المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود العربية ..95

نكتة الخطأ في جزم المضارع المنصوب ..2

حذف حرف العلة من الفعل المضارع المعتل الآخر لغير جازم تخفيفا

اعتراض دكتوراة وتحديات الجهل:

تقول دكتوراة الجهل ويتحدّانا أصحابها بأن المسيح الموعود عليه السلام أخطأ في جزم ونصب الفعل المضارع المعتل الآخر في الفقرات التالية:

1- ليتمّ حجّتي عند النحارير، ولا يبق نَدْحةُ المعاذير (منن الرحمن، ص 103).

2- فليُفْتِي المفتون (الهدى والتبصرة، ص 70).

3- أن نصطاد هذه الجراد مع ذراريها، ونُنج الخلق من كيد الخائنين (إتمام الحجة، ص 59).

4- فأوصيك أن لا تُمارِهم، ولا تخالِفْ قولهم بفهمٍ أنحَلَ وعقلٍ أقحَلَ، حمامة البشرى (2/ 5)

ويكمن الخطأ وفق زعمهم في حذف حرف العلة في الأفعال (يبق)، (ننجِ) و (تمارِهم) وهي أفعال منصوبة على حدّ زعمهم، وجب إثبات حرف العلة فيها لتكون الأفعال كما يلي: (ولا يبقى) (وننجيَ) و (أن لا تماريَهم) . وأما الجملة الثانية ففيها الفعل (يُفتي) وقع الخطأ فيه بإثبات حرف العلة رغم كون الفعل مجزوما بلام الأمر، ووجب حذف حرف العلة فيه ليكون وفق زعمهم (فليُفتِ).

الرد:

لقد أجبنا عن الفقرتين الثانية والرابعة في مقالين منفصلين وهما مظاهر الإعجاز 15 ومظاهر الإعجاز 94 يرجى الرجوع إليها على الروابط التالية:

نكتة الخطأ في جزم المضارع المنصوب

نكتة رفع المضارع المجزوم

أما بالنسبة للفقرتين الأولى والثالثة وما ورد فيهما من حذف لحرف العلة في الأفعال (يبق) و (ننجِ) فهي الأخرى لا خطأ واقع فيها، بل تسير على لغة وقاعدة عربية قرآنية وهي حذف حرف العلة من المضارع المعتل الآخر لغير الجازم، والسبب لهذا الحذف هو إما تخفيفا وإما مراعاة للفواصل؛ كما تنصّ عليه المصادر التالية:

يصرح عبد الله الفوزان في كتابه شرح مختصر قواعد الإعراب بجواز حذف حرف العلة لغير الجازم تخفيفا أو لمراعاة الفواصل، ويمثل لها بآيات من القرآن الكريم بقوله:

” القاعدة: أنّ حرف العلّة في الفعل المضارع لا يحذف إلا لدخول جازم. كقولنا مثلا: محمّد لم يدعُ، ولم يرضَ،…

((ولكن قد يحذف حرف العلة لغير جازم، إمّا لقصد التّخفيف، أو لرعاية الفواصل، وهذا وُجد في القرآن في مواضعَ، منها))

  1. قوله تعالى: ﴿يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ﴾ [هود: 105] لو فتحت المصحف تجد (يأتِ) تاء فقط وتحته كسرة، أين حرف العلّة؟ حُذف. هل فيه جازم هنا؟ ما فيه جازم. فيعلّل العلماء بأن الحذف هنا للتخفيف. لكن كيف أعرب يأت؟ فعل مضارع مرفوع بضمة مقدّرة على الياء المحذوفة رسما للتّخفيف.
  2. ومنه أيضا قول الله -تعالى-: ﴿ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا﴾ [الكهف: 64] أصله (نبغي)، مع أنّه ما فيه جازم هنا، إذن: نبغِ: فعل مضارع مرفوع بضمّة مقدّرة على الياء المحذوفة للتّخفيف.
  3. قول الله -تعالى: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ﴾ [الفجر: 4]، وقفا ووصلا تُقرأ (يَسْرِ)، ما فيها ياءٌ في المصحف، مع أنّ أصلها (يسري)، ولا جازم هنا، فأين ذهبتِ الياء؟ يقولون: هنا حُذفت الياء رعاية للفواصل، ﴿وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ(2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ(3) ﴾ [الفجر:1-3] إلى آخره، كلُّها آخرُها كسر، فحُذفت الياء رعاية للفواصل.” { شرح مختصر قواعد الإعراب لعبد الله الفوزان: 60}

وجاء في النحو الوافي عن جواز حذف الياء من الفعل المضارع المعتل الآخر تخفيفا أو مراعاة للفواصل على لغة بعض القبائل العربية ما يلي:

” سبق أن المضارع المعتل الآخر بالياء يرفع بضمة مقدرة عليها ويجزم بحذفها. والأغلب أن تكون هذه الياء مذكورة كالأمثلة التي عرضناها. ((ومن الجائز حذفها لغير جازم، قصدا للتخفيف، أو مراعاة الفواصل، ونحوها، تبعا لبعض القبائل العربية، بشرط أمن اللبس )) بين هذا النوع الجائز من الحذف” والنوع الآخر الواجب الذي سببه الجزم. وبإثبات الياء وحذفها في المضارع المرفوع، جاء القرآن الكريم، قال الله تعالى: {قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا} … وقال تعالى: {ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا} .” {النحو الوافي (1/ 186)}

ولا أدرِ سبب اقتصار النحو الوافي الحديث عن الحذف فقط على حرف الياء، رغم وروده في القرآن الكريم أيضا بحذف الواو كما يبيّنه المصدر التالي:

فعن حذف حرف العلة عامة في المضارع غير المجزوم جاء في “مجيب الندا إلى شرح قطر الندى” ما يلي:

“وقد يُحذف حرف العلة لغير جازم نحو

{وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ } (الشورى 25) { سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (19)} (العلق 19)” {مجيب الندا إلى شرح قطر الندى” ص 98}

وجاء في البديع في علم العربية ما يلي:

“وحذفوها (الياء) من الفعل المضارع لغير جازم كقوله:

كفّاك: كفّ لا تليق درهما … جودا، وأخرى تعط بالسّيف الدّما ” { البديع في علم العربية (2/ 688)}

ومن الأمثلة على ذلك ما جاء في:

” محمّد تفد نفسك كلّ نفس … إذا ما خفت من شيء تبالا

فليس يثبت ((لجواز أن يكون أراد: تفدي نفسك على الخبر، ولكن حذَفَ الياء تخفيفا كما حذفوا)) من: كرامي الأيد يريدون: الأيدي، وكذا ما أنشده الفراء ” {تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد (9/ 4307)}

وكذا ما جاء في:

“أو حذف الياء تخفيفاً كما حذفها من لا أدْرِ ولا أُبَالِ،” {شرح شافية ابن الحاجب – الرضي الأستراباذي (4/ 226)}

وبناء على ما تقدم وعلى اعتبار أن الأفعال (ننجِ ويبقَ) منصوبة -رغم أنها ليس بالضرورة أن تكون كذلك كما سنبيّنه في المقال التالي-؛ يثبت ما يلي:

  • أن حذف حرف العلة من الفعل المضارع غير المجزوم لهي لغة عربية قرآنية صحيحة وفصيحة لورودها في القرآن الكريم.
  • يجيز النحاة واللغويون والمصادر التي ذكرناها هذا الحذف لحرف العلة دون تقييده بحرف علة معين دون آخر، فقد ذكروا أمثلة من القرآن الكريم على الحذف للياء والواو كذلك.
  • يجوز هذا الحذف دون تقييده لحالة الرفع فقط، إذ تتحدث هذه المصادر عن الحذف لغير الجازم وهو ما يشمل حالة الرفع والنصب.

ونؤكد على ذلك بشرحنا التالي:

  • أقول، إذا كان الحذف سببه التخفيف، فمن باب أولى أن يجري هذا الحذف في الفعل المضارع المعتل الآخر بالياء والواو في حالة النصب بالذات، لأن لفظ الفتحة على الياء والواو أثقل على اللسان -في مِثل (نُنجيَ)- من عدم لفظ الضمة وتقديرها في حالة الرفع -مثل (بنغي /نبغِ و نرجو/ نرجُ)-.
  • كما أنه إذا كان الحذف سببه التخفيف فلا فرق في كون المضارع معتل الآخر منصوبا بالفتحة المقدرة على الألف، وكونه مرفوعا بضمة مقدرة على الواو أو الياء ليصح هذا الحذف، ففي كل هذه الحالات الحركة مقدرة وغير ملفوظة، والثقل على اللسان متساوٍ؛ لملائمة الحركة السابقة لحرف العلة مع حرف العلة نفسه.
  • ويؤكد ما نقول ما ورد من حذف الياء المفتوحة في الأسماء للتخفيف كما جاء في: “(وَأَفُكُّ عَانَهُ) أَيْ أُخَلِّصُ أَسِيرَهُ بِالْفِدَاءِ عَنْهُ وَأَصْلُهُ عَانِيَهُ حَذَفَ الْيَاءَ تَخْفِيفًا” {عون المعبود وحاشية ابن القيم (8/ 77)}

أقول كل هذا على اعتبار وافتراض أن الأفعال المعترَض عليها هي بالفعل منصوبة، وعلى اعتبار ال (واو) التي سبقتها هي (واو) العطف حيث جاءت هذه الأفعال معطوفة على الأفعال المنصوبة التي سبقتها.

إلا أنه في الحقيقة ليس بالضرورة لهذه الواو أن تكون عاطفة كما ليس بالضرورة لهذه الأفعال أن تكون منصوبة كما سنبيّنه في المقال التالي.

ومن هنا يثبت، أنه على اعتبار الأفعال (ننجِ) و(يبقَ) منصوبة فلا خطأ واقع في حذف حرف العلة منها، إذ جاء كل ذلك على اللغة القرآنية الفصيحة التي تجيز حذف حرف العلة من الفعل المضارع المعتل لغير الجازم، كما في عدة آيات قرآنية سبق ذكرها ، وكما أقرّ بكل ذلك أمهات المصادر النحوية.