المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود ع العربية ..91

إضمار ضمير الشأن بعد (كاد)

الاعتراض:

تقول دكتوراة الجهل والتحدي السابع اعتراضا على لغة المسيح الموعود عليه السلام:

“كاد واسمها وخبرها

إذا توسّط الخبر بين كاد وبين اسمها فلا يقترن بـ “أنْ”. (الهاشمي، القواعد الأساسية للغة العربية حسب ألفية ابن مالك، ص 152). والأفصح ألا يقترن “أن” بخبرها في كل الأحوال، سواء تقدّم اسمها أم تأخر. فإذا تأخر اسمها فمن الخطأ إضافة “أن”. أما إذا تأخر الخبر فإضافته أدنى فصاحة، وليست خطأً؛ فوجودها في بعض اللهجات يُخرجها من دائرة الخطأ إلى دائرة الضعف.

وقد ذكر المعارضون سبعة مواضع لهذا الخطأ المزعوم منها الجملة التالية:

1- وكاد أن ينفطر عمود الإسلام (سر الخلافة). الصحيح وفق زعم المعارضين: وكاد عمود الإسلام ينفطر.

الردّ:

كنا قد بيّنا صحة وفصاحة كلام المسيح الموعود عليه السلام في كل العبارات المعترَض عليها في هذا الصدد، وذلك في ثلاثة مقالات منفصلة ( يُنظر مظاهر الإعجاز 43، 44، و 90 على الروابط التالية:

 التحدي السابع من باب “دخول أن على خبر كاد”

دخول “أن” على خبر كاد وتوسط هذا الخبر بين كاد واسمها – الجزء الثاني

دخول “أن” على خبر كاد وتوسط هذا الخبر بين كاد واسمها – الجزء الأول

إلا أننا وبمواصلة البحث في هذه القضية وجدنا توجيها جديدا لها، وهو يندرج تحت باب إضمار ضمير الشأن بعد (كاد).

حيث يقول السيوطي في الهمع عن ضمير الشأن ما يلي: ((التركيز على ما بين الأقواس المزدوجة))

ضمير الشَّأْن فَإِن مفسره الْجُمْلَة بعده قَالَ أَبُو حَيَّان وَهُوَ ضمير غَائِب يَأْتِي صدر الْجُمْلَة الخبرية دَالا على قصد الْمُتَكَلّم استعظام السَّامع حَدِيثه وتسميه البصريون ضمير الشَّأْن والْحَدِيث إِذا كَانَ مذكرا وَضمير الْقِصَّة إِذا كَانَ مؤنثا…. وَسَماهُ الْكُوفِيُّونَ ضمير الْمَجْهُول لِأَنَّهُ لَا يدْرِي عِنْدهم مَا يعود عَلَيْهِ وَلَا خلاف فِي أَنه اسْم يحكم على مَوْضِعه بالإعراب على حسب الْعَامِل إِلَّا مَا ذهب إِلَيْهِ ابْن الطراوة من زَعمه أَنه حرف فَإِنَّهُ إِذا دخل على إِن كفها عَن الْعَمَل كَمَا يكفها مَا وَكَذَا إِذا دخل على الْأَفْعَال الناسخة كفها وتلغى كَمَا يلغى بَاب ظن …. ويبرز مَنْصُوبًا فِي بَابي إِن وَظن نَحْو {وَأَنه لما قَامَ عبد الله} الْجِنّ 19 وَقَوله –

(عَلمْتُه الحقَّ لَا يَخْفى على أحَدِ … ) ويستكن فِي بَاب كَانَ وَكَاد نَحْو –

(إِذا متُّ كَانَ الناسُ صنفان شامِتٌ … وآخرُ مُثْن بِالَّذِي كنتُ أصْنَعُ)

((وَقَالَ تَعَالَى {من بعد مَا كَاد يزِيغ قُلُوب فريق مِنْهُم} التَّوْبَة 117 فى قِرَاءَة يزِيغ بالتحتية وَمنع الْفراء وُقُوعه فى بَاب كَانَ وَطَائِفَة وُقُوعه فى بَاب كَاد))” إ.ه { همع الهوامع في شرح جمع الجوامع (1/ 272) }

يتضح مما جاء في الهمع أن طائفة من النحاة تجيز إضمار ضمير الشأن بعد (كاد) على أن يكون هو اسمها والجملة بعده في محل خبر (كاد).

وقد مثّل لذلك بالآية القرآنية {مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ } (التوبة 117)

وهذا ما تؤكده المصادر الأخرى في حديثها عن ضمير الشأن بعد (كاد) خاصة في الآية آنفة الذكر، حيث جاء:

وأمَّا (كَاد) فَفعل متصرّف يدلُّ على شدَّة مقاربة الْفِعْل وَمن هَهُنَا لم يدْخل خَبَرها (أَن) ليَكُون لَفظه كَلَفْظِ فعل الْحَال فإنْ جَاءَت فِيهِ (أَن) فَهُوَ شاذّ مَحْمُول على (عَسى) كَمَا حملت عَسى على (كَاد)(( فإنْ تقدَّم الْفِعْل كَقَوْلِه تَعَالَى {من بعد مَا كَاد يزِيغ قُلُوب فريق مِنْهُم} كَانَ فِيهَا أَرْبَعَة أوجه أَحدهَا أَن يكون فِيهَا ضمير الشَّأْن وَالْجُمْلَة بعْدهَا مفسّرة ….“)){إ.هـ (اللباب في علل البناء والإعراب (1/ 194)}

وجاء في كتاب ارتشاف الضرب من لسان العرب لأبي حيان الأندلسي (2/ 951) عن ضمير الشأن:

ويستكن (ضمير الشأن) في باب كان نحو: كان زيد قائم، واختلفوا في هذا التركيب، فأجازه الجمهور، وأنكر الفراء سماعه، وهو محجوج بوجوده في كلامهم،(( وفي باب كاد خلاف جوزه سيبويه فيه نحو: قراءة من قرأ [بعدما كاد يزيغ قلوب فريق منهم] بياء الغيبة في يزيغ))، ومنعه بعضهم وتقدم مذهب ابن الطراوة في لحاق هذا الضمير.

وجاء في نفس المصدر كذلك :

كلام العرب: عسى زيد قائم، فتجعل «زيدًا» مبتدأ، وقائمًا خبره، ومن العرب من يجعلها في معنى كان فيقول: عسى زيد قائمًا فيجوز في قول من قال: عسى زيد قائم، أن يكون عسى أسندت لضمير الشأن،(( وقد أجاز ذلك الأخفش في قوله تعالى: «من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق»)). …..” {ارتشاف الضرب من لسان العرب لأبي حيان الأندلسي (3/ 1228)}

وجاء في شرح كتاب سيبويه (1/ 352) كا يلي:

((“أضمر في ” كان ” الأمر والشأن. وقال بعضهم: ” كان أنت خير منهم ” على معنى كان الأمر، ومثله قوله تعالى: مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ) (2).

يعني: أن في ” كاد ” ضميرا من الأمر والشأن؛ لأن ” كاد ” فعل، و ” يزيغ ” فعل، ولا يعمل الفعل في الفعل…))

وجاء في تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد (3/ 1271):

وأما قوله: «وندر إسنادها إلى ضمير الشأن» فقد تقدم في باب المضمر أن كاد من قوله تعالى: مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ أن كاد مسندة إلى ضمير الشأن في [2/ 81] قراءة من قرأ «يزيغ» بالياء ، ولكن هذه القراءة ثابته في السبعة، فلا يوصف مثلها بالندور

يتضح من كل ما جاء في هذه المصادر ما يلي:

  • تجويز النحاة لإضمار ضمير الشأن بعد كاد خاصة إذا تقدم خبرها على اسمها أو إذا تقدم الفعل على اسمها.
  • ممن جوّز إسنادها إلى ضمير الشأن ثلة من العلماء مثل سيبويه والأخفش .
  • مثّلوا على ذلك بالقراءة القرآنية الأكثر شيوعا للآية الكريمة: {مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ } (التوبة 117)؛ مما يدل على فصاحة وبلاغة هذه اللغة وهذا التركيب في إسناد (كاد) إلى ضمير الشأن.
  • نظرا لشيوع هذه القراءة للآية، فقد نفى مؤلف “شرح التسهيل” أن توصَف هذه القراءة وبالتالي هذا التركيب في إسناد (كاد) إلى ضمير الشأن بأنها نادرة.

وبناء على كل هذا فإننا نرى بأن أحد التوجيهات الممكنة للفقرات المعترَض عليها في كلام المسيح الموعود عليه السلام في هذا الصدد، هو كونها تندرج تحت إسناد (كاد) إلى ضمير الشأن على أن يكون هو اسمها والجملة بعده في محل خبرها.

نورد هذه الفقرات مع تفسيرنا لها وفق إسناد (كاد) إلى ضمير الشأن وهو ضمير مستتر يفسَّر بالشأن أو القصة، وهو ما بيّناه بين الأقواس:

  1. وكاد ( الشأن) أن ينفطر عمود الإسلام (سر الخلافة).
  2. وكاد ( الشأن) أن تزهق نفسه بعد سماع هذه المصيبة (مكتوب أحمد).
  3. وكادت (القصة) أن تغرب شمس الدين (الخطبة الإلهامية).
  4. وكاد (الشأن) أن تنعدم جهلاتهم (لجة النور).
  5. وكاد (الشأن) أن يتفطرنَ منها السماوات (الهدى والتبصرة، ص 75).
  6. وكاد (الشأن) أن يشقّ ضحكهم أشداقَهم (مواهب الرحمن).
  7. وكاد (الشأن) أن تنجاب الثلوج (مواهب الرحمن، ص 23).

وقد تفيهق وتنطع المعارضون سابقا بالقول إن ضمير الشأن لا بدّ لاستعماله أن يكون الحديث عن شأن عظيم، يكون قصد المتكلم منه استعظام الأمر أمام السامع أو القارئ، ولا يكون استعماله في كل حال وكل مقال.

فنقول ونرد على مثل هذا الاعتراض بما يلي:

  • أولا من بين كل ما قرأناه وما لاحظناه في أمهات المصادر العربية عند حديثها عن ضمير الشأن وتوجيه العديد من العبارات وفق هذا الباب، والتمثيل بأمثلة مختلفة على هذا الباب؛ لم نجدهم يأخذون هذا الشرط نصب أعينهم في توجيهاتهم المختلفة.
  • مسألة استعظام الكلام أمام القارئ أو السامع هذا أمر يعود إلى نيّة المتكلم أو الكاتب، بحيث لا يجوز لأحد أن ينفي وجودها في كلامه لمجرد التخمين والحدس والاعتراض، خاصة إذا كان السياق وفحوى الكلام يومئ إلى أن الأمر في غاية الأهمية لدى الكاتب، وقد يكون قصده بالفعل استعظام الأمر أمام القارئ.
  • أما بالنسبة للمسيح الموعود عليه السلام فإن الأمر جدّ سهل، فأقول إن كلام مسيح الزمان كلّه عظيم الشأن وفي غاية الأهمية والعظمة مما يستلزم استعظامه أمام السامع والقارئ. ومن هذا المنطلق يحقّ للمسيح الموعود عليه السلام إضمار ضمير الشأن أينما أراد في كلامه. كما ويحق لنا أن نقدّر هذا الإضمار أينما أردنا في كلامه، فكلامه بالنسبة له ولنا كله عظيم الشأن.
  • أما إذا نظرنا إلى الفقرات المعترض عليها بالذات ونظرنا في سياقها، فإننا لا نجد شأنها خال من العظمة، ولا نجد السياق والمعنى خال من الأهمية والعظمة التي تستلزم استعظام الكلام أمام القارئ أو السامع لها؛ مما يؤكد إمكانية إضمار ضمير الشأن في كلها.