المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود العربية …90

سيبويه وابن مالك ينسفان دكتوراة الجهل والقائمين عليها وينسفان التحدي السابع من باب “دخول أن على خبر كاد”

دكتوراة الجهل والتحدي:

عرض المعارضون التحدي التالي مدّعين الخطأ والضعف في لغة المسيح الموعود عليه السلام حيث قالوا:

“كاد واسمها وخبرها

إذا توسّط الخبر بين كاد وبين اسمها فلا يقترن بـ “أنْ”. (الهاشمي، القواعد الأساسية للغة العربية حسب ألفية ابن مالك، ص 152). والأفصح ألا يقترن “أن” بخبرها في كل الأحوال، سواء تقدّم اسمها أم تأخر. فإذا تأخر اسمها فمن الخطأ إضافة “أن”. أما إذا تأخر الخبر فإضافته أدنى فصاحة، وليست خطأً؛ فوجودها في بعض اللهجات يُخرجها من دائرة الخطأ إلى دائرة الضعف.

وفيما يلي أخطاء الميرزا:

1- وكاد أن ينفطر عمود الإسلام (سر الخلافة). الصحيح: وكاد عمود الإسلام ينفطر.

2- وكاد أن تزهق نفسه بعد سماع هذه المصيبة (مكتوب أحمد). الصحيح: بعد سماع هذه المصيبة كادت نفسه تزهق. أو: وكادت نفسه تزهق بعد سماع هذه المصيبة.

3- وكادت أن تغرب شمس الدين (الخطبة الإلهامية). الصحيح: وكادت شمس الدين تغرب.

4- وكاد أن تنعدم جهلاتهم (لجة النور). الصحيح: وكادت جهالتُهم تنعدم.

5- وكاد أن يتفطرنَ منها السماوات (الهدى والتبصرة، ص 75). الصحيح: وكادت السماوات يتفطرن منها. وهذا دليل أنّ الآيات القرآنية غير حاضرة في ذهنه، كما هي هذه الآية: {تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ} (مريم 90)

6- وكاد أن يشقّ ضحكهم أشداقَهم (مواهب الرحمن). الصحيح: وكاد ضحكهم يشقّ أشداقهم.

7- وكاد أن تنجاب الثلوج (مواهب الرحمن، ص 23). الصحيح: وكادت الثلوج تنجاب.

الردّ:

كنا قد رددنا على الجزء الأول من الاعتراض والذي يقول بضعف دخول (أن) على خبر كاد في كل الأحوال، أو خاصة عندما يكون الخبر مؤخرا عن الاسم، وذلك في مقال سابق (يُنظر مظاهر الإعجاز 43)، من منطلق تقارض الحكم بين كاد وعسى، وأكّدنا جواز اقتران خبر كاد بـ (أنْ) من هذا المنطلق. كما وأكدنا كذلك فصاحة هذه اللغة رغم عدم وقوعها في القرآن الكريم، وذلك لورودها على لسان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والخلفاء والصحابة رضوان الله عليهم في الأحاديث الشريفة.

ويؤكد كل هذا الذي ذهبنا إليه كبير النحويين ابن مالك الأندلسي في كتابه شواهد التوضيح، في توجيهه للأحاديث الواردة في صحيح البخاري والمشتملة على اقتران أن بخبر كاد، فنتركه ليتكلم وحده في هذا الشأن، فاسمعوا ما يقول مع التركيز على ما بين الأقواس المزدوجة:

“ومنها قول عمر – رضي الله عنه – (ما كدت أن أُصلي العصر [16و] حتى كادت الشمس تغرب) .

وقول أنس (فما كدنا أن نصل إلى منازلنا) .

وقول بعض الصحابة (والبرمة بينّ الأثافي، قد كادت إن تنضج).

وقول جبير بن مطعم (كاد قلبي أن يطير).

((قلت: تضمنت هذه الأحاديث وقوع خبر “كاد” مقرونًا بـ “أن” وهو مما خفى على أكثر النحويين، أعني وقوعه فى كلام لا ضرورة فيه والصحيح جواز وقوعه)) إلا أن وقوعه غير مقرون بـ”أن” أكثر وأشهر من وقوعه مقرونًا بـ “أن” ولذلك لم يقع فى القرآن إلا غير مقرون (716) بـــ “أن”, نحو {وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} (717) و {لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} (718) {كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ} (719) {لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ} (720) {أَكَادُ أُخْفِيهَا} (721) {يَكَادُونَ يَسْطُونَ} (722) {يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ} (723).

((ولا يمنع عدم وقوعه في القرآنْ مقرونًا ب “أن” من استعماله قياسًا لو لم يرد به (724) سماع؛)) لأن السبب المانع من اقتران الخبر بــ “أن” في باب المقاربة هو دلالة الفعل على الشروع، ك” طفق” و” جعل”. فإن” أن” تقتضي الاستقبال، وفعل الشروع يقتضي الحال، فتنافيا.

((وما لا يدل على الشروع ك “عسَى” و”أوشك” و”كرب” و “كاد” فمقتضاه مستقبل، فاقتران خبره بـ” أن” مؤكد لمقتضاه، فإنها تقتضي الاستقبال.

وذلك مطلوب، فمانعه مغلوب.

فإذا انضم إلى هذا التعليل استعمال فصيح ونقل صحيح، كما في الأحاديث المذكورة، تأكد الدليل، ولم يوجد لمخالفته سبيل.))

وقد اجتمع الوجهان في قول عمر رضي الله عنه “ما كدت أن أصلِي العصر حتى كادت الشمس تغرب”، وفي قول النبي – صلى الله عليه وسلم – فيما رويته بالسند المتصل (كاد الحسد يغلب القدر، وكاد الفقر أن يكون كفرًا).

ومن الشواهد الشعرية في هذه المسألة قول الشاعر:

112 – أبيتم قبول السلم منا فكدتم … لدى الحرب أن تغنوا السيوف عن السل

وهذا الاستعمال مع كونه في شعر ليس بضرورة، لتمكن مستعمله من أن يقول:

أبيتم قبول السلم منا فكدتم … لدى الحرب تغنون السيوف عن السل

وأنشد سيبويه

113 – فلم أرَ مثلَها خباسة واحِدٍ … ونهنهت نفسي بعد ما كدت أفعلَه

وقال: أراد: بعدما كدت أن أفعله، فحذف “أن” وأبقى عملها.

((وفي هذا إشعار باطراد اقتران خبر “كاد” بــ “أن” لأن العامل لا يُحذف ويبقى عمله إلا إذا اطرد ثبوته.)).

أهم النقاط التي نستخلصها من كلام ابن مالك:

  1. جواز وقوع خبر كاد مقرونا بـــ (أنْ)
  2. هذا الوقوع قد خفي على الكثير من النحاة
  3. فسر ابن مالك هذا الجواز بكون كاد تقتضي الاستقبال وكذلك (أن) مثلها، فتكون الأخيرة مؤكدة لمقتضى كاد.
  4. ولذا فهذا الاستعمال مطلوب ومن يمنعه مغلوب.
  5. عدم وقوع هذه اللغة في القرآن الكريم لا يمنع استعمالها قياسا، وذلك لورود السماع بها في فصيح الكلام والنقل الصحيح كما في الأحاديث الشريفة.
  6. نؤكد مرة أخرى ان ابن مالك يعتبر اقتران خبر كاد بأن لغة فصيحة وليست ضعيفة كما يدعي دكاترة الجهل.
  7. يستشهد ابن مالك بسيبويه على هذا الجواز .
  8. ويستنتج أن كلام سيبويه يؤكد اطراد ثبوت اقتران خبر كاد بأن في الكلام الفصيح؛ مما يومئ إلى أن شيوعها في الكلام الفصيح أكثر مما ظنه النحاة؛ وهذا ما يؤكد فصاحة هذه اللغة وعدم ضعفها رغم عدم ورودها في القرآن الكريم.
  9. وهذا كله يؤكد كل الاستنتاجات التي ذهبنا إليها في المقال الأول مظاهر الإعجاز 43.
  10. وهذا بدوره يؤكد أن رسالة الدكتوراة التي يعرضها المعارضون تفتقر إلى البحث العلمي الدقيق وتؤكد أن القائمين عليها ليسوا أهلا للحكم على لغة المسيح الموعود عليه السلام وليسوا أهلا لمنح أو منع شهادات دكتوراة في اللغة العربية.

فقولوا للمعارضين:”رسالة الدكتوراة والشهادة فيها، بلّوها واشربوا ميّتها” فإنها دكتوراة جهل وشهادة جهل على كل من له ضلع أو ظفر فيها.