المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود ع العربية ..111

فنون التذكير والتأنيث الإعجازية 11

سرّ تأنيث كلمة “الكَلِم” .. 3

التوجيه الثالث لتأنيث “الكلم” بالحمل على معنى “الكلمات”

الاعتراض: تأنيث كلمة “الكَلِم”

أوْرد المعارضون ما يقارب الثلاثين فقرة من كتابات المسيح الموعود عليه السلام، والتي فيها أنّث كلمة “الكَلِم”؛ مدّعين أن هذا كله خطأ ومعارض للقرآن الكريم، لأن هذه الكلمة في الحقيقة – على حد زعمهم- مذكرة في اللغة العربية، وهكذا جاءت في القرآن الكريم ويجب أن تعامل دائما على أنها مذكر.

وقالوا إن السبب في تأنيث حضرته عليه السلام لهذه الكلمة هو تأثّره باللغة الأردية والعجمة التي تغلب عليه.

الردّ:

لقد ذكرنا في المقالين السابقين (الأول والثاني)  توجيهين لتأنيث كلمة (الكلِم):

  • الأول: ورودها عن العرب الفصحاء بلغتي التذكير والتأنيث، كأسماء الجنس الجمعية الأخرى المشابهة لها، وبإقرار العديد من النحاة.
  • الثاني: حملها وأسماء الجنس الجمعية الأخرى المماثلة لها على معنى الجماعة، وبإقرار العديد من النحاة وأمهات المصادر النحوية.

كل ذلك بتصديق القرآن الكريم، والذي جاء فيه هذا النوع من أسماء الجنس بالتذكير والتأنيث على حد سواء.

أما التوجيه الثالث لتأنيث هذه الكلمة، فهو من باب الحمل على المعنى في الأسماء، أي حمل اسم مذكر على معنى اسم مؤنث، أو بكلمات أخرى تأنيث المذكر حملا على المعنى، وهو ما فصّلنا الحديث فيه مقال سابق (ينظر:مظاهر الإعجاز 107 على الرابط التالي: أساليب الحمل على المعنى في التذكير والتأنيث). ونحن إذ نذهب إلى هذا التوجيه ونرجحه على التوجيهات الأخرى، فإننا نغضّ الطرف عن كون كلمة (الكلم) من أسماء الجنس الجمعي التي يجوز فيها التأنيث حملا على معنى الجماعة. كما أننا نغض الطرف عن جواز تأنيثها لفظا لورود لغتي التذكير والتأنيث فيها عن العرب، نظرا لكون هذه الأخيرة مسألة خلافية بين النحاة، وسنعتبرها فرضا وجدلا أنها ليست صحيحة، لنذهب إلى توجيهات الحمل على المعنى، وذلك لأن الحمل على المعنى لا يستقيم في حال وجود لغتي التذكير والتأنيث لنفس اللفظ.

ففي هذا التوجيه نتعامل مع كلمة الكلم على أنها اسم فقط، وفيه لغة واحدة وهي التذكير فقط.

فمن أهم ما قلناه عن هذا الأسلوب في الحمل على المعنى في الأسماء ما يلي:

  • هذا الأسلوب وارد في الكلام الفصيح وفي القرآن الكريم وفي النثر والشعر على السواء.
  • ومنه حمل الفرع على الأصل وردّه إليه، وهو الأجود كتذكير المؤنث. أو ردّ أصل إلى فرع وحمله عليه كتأنيث المذكر وهو أقل شيوعا واستحسانا.
  • الحمل على المعنى لا يكون إلا في الأسماء المجازية
  • كما ويجوز تأويل المفرد على معنى الجمع ومعاملته كمثله في جواز تذكيره وتأنيثه، وذلك في اسم الجنس المعرف بأل الجنسية التي تفيد استغراق الجنس (مثل العمل: أي كل عمل/ الأعمال، والمرأة: أي كل امرأة/ النسوة) فيجوز تذكيره على معنى الجمع وتأنيثه على معنى الجماعة.
  • من الأمثلة الواردة في التذكير والتانيث حملا على المعنى؛ تأنيث الكتاب حملا له على معنى الصحيفة. وتأنيث والرسول على معنى الرسالة.
  • رأينا من الأمثلة العديدة أن هذا الأسلوب فاش في القرآن الكريم كالآيات: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا } (الزمر 18) أنث الطاغوت حملا على معنى الآلهة.
  • كما رأينا ورود هذا الأسلوب في الحديث الشريف كما في ” {أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا وَإِنْ يَكُ سِوَى ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ} (صحيح البخاري, كتاب الجنائز) إذ أنّث (الخير) فقال (تقدمونها) حملا له على معنى الحسنة.

ومن هنا فإن تأنيث كلمة الكلم يجوز من منطلق حمل هذه الكلمة على معنى “الكلمات”؛ وذلك ببساطة لأنها تعني هذا المعنى، حيث جاء في القاموس المحيط (ص: 1155) “والكَلِمَةُ: اللَّفْظَةُ، والقَصيدةُ،ج: كَلِمٌ.”

إذن، فالكلم هي جمعة (كلمة)، أي: تعني الكلمات.

*******************************

الخلاصة والنتيجة:

تأنيث كلمة (الكلم) يتخرّج ويُوجه على ثلاثة احتمالات، كما يلي:

  • 1- كون لفظ هذه الكلمة “الكلم” مما يؤنث ويذكر أي فيه لغتان، كأسماء الجنس الجمعية الأخرى المشابهة لها، حيث ورد عن العرب الفصحاء تذكيرها وتأنيثها.

وبما أن هذه الإمكانية خلافية بين النحاة، ورغم أننا نرى إمكانية صحتها ولا نقلل من شأنها في توجيه هذه العبارة- إلا أننا سنفرض جدلا أن هذه الإمكانية ليست صحيحة،ففي هذه الحال فإن التأنيث يثبت بما لا يدع شكا في المسألة، من باب الحمل على المعنى في هذه الكلمة وفق الإمكانيتين التاليتين:

  • 2- حمل كلمة (الكلم) كما باقي أسماء الجنس الجمعية التي تشابهها، على معنى الجماعة في تانيثها، كما يشهد بذلك العديد من النحاة، والأهم هو شهادة القرآن الكريم الذي ورد فيه اسم الجنس الجمعي بالتذكير والتأنيث على حد سواء.
  • 3- حمل كلمة (الكلم) على معنى “الكلمات” من باب تأويل المفرد بمعنى الجمع وحمله عليه في التأنيث، أو من باب حمل اسم مذكر على معنى اسم مؤنث آخر.

ونحن نرجح الاحتمالين الأخيرين.

وفيما يلي نذكر الفقرات المعترض عليها مع تفسير توجيهنا لها، ومشابهتها بالأمثلة التي ذكرناها في المقال التفصيلي عن أساليب الحمل على المعنى (مظاهر الإعجاز 107) . ولنتابع عدّ الفقرات المعترض عليها في مسألة التذكير والتأنيث من النقطة التي انتهينا فيها في المقالات السابقة.

الفقرات:

كل هذه الفقرات تُخرَّج فيها كلمة (الكلم) على معنى “الكلمات” أو الجماعة كما بيّناه. لأمثلة أخرى مشابهة يرجى الرجوع إلى المقال التفصيلي مظاهر الإعجاز 107.

  • 131- ليجمع على يدي الكلِمَ المتفرّقة (إعجاز المسيح).{أي الكلمات المتفرقة/ مجموعة الكلم المتفرقة، فأنث النعت كما ذُكّر النعت في بلدة ميتا}
  • 132- ثم نرجع إلى كَلِمِنا الأولى (إعجاز المسيح).{أي: إلى كلماتنا/ مجموعة كلمنا الأولى، أنث النعت كالسابق}
  • 133- وقد أثبتنا أنها حُرّفَت مِن كلِمٍ عربيةٍ مطهَّرةٍ. (مكتوب أحمد){أنّث النعت حملا على معنى الكلمات أو مجموعة الكلم كالسابق}
  • 134- وتشفي صدرَه الكَلِمُ الفِصَاحُ. (تحفة بغداد) {أنّث النعت، كما في { وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ (13)} (الرعد 13)}
  • 135- ليجمع على يدي الكلِمَ المتفرّقة. (إعجاز المسيح) {أنث النعت}
  • 136- وكم كلِمٍ مهفهفةٍ. (نور الحق) كسابقتها
  • 137- مِن كلمٍ منقولة مستعمَلة في بلغاء القوم. (نور الحق) كسابقتها
  • 138- بل حسبوها من الكلِم المُحفِظات. (سر الخلافة) {أنّث النعت}
  • 139- وليس من الكلم المحبَّرة. (الهدى والتبصرة) كالسابق
  • 140- الكلم الموشحة. (الهدى والتبصرة) كالسابق
  • 141- ولا نجد فيه شيئا مما قال هذا الرجل من الكلِم الواهيات. (مواهب الرحمن) أنث النعت كالسابق
  • 142- ولا تتركون هذه الكلم. (الهدى والتبصرة) { أنث اسم الإشارة كما في :هذه الصوت، وكما ذُكِّر مع المؤنث حملا على المعنى في:ذلك الرزية، والآية:قال هذا (الشمس)ربي}
  • 143- أهذه الكلم مِن كذّاب؟ (تذكرة الشهادتين) {أنّث اسم الإشارة كالسابق}
  • 144- تلك كلمٌ متهافتة متناقضة. (مكتوب أحمد){أي:كلمات/ مجموعة كلم متهافتة..، فأنث النعت واسم الإشارة كالسابقات}
  • 145- “وكم مِن كَلِمٍ تخرج من أفواههم”. (الخطبة الإلهامية، ص 48){ أي: كلمات/ جماعة ومجموعة كلم تخرج. أنّث الفعل والضمير العائد فيه كمثل الآيات: {.. سَعِيرًا (12) إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا .}وكما ذُكّر في: إن السماحة والمروءة ضُمنّا }
  • 146- لِم يحرّفون كلم الله عن مواضعها .. (مكتوب أحمد){ أعاد الضمير مؤنثا على المذكر كما في {الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (المؤمنون 12)، والآية: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا } (الزمر 18) }
  • 147- ويحرّفون الكلم عن مواضعها. (حمامة البشرى) {كسابقتها}
  • 148- الكَلِمِ التي تَبرِي. (إتمام الحجة) كالسابق
  • 149- وكان يُزيِّن الكلمَ ويلوّنها كالدباغة. (حجة الله) كسابقتها
  • 150- ولا يتدبرون كَلِمَ الله بل ينبذونها وراء ظهورهم. (مكتوب أحمد){ أي:لا يتدبرون كلمات الله / مجموعة كلم الله بل ينبذونها؛ أعاد الضمير مؤنثا حملا على المعنى كالسابق}
  • 151- بل تلك كَلِمٌ خرجت من أقلام الآخرين. (مكتوب أحمد){أي تلك كلمات/ مجموعة كلم خرجت؛ فأنث اسم الإشارة كما في:هذه الصوت؛ وأنث ضمير الفعل العائد كمثل الآية: {.. سَعِيرًا (12) إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا . وكما ذُكّر في: إن السماحة والمروءة ضُمنّا }.
  • 152- بل هي كلمٌ يجب أن تُطوَى لا أن تُروى. (نور الحق) {أنث الفعل والضمير العائد فيه كالسابق}
  • 153- وكم مِن كَلِمٍ تخرج من أفواههم (الخطبة الالهامية) {أنث الفعل مع الضمير العائد فيه كالسابق}
  • 154- كَلِمٌ أُفصحتْ مِن لدنْ حكيم عليم. (الهدى والتبصرة)كالسابق
  • 155- كَلِمُ اللئام أسنّةٌ مذروبةٌ. (مكتوب أحمد) { أنث الخبر كما في والعشية بارد}
  • 156- فإنما هي كَلِمٌ كَشْفيّةٌ خرجتْ من فم خير المرسلين. (نجم الهدى){ أنث النعت والفعل مع الضمير العائد فيه}
  • 157- وتخرج كَلِمُ الحِكم من أفواههم. (مكتوب أحمد) {أي: تخرُج كلمات/ مجموعة كلم الحكم؛ فأنث الفعل كما في :جاءته كتابي، وضاءت بنورك الأفق}
  • 158- وإذا عُرضت عليهم كَلِمُ الحق سمعوها وهم يَتْأَقُون. (تذكرة الشهادتين) {أنث الفعل كما في ضاءت بنورك الأفق، وأنث الضمير العائد}

وبهذا يثبت وفق ثلاثة توجيهات مختلفة تقطع الشك باليقين، صحة كل هذه العبارات، وصحة التأنيث فيها لكلمة (الكلم) ، ويثبت أن لا عجمة مسّت هذه التعابير كلها، بل إنها وبحقّ كلِم أفصحت من لدن عليم خبير.