المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود عليه السلام العربية ..92

الاستشهاد بالروايات الحديثية في اللغة منهج كبار النحاة ومنهجنا الذي لن نحيد عنه

توسط خبر كاد المقترن بأن بينها واسمها

اعتراض دكتوراة الجهل:

يقول المعترضون بخطأ المسيح الموعود عليه السلام في سبع عبارات اقترن فيها خبر كاد بـ (أن) وتوسط بين كاد واسمها في هذه الحال؛ كما في العبارة التالية: وكادت أن تغرب شمس الدين (الخطبة الإلهامية).

الردّ:

لقد فندنا اعتراض المعترضين هذا مرارا وتكرارا بأدلة وحجج دامغة في أكثر من مقال ووفق توجيهات مختلفة داعمين هذا بآراء كبار النحويين واللغويين (ينظر مظاهر الإعجاز 43 و44 و90 و91) على الروابط التالية:

ورغم ذلك يستمر المعارضون في دجلهم أننا لم نردّ على قضية عدم جواز توسّط الخبر المقترن بـ (أن) بين كاد واسمها؛ رغم أن المقال مظاهر الإعجاز 44 مخصص بالذات للردّ على هذه الجزئية؛ ومن ضمن ما قلناه في هذا الشأن ما يلي:

  • أن كلّا من جهابذة اللغة التالية أسماؤهم: السيرافي، الفارسي، والمبرد؛ كل هؤلاء أقرّ بجواز توسط خبر كاد المقترن بـ (أن) بين كاد واسمها.
  • مؤلف النحو الوافي عباس حسن والذي تأليفه للنحو الوافي يدل على غزارة علمه وتعمقه في النحو واللغة أقرّ بأن رأي من يبيح هذا التوسط هو الأفضل الذي لا بد ّمن الأخذ به لأنه أقل تعسفا وتعقيدا.
  • لم يصنّف النحو الوافي هذا التوسط في عداد الخطأ النحوي، بل قال إنه أقل فصاحة من الرأي الآخر، وهو ما يؤكد أن هذا التوسط صحيح لا خطأ فيه، وفصيح كذلك إلا أنه ليس الأفصح.
  • وفي مقال آخر مظاهر الإعجاز 91 أضفنا توجيها آخر لمثل هذه العبارات يندرج تحت إضمار ضمير الشأن بعد (كاد) على أن تكون الجملة بعده في محل خبرها.
  • إذا، فهذان المقالان يردّان بشكل قطعي على جزئية ادعاء الخطأ في توسط الخبر المقترن بأن، ولا شك ان المعارضين قرأوه ووعوه جيدا إلا أنهم يستمرون بالدجل على الناس بالقول أنه لا رد على هذه الجزئية. ولا يتجرأون على الردّ علينا فيها سوى بترديد ترّهاتهم الزائفة.

ويستمر المعارضون بمطالبة الأحمديين بعرض ردودهم على العلماء والأدباء ومعلمي المدارس؛ فنقول لهم يا من غرقتم في الجهل والدجل، الذي يحتكم لعباس حسن والنحو الوافي والسيرافي والمبرد والفارسي أهو بحاجة لعلماء ومدرسي اليوم ليحتكم لهم!؟؟؟؟

ولما جُوبه المعارضون بحديثين شريفين وردَ فيهما خبر كاد مقرونا بأن ومتوسطا بين كاد واسمها، أخذ هؤلاء بالتشكيك في هذه الروايات الحديثية والقول أنه لا بد من الأخذ بالرواية التي تتفق مع القرآن الكريم والقاعدة النحوية المبنية عليه والتي تتفق مع الذوق والروايات الأخرى لنفس الحديث.

وهنا لا بد أن نؤكد على الأمور التالية:

  • لا جدال ولا نقاش في كون القرآن الكريم هو أعلى مستويات الفصاحة، إلا أن هذا الأمر لا يجعل الفصاحة محصورة فقط في القرآن الكريم.
  • كما أن القواعد النحوية لا تُستنبط فقط من القرآن الكريم مما يجعل الصحيح النحوي أيضا غير محصور في القرآن الكريم فقط.
  • بل إن الفصاحة وتقعيد اللغة لها مصادر مختلفة، فمنها القرآن الكريم وهو أهمها وأفصحها، ثم لغة القبائل العربية الموغلة في البداوية – نثرا وشعرا- والتي كانت تسكن بالذات أواسط الجزيرة العربية، ثم المصادر الأخرى المنبثقة من عصور الاحتجاج اللغوي؛ هذا بالإضافة إلى لغة الإمام الشافعي الذي يُعتبر حجة في اللغة.
  • ومن أحد أهم مصادر الاحتجاج في النحو لهو الحديث الشريف برواياته المختلفة؛ وهذا مذهب الكثير من كبار وجهابذة النحاة وعلى رأسهم ابن مالك الأندلسي، والذي فتح باب الاحتجاج بالحديث على مصراعية خاصة في أشهر كتبه وهو “شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح” .
  • فابن مالك يأخذ بالروايات الحديثية على أنها لغة عربية فصيحة، ويؤكد على أنه حتى المشكل فيها لهو من فصيح كلام العرب.
  • ومن أهم ما ذكره ابن مالك في هذا السياق هو حديثه وتصحيحه وتفصيحه لاقتران خبر كاد بـ (أنْ) حيث قال: (فإذا انضم إلى هذا التعليل استعمال فصيح ونقل صحيح كما في الأحاديث المذكورة تأكّد الدليل، ولم يوجد لمخالفته سبيل).
  • كما أن مجمع اللغة القاهري قد أيّد منهج ابن مالك في جواز الاحتجاج بالحديث الشريف على اختلاف رواياته في قراره الذي وخلاصته ما يلي: (وخلاصة البحث أنا نرى الاستشهاد بألفاظ ما يُروى في كتب الحديث المدونة في الصدر الأول، وإن اختلفت فيها الرواية، ولا يُستثنى إِلا الألفاظ التي تجيء في رواية شاذة أويغمزها بعض المحدثين بالغلط أو التصحيف غمزًا لا مرد له). {شواهد التوضيح 26)
  • ويؤكد الدكتور فريد أمعضشو في مقاله “قصية الاستشهاد بالحديث في اللغة” أن عدد النحاة الذين منعوا الاستشهاد بالحديث يُعدون على أصابع اليد الواحدة، مثل أبي حيان الأندلسي وابن الضائع، وأما أغلبية النحاة وجهابذة النحو المعروفين فهم من أصحاب مذهب الاحتجاج بالحديث مطلقا ومنهم عدّد الكثير من الأسماء؛ وقال عن بعضهم أنهم لم يترددوا في الاستشهاد بالحديث غير المتواتر أيضا؛ ومن أشهر هؤلاء النحاة : ابن مالك، ابن هشام الأنصاري، ابن عقيل، والدماميني الذي لم يفوت اي فرصة سانحة للاستشهاد بالحديث.
  • لذلك فإن شطب الروايات الحديثية الذي ذهب إليه المعارضون، ليس حجة في تخطئ كلام المسيح الموعود عليه السلام، كما أنه مخالف لمذهب كبار النحاة الذين يأخون بالرواية الحديثية وإن تعددت رواياتها واختلفت.
  • وهنا نقول إن تخطيء الروايات الحديثية وإن تعددت واختلفت لهو تخطيئ لكل رواة وناقلي الحديث نفسه وتخطيئ لكل جامعيه وناقليه ومدونيه .
  • فهل يعقل إن كانت الرواية خاطئة من الناحية اللغوية أن ينقلها الرواة والمحدثين والجامعين للحديث والمدونين له كلهم أجمعين بخطئها اللغوي والنحوي دون أن يصححوه، وهم يعرفون أنها ليست لغة عربية صحيحة!؟؟
  • هل من الممكن أن تتناقل المصادرالعديدة المختلفة الرواية الحديثية الخاطئة نحويا ولغويا دون أن يقوم المؤلف بتصحيحها قبل التدوين!؟

لذلك فإن الحكم على الروايات الحديثية بالخطأ لغويا ونحويا؛ إنما هو حكم بالخطـأ واللحن والجهل، على جهابذة اللغة الذين نقلوا هذه الأحاديث ودونوها واستشهدوا فيها واحتجوا بها نحويا ؛ وهذا ما لا يجوزه العقل ولا المنطق.