المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود ع العربية ..83

عُجمة المسيح الموعود عليه السلام وعُجمة أبي بكر الصديق رضي الله عنه..وما أفصحَها وأبلغَها من عُجمة!!!

أرغى وأزبد المعارضون تحاملا على لغة المسيح الموعود عليه السلام بأنها مليئة بالعجمة، خاصة فيما يتعلق بتعدية الفعل اللازم وإلزام المتعدي، وقدّموا لنا أربعين خطأ موهوما في هذا الأمر.

وكنا قد دحضنا هذا الاعتراض وقوضناه بضربة قاضية، وذلك بتوجيه وتخريج هذه الأخطاء المزعومة على أحد أسمى الأساليب البلاغية وهو أسلوب التضمين .(يُنظر مقال “ مظاهر الإعجاز 26“).

وتأكيدا على ما ذهبنا إليه من توجيه وتخريج، نزيد ونذكر ما اكتشفناه جديدا، أن هذا الأسلوب من التضمين في تعدية اللازم وإلزام المتعدي وارد في صحيح البخاري على لسان سيدنا أبي بكر الصديق، حيث قال: {فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَمَا عَسَيْتَهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا بِي وَاللَّهِ لآتِيَنَّهُمْ فَدَخَلَ عَلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ} (صحيح البخاري, كتاب المغازي)؛ وقد أكّد عليه ابن مالك شرحا وتفصيلا في كتابه شواهد التوضيح، ولذلك نورد ما أورده ابن مالك في هذا الصدد:

“وفي قول أبي بكر لعمر رضي الله عنهما (وما عسيتَهم أن يفعلوا بي) شاهد على صحة تضمين فعل معنى فعل آخر واجرائه مجراه في التعدية. فإن “عسى” في هذا الكلام قد ضمنت ً (988) معنى “حسب” وأجريت مجرا ها، فنصبت ضمير الغائبين على (989) أنه مفعول أول، ونصبت “أن يفعلوا”، تقديرًا على أنه مفعول ثانٍ (990).

وكان حقه أن يكون عاريًا من “أن” كما لو كان بعد “حسب ” ولكن جيء بــ “أن” لئلا تخرج “عسى” بالكلية عن مقتضاها ,ولأن “أن” قد تسد بصلتها مسد مفعولي “حسب” فلا يستبعد مجيئها بعد المفعول الأول بدلًا منه وسادة مسد مفعوليها. ومن ذلك قول الشاعر:

167 – وحنتَ وما حسبتك أن تحينا (991)

ونظير تضمين “عسى” معنى “حسب” تضمين”رحُب ” معنى “وسع ” في قول من قال (992) (رحبكم الدخول في طاعة الكرماني).

ويجوز جعل تاء “عسيتَهم” حرف خطاب، والهاء والميم اسم “عسى”.

والتقدير: عساهم أن يفعلوا بي. وهذا وجه حسن، وفيه نصر (993) للفراء في كون تاء “أرأيتكم ” حرف خطاب، وفاعل “رأى” الكاف والميم (994).” {شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح (ص: 204-203)}

خلاصة شرح ابن مالك:

  • في قول أبي بكر رضي الله عنه (وما عسيتهم أن يفعلوا بي) تضمين “عسى” معنى “حسب” فعُديت كمثلها وحقها أن لا تتعدى مباشرة للمفعول.
  • ضرب ابن مالك مثالا من شعر العرب في تضمين”رحُب ” معنى “وسع ” في البيت: (رحبَكم الدخول في طاعة الكرماني). فرحُب فعل لازم لا يتعدى مباشرة للمفعول، ولكنه بتضمينه معنى “وسع” عُدي كمثله.
  • وفي كل هذا إثبات لما سقناه في المقال الأصلي، بأن التضمين ركن من أركان البيان والفصاحة والبلاغة. وكل هذا يُثبت ويؤكد من جديد صحة ما ذهبنا إليه في توجيه عبارات المسيح الموعود عليه السلام في هذا الصدد على التضمين.
  • فإذا كان في كلام المسيح الموعود عليه السلام عجمة في هذه الأمور التي يعترض عليها المعارضون، فلا بدّ أن نقرّ -وفق هذا المنطق – بوجود نفس هذه العجمة في كلام الخلفاء الراشدين، سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه الذي نطق بهذه العجمة، وفي كلام سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي سمعه ولم يعقب، وفي كلام البخاري الذي نقل ووثق قول أبي بكر في صحيحه، وفي كلام ابن مالك الذي أكد على صحة هذه العجمة.
  • فاسألوا المعارضين بالله عليكم: أيهم أشدّ عجمة من بين كل هؤلاء!؟
  • وإذا كانت هذه العجمة واردة عن الصحابة والخلفاء الراشدين وقريش التي جاء القرآن على لغتها نقول: أأعجميٌّ وعربيٌّ!؟؟