين إلا في الشعر، بينما أجازه الكوفيون في سبعة مواضع منها ثلاثة جائزة في سَعة الكلام نثرا، وأربعة أخرى جائزة للضرورة الشعرية. وادّعَوا أن المسيح الموعود عليه السلام قد خالف “إجماع النحاة” هذا في عبارته التالية:

ولضاعت كثير من آراءِ وتجاربِ أهل عقل ودهاء.(الهدى والتبصرة لمن يرى).

وموضع الخطأ فيها- وفق زعمهم- هو فصله عليه السلام بين المضاف (آراء) والمضاف إليه (أهل) وذلك بالعطف على المضاف (وتجارب)؛ حيث إن هذا الموضع لا يندرج تحت الإمكانيات التي جوّزها النحاة للفصل بين المتضايفين.

الرد:

إن هذا الاعتراض لهو فضيحة من العيار الثقيل، تسوّد وجه المعترض الذي يدّعي التخصص في اللغة وحمله شهادة دكتوراة فيها، كما أنه فضيحة لكل أعضاء اللجنة المشرفة على منحه هذه الشهادة، لأن هذا الاعتراض هو جزء من رسالة الدكتوراة البائسة والتي صادق عليها أمثال هؤلاء المتخصصين.

نعم، في الحقيقة إن مواضع الفصل بين المتضايفين والتي عددتها المصادر النحوية لا تشمل هذه الإمكانية الواردة في فقرة المسيح الموعود عليه السلام، ولكن مرجع ذلك لا لكون هذه الإمكانية خاطئة وغير واردة، بل مرجعه لسبب بسيط، وهو أن هذه لا تندرج تحت باب الفصل بين المتضايفين، بل تندرج تحت باب آخر يجهله صاحب رسالة الجهل وأعضاء اللجنة المشرفة عليها. فهي في الحقيقة تندرج تحت باب “حذف المضاف إليه لوجود ما يدل عليه”، أو (باب عطف اسم على المضاف يعمل في مثل المضاف إليه المحذوف).

أقول: هل يُعقل أن يكون متخصصون باللغة وأساتذة ومحاضرون وحملة شهادات عليا فيها قضوا كل حياتهم في تعليم وتعلّم اللغة العربية – أن يكونوا جاهلين بمثل هذا الباب!؟ ألم يسمع هؤلاء في كل سني حياتهم الستين والسبعين عن إمكانية حذف المضاف إليه!؟ ألم يقرأوا ألفية ابن مالك!؟ ألم يقرأوا شروح الألفية التي طبقت آفاق اللغة العربية!؟

وأقول: إنه في الحقيقة عار على مجتمعاتنا وأمتنا وجامعاتنا وكليات اللغة العربية أن تؤوي متخصصين بهذا المستوى الوضيع من العلم بدقائق اللغة العربية، والمفتقر للمهنية والمصداقية في البحث والتحري.!

فعن هذا الباب يقول ابن مالك في شرح الكافية الشافية ما يلي:

ويحذف الثاني فيبقى الأول … كحاله إذا به يتصل

بشرط عطف وإضافة إلى … مثل الذي له أضفتَ الأولا

كمثل: “خذ نصف وربع ما حصل” … وبعضهم بدون عطف ذا فعل

“ش”: قد يحذف المضاف إليه مقدرا وجوده فيترك المضاف على ما كان عليه قبل الحذف.

وأكثر ما يكون ذلك مع عطف مضاف إلى مثل المحذوف، على المضاف إلى المحذوف، كقول بعض العرب: “قطع الله يد ورجل من قالها”.وكقول الشاعر:

إلا علالة أو بدا … هة سابح نهد الجزاره

قد يُفعل هذا دون عطف. فمن ذلك ما حكى الكسائي من قول بعض العرب: “أفوقَ تنام أم أسفلَ” بالنصب على تقدير وجود المضاف إليه.كأنه قال: أفوق هذا تنام أم أسفل منه. “{شرح الكافية الشافية (2/ 977- 975)}

ويشرح لنا هذا القاضي ابن عقيل ويضيف في تفصيلات النحاة كما يلي:

ويحذف الثاني فيبقى الأول … كحاله إذا به يتصل

بشرط عطف وإضافة إلى … مثل الذي له أضفت الأولا

يحذف المضاف إليه ويبقى المضاف كحاله لو كان مضافا فيحذف تنوينه، وأكثر ما يكون ذلك إذا عُطف على المضاف اسم مضاف إلى مثل المحذوف من الاسم الأول، كقولهم قطع الله يد ورجل من قالها، التقدير قطع الله يد من قالها ورجل من قالها فحذف ما أضيف إليه (يد) وهو (من قالها) لدلالة ما أضيف إليه (رجل) عليه ومثله قوله:

سقى الأرضين الغيث سهلَ وحزنَها

التقدير سهلها وحزنها، فحذف ما أضيف إليه (سهل) لدلالة ما أضيف إليه (حزن) عليه. هذا تقرير كلام المصنف وقد يُفعل ذلك وإن لم يُعطف مضاف إلى مثل المحذوف من الأول كقوله:

ومن قبلِ نادى كل مولى قرابة … فما عطفت مولى عليه العواطف

فحذف ما أضيف إليه (قبل) وأبقاه على حاله لو كان مضافا، ولم يعطف عليه مضاف إلى مثل المحذوف، والتقدير ومن قبل ذلك ومثله قراءة من قرأ شذوذا {فَلا خَوْفُ عَلَيْهِمْ} أي فلا خوف شيء عليهم، وهذا الذي ذكره المصنف من أن الحذف من الأول وأن الثاني هو المضاف إلى المذكور هو مذهب المبرد.

ومذهب سيبويه أن الأصل “قطع الله يد من قالها ورجل من قالها”، فحذف ما أضيف إليه (رِجل) فصار قطع الله يد من قالها ورجل، ثم أقحم قوله (ورجل) بين المضاف وهو (يد) والمضاف إليه الذي هو (من قالها)، فصار “قطع الله يد ورجل من قالها”، فعلى هذا يكون الحذف من الثاني لا من الأول؛ وعلى مذهب المبرد بالعكس. قال بعض شراح الكتاب، وعند الفراء يكون الاسمان مضافين إلى (من قالها) ولا حذف في الكلام لا من الأول ولا من الثاني. {شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك (3/ 81- 78)

ومن كل هذا نخلص إلى النتيجة التالية:

  • يجوز أن يتوسط معطوف على المضاف بين المتضايفين.فيعتبر هذان مضافان في هذه الحالة. ويندرج هذا تحت إمكانية حذف المضاف إليه.
  • يجوز حذف المضاف إليه بشرط عطف مضاف ثان إلى ما يدل عليه- عطفه على المضاف الأول.
  • وليت النحاة أجمعوا على شيئ في كل هذه التفصيلات! ففي الجملة: “كثير من آراء وتجاربِ أهل عقل” فالمحذوف عند المبرد وابن مالك وغيرهم هو المضاف إليه الأول ودل عليه الثاني (أهل) ليكون الأصل: كثير من آراء (أهل عقل) وتجارب (أهل عقل)، فحذفت (أهل عقل) الأولى لدلالة الثانية عليها. وأما عند سيبويه حذفت (أهل عقل) الثانية لدلاة الأولى عليها وأُقحم المضاف الثاني بين المتضايفين الأولين.
  • وأما الفراء فرأيه أن لا حذف في كل هذا، بل إضافة (آراء) و(تجارب) معًا إلى المضاف إليه. فهو يجوّز إضافة مضافات عدّة، معطوفة على بعضها البعض، إلى نفس المضاف إليه. ويا له من رأي يسير بعيد عن التعسف والتكلف!!

– ومن هنا تثبت صحة عبارة المسيح الموعود عليه السلام على آراء النحاة كلهم، فهي آراء وتجارب أهل عقل ودهاء وبحق.

– ويثبت أن هذه لغة أخرى من الأربعين الألف اللغة العربية التي تعلمها المسيح الموعود عليه السلام من الله العلام.